ملخص: قد يكون للمكان الذي تعيش فيه تأثير في صحتك النفسية؛ فما بين العيش في الريف أو المدينة، قد تكون أكثر أو أقل عرضة للإصابة للاكتئاب!
محتويات المقال
هل تذكر موضوعات التعبير اللطيفة التي كنت تكتبها عن الفرق بين الحياة في الريف والمدينة عندما كنت في المرحلة الابتدائية؟ حسناً، يمكنك أن تضيف إليها اليوم بنداً آخر أكثر سوداوية، إن صح التعبير، عن العلاقة بين الحياة في هذه المناطق والإصابة بالاكتئاب، وقد تتفاجأ عند معرفة المناطق الأكثر ارتباطاً بالاكتئاب وفقاً لبعض الدراسات العلمية، فما الذي بينته هذه الأبحاث؟
هل ثمة صلة بين مكان إقامتك وإصابتك بالاكتئاب؟
نعم على ما يبدو؛ ففي دراسة منشورة في مجلة "ساينس أدفانسيس" (Science Advances) عام 2023، درست مجموعة من الباحثين من عدة جامعات في الدنمارك والسويد بقيادة كارين تشين (Karen Chen)، صور الأقمار الصناعية للمناطق المبنيّة في الدنمارك على مدار 30 عاماً (1978-2017) جميعها، ثم صنفت المباني إلى فئات مختلفة بناء على ارتفاعها وكثافتها، ثم دمج الباحثون الخريطة الناتجة مع العناوين السكنية للأفراد والسجلات الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
اقرأ أيضاً: هل تشعر بالاكتئاب في الأعياد؟ تعرف إلى اكتئاب الإجازة
بالإضافة إلى ذلك، فقد أخذوا بعين الاعتبار عوامل الخطر المرتبطة بالاكتئاب؛ مثل وجود أبوين لهما تاريخ مسجل من الاضطرابات الاكتئابية، أو كونهما منفصلين، أو عاطلين عن العمل. ثم وبعد التخلص من العوامل التي قد ترتبط بالاكتئاب، جميعها باستثناء البيئة المعيشية، توصل العلماء إلى أنه لا يوجد ارتباط واضح بين الاكتئاب والعيش في مراكز المدينة المزدحمة؛ كما أن المناطق الريفية لا تزيد خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية، في حين وجدوا أن أعلى خطر للإصابة بالاكتئاب ينطوي على العيش في مناطق حضرية متوسطة الكثافة؛ مثل المناطق السكنية الموجودة في الضواحي.
حيث كان خطر الإصابة بالاكتئاب أعلى بنسبة 20-30% في مناطق الضواحي على أطراف المدن ذات المنازل المنفصلة أو منازل الشرفات (المنازل التي تصطف إلى جانب بعضها بعضاً)، مقارنة بالمناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة مثل المناطق الريفية، وأعلى بنسبة 10-15% مقارنة بالمناطق الداخلية في المدن. ومع ذلك، ذكر الباحثون أن نتائجهم تنطبق على الدنمارك وقد تختلف النتائج باختلاف الدولة.
قال أستاذ العلوم البيئية وقائد أبحاث الاستدامة الحضرية في جامعة جافل، ستيفان بارثيل (Stephen Barthel)، إنه من الشائع أن ترتفع مخاطر الإصابة بالاكتئاب في المناطق التي تفتقر للمسطحات الخضراء والمتنزهات والغابات والمسطحات المائية. لذلك وعند تخطيط المدن لتعزيز الصحة النفسية؛ فإن الازدحام قد لا يكون سلبياً بالضرورة لأنه يزيد فرص التفاعل الاجتماعي؛ وإنما يكون القرب من المساحات الطبيعة المفتوحة مهماً للصحة النفسية.
اقرأ أيضاً: لماذا يختفي البعض في العلاقات ويظهرون فجأة؟ وكيف تواجه هذا السلوك؟
المدينة أم الريف، أيُّهما أكثر ارتباطاً بخطر للإصابة بالاكتئاب؟
في الواقع، أظهر العديد من الدراسات أن خطر الإصابة بالاكتئاب يكون أعلى في المدينة؛ فالعيش في المدن قد يكون عاملاً من عوامل الخطر التي تسبب تدهور الصحة النفسية؛ إذ يسهم العديد من العوامل مثل الازدحام المروري الضوضاء والبعد عن المسطحات الخضراء ووتيرة الحياة السريعة في زيادة الحساسية للإجهاد الاجتماعي والضيق الشديد والتعب النفسي.
قد تدفع عوامل الاستثارة المتواصلة لحياة المدينة جسم الإنسان للبقاء في حالة من الاستجابة تُدعى "الكر أو الفر" (Fight or Flight Response)؛ ما قد يجعل الشخص أكثر عرضة لمشكلات الصحة النفسية من الاكتئاب والقلق. في الواقع، أظهرت الإحصائيات التي شملت 9 دول أوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية أن الاضطرابات الاكتئابية كانت أكثر انتشاراً بنسبة 39% في المناطق الحضرية مقارنة بالمناطق الريفية.
