كيف تؤثر ملامح المتهمين في أحكام القضاة؟

4 دقيقة
ملامح الوجه
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

هل سبق وخطر ببالك أن ملامح الوجه تؤثر في الحكم على الأشخاص؟ على سبيل المثال هل يمكن لملامح المتهمين أن تحدد الأحكام الصادرة في حقهم؟ وفقاً لدراسة بحثية نشرتها مجلة الطب النفسي وعلم النفس والقانون (Psychiatry, Psychology and Law)، فإن ملامح الوجه تؤدي دوراً محورياً في العقوبات التي ينالها المتهمون، فكيف يتحكم المظهر الجسدي والملامح في قرارات القضاة؟ الإجابة عبر هذا المقال.

العلم يؤكد: ملامح الوجه قد تتحكم في الأحكام القضائية!

كشفت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن جاذبية الوجه تؤثر في إصدار أحكام الإدانة، وقد حاول الباحثون المشاركون في هذه الدراسة فهم تأثير الانطباعات الأولى المستندة إلى مظهر الوجه في قرارات الإدانة أو البراءة الخاصة بالقضايا القانونية، وكانوا مهتمين بمعرفة العلاقة بين جاذبية الوجه والجدارة بالثقة، ومن أجل تحقيق هذا الغرض طلب الباحثون من 128 مشاركاً من كولومبيا وإسبانيا وبيرو إصدار أحكامهم حول وجوه 9 أشخاص.

وعُرض على المشاركين سيناريو افتراضي وهو عبارة عن قضية احتيال في موعد غرامي، وطُلب من المشاركين أن يتخيلوا أنفسهم قضاة وأن يقيّموا إدانة أو براءة الوجوه المعروضة والتي صُنفّت وفقاً للباحثين إلى 3 مستويات من الجاذبية؛ غير جذابة ومحايدة وجذابة، وكشفت نتائج الدراسة أن أكثر المشاركين أكدوا أن الوجوه غير الجذابة بريئة مقارنة بالوجوه المحايدة والجذابة.

ويشير هذا الاكتشاف المفاجئ إلى أن الأشخاص قد يكونون أكثر تساهلاً تجاه الأفراد غير الجذابين في هذه النوعية من القضايا، ويمكن القول إن هذا الاستنتاج يتحدى الافتراض القائل بأن الأفراد الجذابين يتلقون دائماً معاملة جيدة. وأوضحت الباحثة المشاركة في الدراسة، أوليفيرا لا روزا (Olivera-La Rosa)، أن هذه النتائج تعزز تأثير التحيز الضمني في القرارات القانونية، وعلى الرغم من أن النظام القانوني قائم بالأساس على العقلانية فإنه ليس محصناً ضد التحيزات المتعلقة بالملامح، وخاصة أن القضاة في نهاية المطاف هم بشر ما يعني أنهم ما زالوا عرضة للتحيز، وتُحذر لا روزا من أن نتائج الدراسة استندت على الاحتيال في موعد غرامي لهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تعميم النتائج على جرائم أخرى.

اقرأ أيضاً: 5 إرشادات تدل على أن خوفك من أحكام الآخرين يعرقل حياتك

لماذا تلجأ في بعض الأوقات إلى الحكم على الأشخاص من مظهرهم؟

هل سبق لك أن حكمت على شخص قابلته للتو من مظهره الخارجي؟ في الحقيقة معظمنا فعل ذلك من قبل، وإليك أهم الأسباب التي تدفع إلى هذا الأمر:

1. السلوك الفطري النابع من علم النفس التطوري

من منظور تطوري، ساعدت الأحكام السريعة القائمة على المظهر عملية البقاء؛ حيث كان البشر الأوائل بحاجة إلى تقييم التهديدات والفرص في بيئتهم بسرعة، بما في ذلك التمييز بين الصديق والعدو، وكانت السمات التي تشير إلى الصحة أو القوة أو الخصوبة مهمة على نحو خاص.

2. المعايير المجتمعية

يخضع المظهر الجسدي في الكثير من الأحيان للمعايير المجتمعية، ومن ثم تؤثر تلك المعايير تأثيراً محورياً في حكمك على الأشخاص؛ على سبيل المثال، يرتبط الطول والبنية العضلية لدى الرجال تقليدياً بالقدرة على الحماية والدعم، وهي السمات التي قد تسهم في أدوار القيادة أو الرغبة في الشخص بصفته شريكاً عاطفياً.

