ملخص: يؤثر الاكتئاب في الملايين حول العالم، ويعاني نحو 30% من المكتئبين ما يُعرف بـ "الاكتئاب المقاوم للعلاج"؛ أي الاكتئاب الذي فشل العديد من الأدوية وطرائق العلاج النفسي في تحسين أعراضه.
ونظراً إلى أن الأساليب التقليدية في تحديد نوع العلاج ونوع مضاد الاكتئاب تعتمد على التجربة والخطأ؛ فإن ذلك يسهم في المعاناة الطويلة الأمد وتفاقم الأعراض. لذلك، ومن أجل تحقيق نتائج أفضل في العلاج من المحاولة الأولى؛ لجأ فريق بحثي من كلية الطب بجامعة ستانفورد إلى تحديد 6 أنواع للاكتئاب تختلف في الأعراض والسلوك والاستجابة للعلاج، وإليك ما توصلوا إليه.
محتويات المقال
حددت الدراسة التي نُشرت في دورية نيتشر ميدسين (Nature Medicine) في النصف الثاني من شهر يونيو/حزيران في 2024، 6 أنواع فرعية من الاكتئاب، وقد استطاع الباحثون التنبؤ بالاستجابة الأفضل للعلاجات المختلفة بناءً على "الأنماط الحيوية" للاكتئاب. فما هذه الأنواع؟ وما الذي يميز كلاً منها؟ وكيف ستسهم هذه الدراسة في تحديد العلاج الأمثل للاكتئاب؟ إليك التفاصيل.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الاكتئاب
ما المنهجية التي اعتمدت عليها الدراسة؟
شملت الدراسة 800 مشارك ومشاركاً مشخصاً بالاكتئاب والقلق؛ حيث استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي من أجل تقييم نشاط الدماغ في أثناء الراحة وفي أثناء أداء المهام المصممة لاختبار الأداءَين الإدراكي والعاطفي، ثم ومن خلال استخدام التعلم الآلي، جمّع الباحثون صور أدمغة المرضى وحدّدوا 6 أنماط مميزة وفقاً لمناطق الخلل في الدماغ؛ يتوافق كل منها مع نوع فرعي فريد من الاكتئاب.
ما الأنواع الستة التي حددها الباحثون؟ وما العلاجات الأفضل التي ذكروها؟
حددت الدراسة 6 أنواع حيوية من الاكتئاب؛ يتميز كل منها بخلل وظيفي محدد في مناطق محددة من الدماغ وسمات سريرية مرتبطة به وأعراض مختلفة. فيما يلي ملخص لكل نوع حيوي بالإضافة إلى خصائصه المميزة:
- النمط الحيوي الأول (+DC+SC+AC): الخلل الوظيفي الدماغي في هذا النوع عبارة عن فرط الاتصال في كل من شبكة الوضع الافتراضي (شبكة من مناطق الدماغ تنشط عندما يكون الشخص في حالة راحة ولا يركز على العالم الخارجي) ودائرة الأهمية والانتباه (الدائرة في الدماغ هي شبكة من الخلايا العصبية التي تعمل معاً لأداء وظائف محددة). يرتبط ذلك سريرياً بتباطؤ الاستجابات العاطفية والانتباه؛ أي قد يعاني الأفراد في هذا النمط الحيوي حساسية متزايدة للمثيرات العاطفية وصعوبة في تحويل الانتباه.
اقرأ أيضاً: مضادات الاكتئاب ليست دائماً الحل الأمثل لعلاج الاكتئاب
- النمط الحيوي الثاني (+AC): يتجلى الخلل في هذا النوع بنقص الاتصال داخل دائرة الانتباه الجبهية الجدارية، ويرتبط سريرياً بفقدان التركيز والاندفاع؛ أي غالباً ما يواجه هؤلاء الأفراد صعوبة في الحفاظ على التركيز وقد يُظهرون سلوكيات اندفاعية.
- النمط الحيوي الثالث (+NSA+PA): يحدث نتيجة نشاط متزايد داخل المناطق القشرية وتحت القشرية المرتبطة بمعالجة كل من المشاعر الإيجابية والمشاعر السلبية، خصوصاً الحزن. سريرياً، يظهِر هذا النمط انعدام التلذذ على نحو واضح؛ أي يتميز باستجابة عاطفية منخفضة؛ ما يصعّب على الأفراد تجربة الفرح أو المتعة.
- النمط الحيوي الرابع (-NTCC-CA): يتميز بانخفاض النشاط الدماغي في أثناء مهمة التحكم المعرفي، بالإضافة إلى انخفاض الاتصال في دائرة المعالجة الواعية للتهديدات. أما السمات السريرية، فهي ضعف السيطرة الإدراكية وصعوبة تنظيم العواطف. بكلمات أخرى: قد يواجه الأفراد صعوبة في إدارة أفكارهم وعواطفهم؛ ما يؤدي إلى مشكلات في اتخاذ القرار وتنظيم المشاعر.