في حين كشفت دراسة أخرى أُجريت على مجموعة من السكان في السويد أن أولئك الذين يعيشون في المناطق الأكثر كثافة سكانياً معرضون لخطر الإصابة بالذهان بنسبة 68-77%، والإصابة بالاكتئاب بنسبة 12-20% أكثر من سكان المناطق الريفية. كما أن الأشخاص الذين وُلدوا في المناطق الحضرية لديهم مخاطر أعلى بنسبة 27% للإصابة باضطراب الاكتئاب مقارنة بالأشخاص الذين وُلدوا في المناطق الريفية وفقاً لإحدى الدراسات.
اقرأ أيضاً: هل أخلاق الناس تتدهور فعلاً؟ دراسة علمية تجيب
ومع ذلك، ما تزال العلاقة بين الكثافة السكانية وحجم المدينة وخطر الإصابة بالاكتئاب محل نقاش في الأوساط العلمية؛ حيث وجدت إحدى الدراسات الأمريكية أن معدلات الإصابة بالاكتئاب كانت أقل في المدن الأميركية الكبرى ذات الكثافة السكانية المرتفعة مقارنة بالمدن الأصغر، وتُعزى هذه النتائج إلى الشبكات الاجتماعية والاقتصادية الأكثر كثافة في هذه المدن التي تؤثر إيجاباً في الصحة النفسية.
إذ وعلى الرغم من أن المباني الطبقية العالية الارتفاع تقلل التعرض لأشعة الشمس، وتزيد درجة الحرارة المحلية ومخاطر أعراض الاكتئاب، فإنها ونتيجة الكثافة السكانية الموجودة فيها تزيد فرص التفاعل الاجتماعي؛ إذ تخلق التفاعلات الاجتماعية إحساساً بالمجتمع والمعاملة بالمثل والجدارة بالثقة، وهي عوامل ترتبط ارتباطاً إيجابياً بالرفاهية النفسية والحماية من الاكتئاب.
أما الدراسة الأغرب ربما بين مجموع هذه الدراسات هي ما وجدته مجموعة من الباحثين بقيادة الأستاذة المساعدة في علم النفس، أوليفيا أثيرتون (Olivia Atherton) في دراستها المنشورة في "مجلة الشخصية" (Journal of Personality)؛ إذ وجدت أن الأمريكيين الذين يعيشون في المناطق الريفية يميلون إلى أن يكونوا أكثر قلقاً واكتئاباً وأقل انفتاحاً وأكثر عصبية مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحضرية؛ ولكن وقبل أن تشعر بالدوار من هذه النتائج المتضاربة، عليك أن تعلم أن الدراسة قد عزَت النتيجة إلى التفاوت في إمكانية في الوصول إلى الخدمات النفسية ما بين الريف والمدينة، وليس نتيجة طبيعة المنطقة في حد ذاتها.
اقرأ أيضاً: كيف توقعنا شبكات التواصل الاجتماعي في فخ الاكتئاب؟
كيف تقلل تأثير العيش في المدينة على صحتك النفسية؟
يقول المعماري المهتم بالعمارة النفسية، تركي الدوسري في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر، إنه يمكن أن يكون للمطلات الخارجية والطبيعه تأثير إيجابي في الصحة النفسية؛ ولذلك ينبغي دمج النباتات والمساحات الخضراء والمناظر الخارجية في تصميم المنزل لتعزيز الهدوء والانتماء.
يمكن أن يكون للمطلات الخارجية و الطبيعة تأثير إيجابي على الصحة العقلية. ادمج النباتات والمساحات الخضراء والمناظر الخارجية في تصميمك لصناعة احساس بالهدوء و الانتماء.#تصميم #تصميم_داخلي #معماري #الخبر pic.twitter.com/E0vCA0LPo3
— معماري | تركي الدوسري (@aturkiad) March 27, 2023
في الأحوال جميعها، قد يساعد اتباع بعض النصائح على منع الإرهاق والشعور بالاكتئاب عند العيش في المدينة؛ ومنها:
- اقضِ بعض الوقت في الهواء الطلق: يساعد التواصل مع الطبيعة على تحسين صحتك النفسية ومنع الاكتئاب.
- تواصل مع الآخرين: عزِّز صحتك النفسية من خلال بناء الروابط الاجتماعية وعلاقات الودية مع الجيران وسكان الحي.
- مارِس التمارين الرياضية : سواء في الصالات الرياضية أو الركض في الهواء الطلق؛ لأنها وبالإضافة إلى فوائدها للصحة الجسدية فهي تجعلنا أكثر سعادة.
- اطلب الدعم والمساعدة: فكر في التحدث إلى الأصدقاء أو الأشخاص الذين يشاركون تجربتك في العيش في المدينة وتقلبات الحياة فيها، فقد يساعدك هذا في التغلب على الشعور بالتوتر، أما إذا كنت تعاني من مشكلة تتعلق بالصحة النفسية؛ مثل الاكتئاب أو القلق، ففكر في طلب مساعدة المختصين النفسيين.
ختاماً، يمكن القول إن ثمة صلة ما بين مكان إقامتك وخطر الإصابة بالاكتئاب، فلا يتعلق الأمر بالفرق ما بين الريف والمدينة فقط، بل بمكان عيشك في المدينة نفسها، سواءً في وسطها أو ضواحيها أو في مبنىً مرتفع أو في بيت منفرد. في الواقع، أعلم بعض البلدان التي ستصيبك بالاكتئاب عند العيش فيها، أياً تكن المنطقة التي تسكن فيها!