3. التحيزات المعرفية

هي أخطاء تقدير تقع فيها وتكررها باستمرار دون أن تنتبه إلى ذلك لأنك تظن أن الخطأ الذي ترتكبه هو الإدراك الحقيقي للواقع، ومن أهم التحيزات المعرفية التي لها علاقة بالحكم على الأشخاص من مظهرهم:

  • تأثير الهالة: يُشار إلى تأثير الهالة أيضاً باسم الصورة النمطية للجاذبية الجسدية ومبدأ "ما هو جميل هو أيضاً جيد" ولهذا قد تظن أن الشخص الوسيم هو الأكثر ذكاءً وإيجابية.
  • تأثير الهالة العكسية: يحدث عندما تسمح لصفة واحدة سلبية في الشخص أن تؤثر في انطباعك عنه، ويمكن القول إن هذا التأثير يحدث أيضاً في حالات أخرى، مثل الحكم سلباً على قدرات شخص ما أو أخلاقياته في العمل أو ذكائه بناءً على خلفيته الاجتماعية والاقتصادية، وعلى الجانب الآخر، يحدث تأثير الهالة العكسية عندما تتسبب التصورات الإيجابية المرتبطة بشخص ما في ردود فعل وعواقب سلبية، على سبيل المثال، حين تفترض أن الشخص الموهوب هو بالضرورة متعجرف ويتحدث كثيراً عن إنجازاته.

ويمكن القول إن سبب حدوث التحيزات المعرفة السابقة هو أن دماغك يعالج المعلومات والمحفزات باستمرار، ومن أجل توفير الوقت يعتمد دماغك على أنواع مختلفة من القواعد لاستخلاص استنتاجات سريعة في المواقف المعقدة، ونظراً لأن قوة الدماغ محدودة، فإن تقليل الجهد العقلي باستخدام التحيزات الشائعة يساعدك على تجنب الإجهاد وتوفير الطاقة من أجل أداء المهام الأكثر ضرورة.

اقرأ أيضاً: الانحيازات السلوكية: ماذا تفعل تجاه العيوب التي تشوب طريقتك في التفكير؟

كيف تتوقف عن إصدار الأحكام على الآخرين من مظهرهم الخارجي؟

على الرغم من أن إصدار الأحكام أو الانطباعات الأولى على الآخرين قد يكون صحيحاً في بعض الأوقات، فإنه يمكن أن يسبب بعض الأضرار، على سبيل المثال، تخيل أنك تعمل في إدارة الموارد البشرية بإحدى الشركات واخترت موظفاً بناء على المظهر الخارجي، حينها يمكن أن تؤثر في حياة شخص آخر كان هو الأعلى كفاءة، ولهذا ربما عليك أن تتوقف عن إصدار الأحكام على الآخرين من مظهرهم الخارجي، وذلك عبر اتباع الإرشادات التالية:

1. انتبه لأفكارك

الخطوة الأولى التي ستمكنك من التوقف عن إصدار الأحكام على الآخرين وفقاً للمظهر الخارجي هي إدراك أنك تفعل ذلك، ولهذا ابدأ في إيلاء المزيد من الاهتمام لأفكارك، حتى تتمكن من تدريب نفسك على عدم الحكم على الكتاب من غلافه.

2. شكّك في افتراضاتك

إذا كانت لديك وجهة نظر سلبية تجاه شخص ما، فاسأل نفسك عما تستند إليه؛ هل صغت وجهة نظرك بناءً على حقائق؟ هل لديك كل المعلومات اللازمة للحكم على ذلك الشخص أم أنك بحاجة إلى الاستفسار أكثر عن الموقف؟ إذا كنت لا تعرف الكثير من المعلومات، ابذل جهداً قبل التوصل إلى استنتاج، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، ففكر في ترك انطباعك محايداً أو مفتوحاً.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الحذاء الذي ترتديه في الانطباع الأول الذي يأخذه الآخرون عنك؟

3. اعترف بتحيزاتك

كن على دراية بتحيزاتك ومعاييرك الثقافية، وأدرك جيداً أن وجهة نظرك الخاصة في الحياة محدودة بناءً على تجاربك الخاصة، وأن الآخرين لديهم خلفيات ثقافية أو اجتماعية أو مهنية أو دينية مختلفة، ومهما كان حكمك على الآخرين صائباً فلن تستوعب خلفيات الأشخاص جميعهم من مقابلة واحدة، وفي هذا السياق يوضح استشاري الطب النفسي، محمد اليوسف، أن كل شخص يرى الآخرين بعين طبعه، لذا فالحكم على الآخرين غالباً ما يكون نابعاً من الصفات الذاتية ولا يكون حكماً موضوعياً.

4. وسّع آفاقك

ابذل جهداً من أجل توسيع آفاقك وتعريض نفسك لأفكار ووجهات نظر جديدة، يمكنك أيضاً التعرف إلى أشخاص جدد والتحدث إليهم عن حياتهم، جرّب أنشطة مختلفة وجرّب أطعمة جديدة، اقرأ الكثير من الكتب وشاهد المحتوى المفيد الذي يساعدك على تطوير عقلية بناءة وإيجابية.

المحتوى محمي