- النمط الحيوي الخامس (+CA): يحدث الخلل نتيجة زيادة التنشيط في دائرة التحكم المعرفي. وعلى الرغم من أن الباحثين لم يوضحوا السمات السريرية المحددة لهذا النمط الحيوي، فإنهم ذكروا إن هذه الفئة ترتبط بضعف معرفي وسلوكي.
- النمط الحيوي السادس (-AC): يتميز بانخفاض الاتصال في دائرة الانتباه.
اقرأ أيضاً: ما العادات التي قد تساعدك على الوقاية من الاكتئاب؟
كيف تستجيب الأنواع المختلفة من الاكتئاب للعلاج السلوكي أو الدوائي؟
في الواقع، ذكر الباحثون إنهم قارنوا فعالية العلاجات المختلفة لكل نمط حيوي، سواء الدوائية منها أو السلوكية، من أجل تطوير الطب النفسي الدقيق من الناحية البيولوجية العصبية. ونتيجة أن النمط الحيوي الأول الذي يتميز بفرط الاتصال في شبكة الوضع الافتراضي والدوائر الأخرى الخالية من المهام؛ فإن الاستجابة الأفضل كانت للعلاج السلوكي وليس الدوائي؛ وذلك لأن النشاط الدماغي العالي يدعم تبني استراتيجيات مواجهة جديدة ومهارات حل المشكلات.
من ناحية أخرى، بالنسبة إلى الأنماط الحيوية ذات النشاط المنخفض في المناطق المرتبطة بالانتباه والمشاركة، فقد لا يكون العلاج السلوكي وحده فعالاً في البداية؛ إذ بالنسبة إلى هؤلاء المرضى، يمكن أن يساعد العلاج الدوائي على تعزيز النشاط في هذه المناطق؛ ما يجعلهم أكثر تقبلاً لفوائد العلاج السلوكي فيما بعد.
على سبيل المثال؛ المرضى الذين يعانون النمط الحيوي (-AC) لديهم تفاعل وانتباه أقل؛ ما يصعّب عليهم الاستفادة من العلاج السلوكي وحده؛ ومن ثَمَّ يمكن للأدوية أن تعزِّز نشاط الدماغ في هذه المناطق مؤديةً إلى تحسين تفاعلهم وانتباههم؛ ما يجعل العلاج السلوكي اللاحق أكثر فعالية. علاوة على ذلك، وُجد أن النمط الذي يتميز بفرط نشاط دائرة التحكم، النمط الخامس، أفضل استجابة لدواء الفينلافاكسين (Venlafaxine) الذي يعمل على تثبيط استرداد السيروتونين والنورإبينفرين في الدماغ، مقارنة بالعلاج بالكلام.
اقرأ أيضاً: هذه الأدوية الشائعة قد تُصيبك بالاكتئاب!
كيف ستسهم هذه الدراسة في مستقبل علاج الاكتئاب؟
سلّطت هذه الدراسة الضوء على أهمية تصميم العلاجات على أساس أنماط النشاط الدماغية الفردية؛ أي قد يلجأ الأطباء في المستقبل القريب إلى استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي في تقييم أنماط نشاط الدماغ؛ ومن ثم تحديد النمط البيولوجي المحدد للاكتئاب الذي يعانيه المريض، وتحديد أفضل علاج مناسب له.
يمكن لهذه العلاجات المصممة خصيصاً حسب حالة المريض أن تقلل فترة التجربة والخطأ التي عادة ما ترتبط بإيجاد مضاد الاكتئاب أو العلاج المناسب؛ وهذا يعني راحة أسرع للمرضى وانخفاضاً في مدة الاكتئاب المزمن. ويهدف الباحثون إلى توسيع الدراسة لتشمل المزيد من المشاركين بالإضافة إلى استكشاف مجموعة أوسع من العلاجات؛ بما فيها المستحضرات الصيدلانية الجديدة التي لا تُستخدم تقليدياً لعلاج الاكتئاب.
اقرأ أيضاً: كيف أتخلص من الاكتئاب المبتسم؟
يتضمن دمج هذه النتائج في الممارسة السريرية وضع معايير محددة من أجل استخدام تصوير الدماغ في التشخيص وتخطيط العلاج؛ ما قد يؤدي في النهاية إلى الاستخدام الروتيني للرنين المغناطيسي الوظيفي في تقييمات الطب النفسي؛ الأمر الذي سيتيح تدخلات أكثر دقة وفعالية. وختاماً، تذكّر أن الاكتئاب مرض وعليك ألا تقاومه بنفسك؛ إذ يقول الطبيب النفسي أحمد الدباس، إنه كلما شُخص الاكتئاب مبكراً كانت نتائج العلاج أفضل.