ملخص: يؤكّد علم النفس اليونغي أن السعادة ليست كنزاً بعيد المنال؛ لكنها حالة يمكن تحقيقها من خلال الوعي الذاتي، والخيارات الهادفة، والاتصال العميق بأنفسنا الداخلية. تعرّف إلى مفاتيح السعادة وأسرارها الخمسة وفقاً لعالم النفس الشهير كارل يونغ في هذا المقال.
محتويات المقال
يشير المتخصص في العلوم السلوكية والاجتماعية، محمد الحاجي، إلى هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية عند تحدّثه عن السعادة، ويُضيف إن استفادة الإنسان من هذه الامتيازات التي صاغها عالم النفس الأميركي أبراهام ماسلو (Abraham Maslow) في نظرية التسلسل الهرمي للاحتياجات من غذاء، ومأوى، وأمن، وتقدير الذات، والعلاقات الاجتماعية السليمة والسوية، وتحقيق الذات، هي امتيازات لا تساوي شيئاً، وإن لُبِّيَت بالكامل، دون الشعور الحقيقي بالامتنان، فذلك شرط ضروري لاستشعار السعادة وفقاً لمحمد الحاجي.
من الطبيعي أن يختلف مفهوم السعادة من شخصٍ إلى آخر؛ غير أنّ ماسلو أو الأب الروحي لعلم النفس الإيجابي وغيره من العلماء، تأثّروا بشخصية رائدة ومفكّرٍ عبقري هو الطبيب والمحلل النفسي وعالم النفس كارل يونغ (Carl Jung)؛ الذي تستمر حكمته وأفكاره الخلّاقة في التأثير في عالمنا اليوم. وبخصوص السعادة، فقد رأى يونغ أننا نمتلك القدرة على اختيار حياة سعيدة من خلال 5 أمورٍ أساسية؛ تعرّف إلى تفاصيلها من خلال هذا المقال.
مَن هو كارل يونغ؟
طوّر كارل غوستاف يونغ (Carl Gustav Jung)؛ وهو شخصية رائدة في علم النفس في القرن العشرين، فهماً فريداً للنفس البشرية. وأصبحت مفاهيمه؛ مثل الانطوائية (Introversion) والانبساطية (Extroversion) والعقدة (Complex)، وغيرها من المفاهيم، جزءاً من اللغة اليومية المستخدَمة من قبل المهتمين بعلم النفس والصحة النفسية بصفة عامة. لقد أسّس يونغ علم النفس التحليلي (Analytical Psychology)، وكان له تأثير كبير في الثقافة السائدة.
ولد يونغ في سويسرا عام 1875، وتدرّب بوصفه طبيباً نفسياً، وتعاون في البداية مع عالم النفس النمساوي، سيغموند فرويد (Sigmund Freud) في تعميم التحليل النفسي؛ ولكن نظراً إلى ظهور بعض الاختلافات بينهما لاحقاً، توقّف ذلك التعاون في عام 1913؛ ما دفع يونغ إلى العمل على تطوير المفاهيم الأساسية لعلم النفس التحليلي.
كان اعتقاد يونغ الراسخ مبنياً على احترام كامل جوانب التجربة الفردية؛ بما يشمل جوانب "الظلّ" (Shadow) غير المرغوب فيها. وقد أكّد القيمة النفسية للتجارب الروحية، ولا سيّما في عصرٍ بدأت تتراجع فيه المعتقدات الدينية التقليدية؛ حيث رأى يونغ أن هذه التجارب هي انعكاسٌ لسعي النفس إلى الكلية (Wholeness)، والفهم الأعمق للذات.
اقرأ أيضاً: استراتيجيات السعادة الاثنتا عشرة لتستعيد ابتسامتك المفقودة
ما مفهوم كارل يونغ عن السعادة؟
عُرف يونغ بمفاهيم ثورية في التحليل النفسي؛ مثل النماذج الأصلية (Archetypes)، واللاوعي الجمعي (Collective Unconscious)، وعُرفت فلسفته بالتعمّق في التفاعل المعقّد بين المشاعر الإنسانية والاحتياج إلى فَكّ أقفال السعادة.
ففي خضمّ الحرب الباردة، قال يونغ: "نحن أصل الشرور القادمة كلّها"، معترفاً بقدرة البشر على القيام بالأفعال السلبية والإيجابية. وشدّد أيضاً على قوّة الاختيار الشخصي قائلاً: "أنا لست ما حدث لي؛ أنا ما اخترت أن أصبح عليه".
حيث يعتقد يونغ أن الأمل الحقيقي والرفاهية لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال عملية أطلق عليها اسم "التفرّد" (Individuation)؛ وهو مفهوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة يونغ عن السعادة. ويتطلّب التفرّد لبلوغ السعادة التحرّر من الخوف والقلق، واحتضان ذاتك الكاملة دون جوانب مخفية. فمن خلال هذه العملية، يرتقي عقلك اللاواعي إلى السطح، وتكتسب وضوحاً بشأن أهداف حياتك.
