هل تظن أن الحياة عادلة؟ هل تفكر أحياناً أن بعض الناس الذين يواجهون تحديات أو صعوبات أو يتعرضون لصدمة نفسية يستحقون المعاناة؟ إذا كنت تنخرط في هذا النوع من الأفكار فقد تكون متحيزاً إلى "مغالطة العالم العادل" (just world hypothesis) التي ترتكز على فكرة مفادها أن العالم مكان عادل وأن الأشخاص جميعهم يحصدون ما يزرعونه بالضبط، وفي النهاية يحصلون على ما يستحقونه، فما هي مغالطة العالم العادل؟ ولماذا يفضل بعض الأشخاص لوم الضحايا؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
محتويات المقال
ما هي مغالطة العالم العادل (just world hypothesis)؟
تُعرّف الجمعية الأميركية للطب النفسي (The American Psychological Association) مغالطة العالم العادل بأنها فكرة قائمة على أن العالم مكان عادل ومنظم، وأن البشر ينالون ما يستحقونه؛ حيث تحدث الأشياء الجيدة للطيبين، والتحديات الصعبة للأشرار. على سبيل المثال، إذا تعرّض أحد الأفراد لحادث أو هجوم فإنه المسؤول الأول عنه، ومن المؤكد أنه يستحق ما جرى له، وقد عُرفت مغالطة العالم العادل أول مرة خلال ستينيات القرن العشرين على يد عالم النفس الاجتماعي ميلفين ليرنر (Melvin J. Lerner).
ويمكن القول إن مغالطة العالم العادل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإلقاء اللوم على ضحايا الإساءة والاعتداء والأمراض، كما ترتبط أيضاً بالمواقف السلبية تجاه بعض فئات المجتمع مثل الفقراء.
لما يلجأ بعض الأشخاص إلى لوم الضحايا؟
غالباً ما تؤدي مغالطة العالم العادل إلى تحيزات معرفية تشوه فهمك للواقع الاجتماعي والاقتصادي، وفي الحقيقة إن تفضيل لوم الضحايا عادة ما يحدث للأسباب التالية:
1. الرغبة في الشعور بالسيطرة
أحد أهم الأسباب التي قد تدفعك إلى الإيمان بمغالطة العالم العادل وتفضيل لوم الضحايا هو أن هذه المغالطة تمحنك شعوراً بالسيطرة على زمام حياتك، حيث تشعر كما لو أن حياتك مستقرة تماماً ويسهل التنبؤ بها، وعندما تسمع عن أشياء سيئة تحدث، تخبر نفسك بأنها تحدث للآخرين وستظل تحدث لهم، ومن ثم تُطمئن نفسك قائلاً لها إنك لن تكون في موقف الضحية نفسه أبداً.
2. تقليل حدة القلق والخوف
ثمة تفسير آخر محتمل لتبني مغالطة العالم العادل هو أنك تريد تقليل القلق الناجم عن الظلم في العالم؛ حيث تعتقد أن الفرد مسؤول بالكامل عن محنته، ومن ثم تكون قادراً على الاستمرار في حياتك اليومية، إذ تعتقد أنك بهذه الطريقة تتجنب الوقوع في فخ تحديات الحياة وأحداثها الصعبة.
3. تجنب حقائق الحياة غير المريحة
أحياناً قد تلوم الناجين من الصدمات والإساءات لأنك ترغب في تجنب حقائق الحياة غير المريحة والواقع القاسي، ففي هذه الحالة، يكون من السهل عليك إنكار حقيقة الإساءة عوضاً عن مواجهة الحقيقة غير المريحة، إذ تظن أن إلقاء اللوم على الناجين يؤكد لك أن الإساءة لا تحدث للجميع وأنها بطريقة أو بأخرى خطأ الضحايا.
4. المعايير والقوالب النمطية المجتمعية
تؤدي المعايير والقوالب النمطية المجتمعية دوراً مهماً في مواقف إلقاء اللوم على الضحية؛ ففي الكثير من الأوقات يعزز المجتمع فكرة لوم الضحايا وينظر إليهم بصفتهم يستحقون الإساءة، على سبيل المثال، إذا تعرضت إحداهنّ للعنف من شريكها أو أحد أفراد أسرتها فقد يلقي عليها المجتمع اللوم ويتهمها بأنها استفزت الطرف المسيء، وفي الحقيقة إن هذه القوالب النمطية تضع الكثير من العبء على الناجين من الإساءة وتحمي الجاني.
5. خطأ الإسناد الأساسي (the fundamental attribution error)
خطأ الإسناد الأساسي هو تحيز معرفي يتضمن نسب سلوكيات الآخرين إلى خصائص شخصية داخلية مع تجاهل كافة القوى والمتغيرات الخارجية التي ربما أدت دوراً في تكوين هذه السلوكيات. على سبيل المثال، إذا فشل أحد الأشخاص في مقابلة وظيفية سترى ما حدث أنه نتيجة عدم تحضيره للمقابلة بصورة جيدة، أو أنه ليس ذكياً بما يكفي أو لأنه ببساطة يتسم بالكسل وليس شخصاً طموحاً.
لكن في الوقت نفسه إذا فشلت أنت في المقابلة نفسها، فغالباً ستنسب فشلك إلى أن الموظف الذي أجرى معك المقابلة قد اتخذ موقفاً شخصياً ضدك، أو أن الأسئلة لم تكن في السياق المتوقع والمعتاد، أو غيرها من العوامل الخارجة عن سيطرتك.
