غالباً ما يُخيّل إلينا أن العمل سيمدنا بالسعادة المنشودة، وهذا هدف يطمح إليه جميع الناس، لكن في الحقيقة، اختيار هذا الطريق لتحقيق السعادة يثير القلق. بالنسبة إلى المؤلف والمتحدث والمستشار المتخصص في إدارة الرعاية غايال شاتلان، فإننا نهتم أولاً برفاهيتنا في العمل ثم صحتنا وأخيراً كل التفاصيل الصغيرة التي يمكننا تحسينها على أساس يومي.
هذه المقالة ستساعد على تغيير مفهوم السعادة، لأن السعادة في العمل موضوع نسمع عنه منذ بضع سنوات وكأنه أمر مستحيل نوعاً ما. ومع ذلك، فإن الحديث عن السعادة في العمل يشبه إلى حد ما إخبار الأعمى أنه سيُشفى قريباً مع التقدم العلمي. وفي الحقيقة، ربما يكون هذا صحيحاً، لأنه من الناحية العلمية، لن يكون الأمر مستحيلاً. لكن، من الضروري معرفة أن هذا لن يحدث غداً ولن تغيّر هذه المعلومة شيئاً في الحياة اليومية للشخص على المدى القصير. وإذا كان الأمل يمدك بالحياة، فإنه لن يجعلك سعيداً أبداً فنحن جميعنا لدينا نزعة معينة للاعتقاد أن قول عبارة غداً سيكون أفضل، يجعلنا نشعر بتحسن اليوم، لكن ليست الأمور كذلك.
إن الحديث عن السعادة في العمل يشبه إخبار شخص ما في الأسفل أن تحقيق السعادة في العمل يتطلّب صعود 5,000 درجة. كما أن الحديث عن الرفاهية في العمل يعني أن تشرح لنفس الشخص، وهو في أسفل السلم أن الأمور ستكون أفضل منذ صعود الدرجة الأولى من السلّم. وهذا ليس سهلاً، ولكن لا يعني بأي حال من الأحوال أن بلوغ السعادة في العمل أمر مستحيل. بيد أن سقف طموحاتك نحو السعادة في العمل بالتحديد، أمر مثير للقلق، بالإضافة إلى اعتقادك أنه أمر سهل وموضوعي وحتى حتميّ.
وفقاً لدراسة أجرتها شركة ستيل كايس الفرنسية في 17 دولة أوروبية: قال 5% فقط من الموظفين إنهم يشعرون بالرضا في عملهم، بينما قال 18% منهم إنهم لا يشعرون بالرضا أو التقدم. كما أكد 12% من الموظفين أنهم يحبون بيئة عملهم.
عموماً، لا يهم إذا كان دافعك الأول للعمل هو دفع تكاليف فواتيرك وممارسة هواياتك، بيد أنه من الأساسي ألا يضر هذا العمل بصحتك. عندما نعلم أن فرنسا تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم، بعد اليابان فيما يتعلق بالاحتراق الوظيفي بعد أن صرّح 10% من الموظفين أنهم يشعرون بالإجهاد وتحتل إيطاليا بعدها مباشرة المرتبة الثانية، من حيث التغيب عن العمل (المصدر: تي أن أس-أيمينغ سوفر)، فالموضوع يصبح مثيراً للجدل! قبل التفكير في السعادة في العمل، من الضروري البدء بالتفكير في صحتنا ورفاهيتنا بشكل أساسي.
لهذا، يبدو لي أنه من المهم العمل على نقطتين:
أولاً، يجب أن نتحرك لاتخاذ خطوة مختلفة نحو الرفاهية من خلال محاولة قطع الاتصال مع المظاهر التي تزعجنا أو القيام بشيء ما يسعدنا، وثانياً، ينبغي أن نعترف بأننا لسنا خاسرين إذا لم نشعر بالسعادة في العمل. لا شك في أن أي قارئ لهذه المقالة لن يغير شيئاً في حياته المهنية، حتى إذا فاز بـ 20 مليون في قرعة اليانصيب؟ لأن الأمر يتعلق بما يوجد داخل النفس البشرية.
يبدأ العمل على رفاهيتك من خلال القيام بأشياء بسيطة على غرار: تعلم الانقطاع عن العمل مبكراً من وقت لآخر وعدم إنجاز مهام العمل في المنزل وتعلم كيف تبتسم أمام زملائك والقيام بشيء جميل لنفسك كل يوم، بالإضافة إلى تنظيم أولوياتك. هناك العديد من الخطوات الصغيرة التي قد تقودك إلى السعادة المهنية، ولكن إذا لم تصل إلى تلك المرحلة، فلن يمنعك ذلك من الحصول على وقت رائع من وقت لآخر.
في الختام، فإن الاهتمام بنفسك قبل كل شيء أمر ضروري، ولكن يجب القيام بذلك اليوم. فالأعمى لا يستطيع استعادة بصره، ولكن بمساعدة كلب مرافقة المكفوفين، يمكن أن يشعر بالأمل والرفاهية تدريجياً وفي الحقيقة، إن بلوغ السعادة المنشودة في العمل، حلم بعيد المنال بعض الشيء. لذلك من الأفضل العثور على السعادة في تفاصيل الحياة الأخرى، التي ستجعلك تشعر بالرفاهية والفرح يوماً بعد يوم.