5 عناصر ضرورية لتعيش بسعادة وفقاً لكارل يونغ
يمثّل مفهوم "التفرّد" حجر الزاوية في علم النفس الروحي الذي يتميّز به يونغ، وقد قدّم الأخير أيضاً قائمة واضحة بالعوامل التي يعتقد أنها يمكن أن تقود الشخص إلى السعادة وشاركها في مقابلاته، وجُمعت في كتاب "سي جي يونغ يتحدّث" (C.G. Jung Speaking)؛ ونلخّصها كالتالي:
الصحة البدنية والنفسية الجيّدتان
أكّد يونغ الترابط بين علم النفس والعافية النفسية، باعتباره العلم الذي يمكنه في نهاية المطاف إنقاذ البشرية وتقييم عافيتنا. إلا أنه لم يقتصر على دور علم النفس في علاج الاضطرابات النفسية؛ لقد رأى أنه وسيلة لتحقيق الإنجاز الشخصي وتحديد أهدافنا واكتشاف ذواتنا الحقيقية. وبالنسبة إليه، كان اكتشاف الذات النفسي ضرورياً للسعادة مثله مثل الصحة الجسدية.
العلاقات الجيّدة
تُعد جودة العلاقات أحد مؤشرات السعادة، فليس أمراً صحيّاً أن تعيش منفصلاً عن الآخرين. كلّ منا يحتاج إلى المودة والصداقة والأمن والحب كما يحتاج إلى التواصل والمشاركة، واكتشاف آفاقٍ جديدة، وتعلّم كيفية الاهتمام والعناية وإنشاء روابط ذات معنى.
القدرة على إدراك الجمال في الفن والطبيعة
للعثور على السعادة، يرى يونغ أنه على الفرد أن يدرك قدرة الفن والطبيعة على مساعدتنا على الارتقاء، وجلب المتعة، وتوفير الحكمة. فارتباطنا بالطبيعة عميق الجذور، ويمكن العثور على الحكمة التي تقدمها في كل مخلوق ومكان على كوكبنا عندما نعرف أين نبحث عنها.
أما الفن، فهو ليس مجرّد إبداع جمالي وفقاً ليونغ؛ إنه منتج ثقافي يجسّد جوهر الإنسان. لذلك؛ يدمج الفنانون عواطفهم وإبداعهم ومثاليتهم وابتكارهم وإتقانهم في عملهم، مستمدّين الإلهام من وعيهم واللاوعي الجمعي.
الإيمان بدينٍ أو فلسفة
يعتقد كارل يونغ إن الإيمان "بشيء ما"، سواء أكان عقيدة دينية أم حركة فلسفية، يمكن أن يكون أساس الرفاهية؛ إذ لا توجد سعادة دون روحانية، فذلك الإيمان يمنح السياق والمعنى لتجاربك كلّها، ويجعلك تشعر بأن ثمّة أكثر مما تراه العين في هذا العالم.
الوظيفة المُرضية
على الرغم من حلم كارل يونغ في طفولته بأن يصبح عالم آثار، فإن الحياة قادته إلى مسار مختلف؛ حيث درس الطب، وتخصّص في الطب النفسي؛ غير أنه وجد طريقة لتوجيه شغفه بالتاريخ والأنثروبولوجيا واستكشاف أعماق الإنسان من خلال علم النفس التحليلي.
في حين أن المسار الوظيفي للشخص لا يكون دائماً تحت سيطرته بالكامل، فإن اتخاذ خيارات تتماشى مع أهدافٍ واضحة يمكن أن يزيد احتمالية العثور على وظيفة مُرضية. ففي نهاية المطاف، ترتبط السعادة ارتباطاً وثيقاً بتقديم أفضل ما لديك، ويكون هذا أكثر قابلية للتحقيق عندما تكون منخرطاً في عمل يتوافق مع مهاراتك وشغفك.
اقرأ أيضاً: كيف نصل إلى السعادة؟
وأخيراً، ركّز كارل يونغ أكثر من غيره من علماء التحليل النفسي على اكتشاف الذات، واحتضان مجمل كياننا، ورعاية علاقتنا مع اللاوعي؛ لما يقدّمه ذلك من فرصٍ لتحقيق الرضا في الحياة. ويذكّرنا علم النفس اليونغي دائماً بأن السعادة الحقيقية ليست بعيدة المنال؛ فهي حالة يمكن تحقيقها من خلال الصحة البدنية والنفسية الجيّدة، والعلاقات الجيّدة، وإدراك الجمال في الفن والطبيعة، والمسار المهني المُرضي، والإيمان بما يجلب لحياة كلٍ منا المعنى والهدف.