6. الافتقار إلى التعاطف
قد ينبع إلقاء اللوم على الضحية أيضاً من افتقارك إلى التعاطف مع الآخرين، وغالباً ما يكون الأشخاص الذين يفتقرون إلى التعاطف شديدي الانتقاد لغيرهم، ويكرهون التعامل مع المواقف العاطفية، ولا يفكرون في تجارب الآخرين أو وجهات نظرهم عند تفسير المواقف المختلفة.
7. وجود خصائص مشتركة مع الجاني
يوضح الطبيب النفسي عبد الله غازي أن بعض الأشخاص يلقون اللوم على الضحايا بسبب وجود خصائص مشتركة مع الجاني، ويشرح غازي أن قضايا الاغتصاب على سبيل المثال، قد يلقي الرجال اللوم على الضحية لأن الجاني من جنسهم نفسه، ولذلك فإن الضحية التي عادة ما تكون من الجنس الآخر هي المخطئة لا محالة، ويضيف غازي أن بعض الرجال قد يشعرون بالتهديد إذا تمت الدعوة لقوانين تحمي الجنس الآخر وتغلّظ عقوبة الجناة.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل حيال شعورك بالعجز بسبب فشلك في إنقاذ العالم؟
ما هو التأثير النفسي لمغالطة العالم العادل؟
الأشخاص الذين يتعرضون للصدمات النفسية وحوادث الاعتداء والإساءات يعانون بشدة، ومن المعروف أن تلك الحوادث تترك آثاراً نفسية طويلة الأمد على الناجي، بما في ذلك الشك الذاتي وانخفاض احترام الذات، ويمكن القول إن أحد أهم العوائق التي تمنع الناجين من طلب المساعدة هو مغالطة العالم العادل؛ حيث تحس الضحية أنها مسؤولة عما حدث لها ومن ثم تتصرف بطريقة تعزز شعورها باللوم الذاتي، وهنا تطول مدة التعافي.
وحين تلقي باللوم على الضحية، فأنت بذلك تجعلها تشعر بالوحدة والشك الذاتي، وعادة ما يؤدي إيمانك بتلك المغالطة إلى:
- الإسهام في تعزيز وصمة العار وتدني احترام الذات عند الضحايا.
- منع الضحايا من طلب المساعدة.
- تفاقم مشاكل الصحة النفسية بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والتفكير الانتحاري.
- صعوبة حصول الضحايا على الدعم الذي يحتاجون إليه.
- التركيز على سلوك الضحايا بدلاً من تصرفات المعتدين.
5 إرشادات يمكن أن تساعدك على التوقف عن لوم الضحايا؟
إذا سبق لك أن ألقيت باللوم على الضحية في مرحلة ما من مراحل حياتك بسبب مغالطة العالم العادل، فهناك بعض الإرشادات التي يمكن أن تساعدك على منع ذلك في المستقبل، منها على سبيل المثال:
1. تعرف إلى سبب وقوعك في مغالطة العالم العادل
فكر جيداً في الأسباب التي تدفعك إلى لوم الضحايا وتبني مغالطة العالم العادل، وحاول معالجة جذور تلك الأسباب جيداً. على سبيل المثال، إذا أدركت أنك منخرط في تلك المغالطة لأنك تريد أن تشعر بمزيد من السيطرة على أمور حياتك، فاعترف بذلك وحاول إيجاد طرائق أخرى للشعور بالسيطرة، مثل تحديد السبل التي يمكنك من خلالها التغلب على عقبات الحياة المحتملة.
اقرأ أيضاً: 6 أسباب تفسر التعاطف مع المجرمين في الأفلام والانجذاب إليهم
2. ضع نفسك مكان الضحية
إذا كنت تفترض دائماً أن أي محنة أو صدمة نفسية تواجه أحد الأشخاص هي بالضرورة نابعة من خطئه، ففكر في كيفية شعورك إذا أظهر شخص آخر النوع نفسه من التفكير تجاه محنة مماثلة مررت بها، هل ستشعر وقتها بأنك تستحق ما جرى لك؟ بالإضافة إلى ذلك، عندما تستمع إلى قصة أحدهم، حاول طرح الأسئلة، على سبيل المثال، اسأل نفسك: هل أحاول أن أسمع أكثر من وجهة نظر حول القصة نفسها؟ هل من الممكن أنني غير ملمّ بتفاصيل القصة كاملة؟
3. عزّز مهارة التفكير النقدي
ركز جيداً على تفاصيل وخلفيات مواقفك تجاه الآخرين، واعمل على تفنيد الحجج التي تتبناها، وحاول التوصل إلى تفسيرات بديلة لسبب تعرض شخص ما لحدث معين، دون الاعتماد على سماته الشخصية أو نمط سلوكياته، يمكنك أيضاً أن تسأل نفسك عن مدى واقعية هذه التفسيرات بالمقارنة مع تفسيرك المستند على مغالطة العالم العادل.
4. مارس التعاطف مع الآخرين
بدلاً من لوم الضحايا على المواقف السيئة التي يمرون بها، حاول أن تتعاطف معهم وتتفهم مشاعرهم، وهذا قد يقلل مستويات التوتر والقلق لديك. علاوة على ذلك، يساعدك التعاطف على رؤية الأمور من منظور شخص آخر، ومع مرور الوقت ستجد أنك بدرجة كبيرة توقفت عن الوقوع في مغالطة العالم العادل.