ملخص: عندما نشاهد مقاطع الفيديو الرائجة لمشاهير السوشيال ميديا والمؤثرين، غالباً ما ننبهر بحياتهم التي نراها على الشاشات، وقد نتمنى أحياناً أن نعيشها ظانين أنهم لا يفعلون شيئاً سوى تصوير هذه المشاهدة الممتعة والسفر والتسوق. لكن في الحقيقة، فإن ما نراه يمثل جزءاً واحداً فقط من حياتهم التي تتكون من أجزاء أخرى؛ بعضها مظلم نتيجة عملهم في مجال مليء بالضغوط ومصحوب بالآثار النفسية السلبية التي نستعرضها بالتفصيل في مقالنا.
محتويات المقال
يمكن وصف ما يراه جمهور المؤثرين على السوشيال ميديا بأنه فقط ما يطفو على السطح من حياتهم، فهم يركزون على المزايا التي يتمتعون بها؛ مثل قدرتهم على السفر بسهولة، ومعاملتهم معاملةً خاصة، وعلاقاتهم الواسعة، فلا يرى الجمهور الجانب الآخر من حياتهم المتمثل في الضغوط النفسية التي تحيط بهم والمسؤولية الملقاة على عاتق كلٍ منهم عند القيام بأي اختيار خاطئ قد يؤدي إلى انهيار وجودهم الافتراضي بين عشية وضحاها.
وبحسب تصريحات العديد من المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي؛ يمكن القول إن صحتهم النفسية تعاني من ضغوط متزايدة تأتي من واقع اختيارهم لوظيفة تضعهم تحت الأضواء دائماً، وسنتعرف في هذا المقال إلى تلك المعاناة التي تختفي وراء الشاشات.
تجارب واقعية لمعاناة المؤثرين النفسية
يبدو أن لشهرة المؤثرين جانب آخر معتم يظهر في تفاصيل سردهم لتجاربهم الشخصية عن معاناتهم النفسية؛ إذ تشير المؤثرة فيكتوريا باريس (Victoria Paris) التي يتابعها نحو مليونيّ شخص على منصة تيك توك، إلى مواجهتها انتهاكات متكررة يومياً لحياتها الشخصية؛ وأبرزها مطاردتها من جانب المعجين إلى درجة تصيبها بالقلق الشديد، وقد وصل الأمر أحياناً إلى حد التحرش بها أو انتظارها خارج مبنى منزلها؛ وهو ما جعلها في نهاية المطاف تتنقل من مدينة نيويورك الأميركية إلى منطقة ذات كثافة سكنية أقل في مدينة لوس أنجلوس.
وتصف باريس قرارها بأنه بحث عن مساحة للخصوصية لأول مرة منذ عدة سنوات؛ إذ إنها بالأساس تعاني من اضطراب جنون الارتياب الذي ازدادت وطأته مع التأثيرات الناتجة من شهرتها؛ ما جعلها تلجأ إلى مساحة مكانية تساعدها على الشفاء.
لكن تلك المساحة المكانية لن تحميها من التعرض لهجمات التعليقات المسيئة على حساباتها، ووصول تهديدات ورسائلَ مؤذية عاطفياً إليها؛ وهو ما يجعلها بحد تعبيرها تستيقظ في بعض الأيام شاعرة بأن طاقتها في الحضيض.
لا يتوقف الأمر عند حدود التعليقات السلبية، فالعمل كمؤثر على منصات التواصل الاجتماعي يتطلب الوجود المستمر بحسب المؤثرة على منصة إنستغرام، غريس أتوود (Grace Atwood) التي تؤكد إنها لا تستطيع التمتع بفترات الراحة وإلا انخفض مقدار التفاعل مع منشوراتها. وتوضح أن منصة إنستغرام تعبث بصحتها النفسية، فحالتها المزاجية تتحسن مع ازدياد تفاعل المتابعين وتسوء عند انخفاضه.
كيف يؤثر عمل المؤثرين في صحتهم النفسية؟
يبدأ التأثير النفسي لمجال صناعة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي في الشخص المؤثر منذ بداية اختياره له، فهو بحسب المختص النفسي روربرت مولر (Robert T Muller) غالباً لا يحظى بالتقدير نفسه على أرض الواقع، أو بتعبير أدق لا يؤخذ عمله على محمل الجد باعتباره شيئاً ذا قيمة للمجتمع.
بالإضافة إلى أنه بمجرد وصول المؤثر إلى عدد متابعين معين، فغالباً سيجد أن ثمة قيوداً تجعله لا ينشر ما يريد أو ما يعكس قناعاته الشخصية؛ من أجل الحفاظ على هذا العدد وزيادته وجذب المزيد من العلامات التجارية للتعاون معه.
ويضرب التأثير السلبي صميم الصحة النفسية لمشاهير السوشيال ميديا، فالكثيرون منهم يعانون من انخفاض الرضا عن مظهرهم ويقيّمون أنفسهم سلباً، وترتفع احتمالية إصابتهم بالقلق وتدني الحالة المزاجية وانعدام الشعور بالأمان.
وهذا ما جعل الباحثة في مركز الثقافة الرقمية بجامعة بنسلفانيا الأميركية (University of Pennsylvania)، إيميلي هوند (Emily Hund) تؤكد إن العمل في مجال المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي محفوف بالمخاطر، فمعظم هؤلاء المؤثرين يعاني نوعاً أو أكثر من الاضطرابات النفسية التي تزداد حدتها مع ارتفاع نسبة التعرض للتهديدات والقسوة اللفظية من جانب المتابعين.
لماذا يَصعب التوقف أحياناً؟
على الرغم من الآثار النفسية الضارة لمجال صناعة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي جميعها؛ لكنه يظل واحداً من المجالات المرغوبة بشدة، وبالأخص بين أفراد الجيل زد وجيل الألفية. وبحسب تقرير صادر عن شركة "مورنينغ كونسلت" الأميركية للأبحاث (Morning Consult)؛ أكد 86% من المشاركين من جيل زد وجيل الألفية إنهم سينشرون المحتوى مقابل المال، بينما أشار 54% منهم إلى أنهم سيصبحون مؤثرين إذا أُتيحت لهم الفرصة.
لكن هذه الرغبة المحمومة قد تتحول إلى لعنة لاحقاً، فتأثير الوجود على منصات التواصل الاجتماعي قد يصيب المؤثرين بالإدمان؛ هكذا يرى الطبيب النفسي جايمي زوكرمان (Jaime Zuckerman) الذي يشير إلى أن مستوى الدوبامين عند المؤثرين يصل إلى معدلات غير طبيعية تصعّب الامتناع عن ظهورهم على تلك المنصات. لذا؛ يكون تأثيرها في صحتهم النفسية أقرب إلى تأثير المخدرات، فغالباً ما سيعانون من انسحاب الدوبامين عند انقطاعهم عنها؛ ما قد يعرضهم للاكتئاب والقلق.
ثمة أيضاً جانب يصعّب على المؤثرين مغادرة هذا المجال؛ وهو الإغراءات المالية التي تقدَّم له باستمرار، فالعوائد المادية عادةً ما تكون مرتفعة عند المقارنة بالوظائف التقليدية التي يمكنهم العمل فيها؛ ما يجعل كفة العمل في صناعة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي ترجح.