ملخص: قد يتطوّر التعوّد على مشاهدة الإباحية إلى نوعٍ من الإدمان السلوكي الذي يمكن أن يتداخل مع الحياة اليومية، وتمتّد تأثيراته السلبية إلى زيادة التوتّر والاكتئاب وتدمير العلاقات الحميمية الصحية.
محتويات المقال
ويشير الطبيب محمد غنايم إلى أن الإدمان على مشاهدة المواد الإباحية لسنوات طويلة قد يؤدّي إلى الانحراف الجنسي؛ كما يؤثّر في منطقة القشرة الجبهية الأمامية (Prefrontal Cortex) في الدماغ؛ وهي المسؤولة عن التخطيط والتفكير، وحلّ المشكلات، واتخاذ القرارات.
ما العلاقة بين مشاهدة الإباحية والاكتئاب؟
من المعروف أن استهلاك المواد الإباحية ينشّط إنتاج الدوبامين؛ وهو مادة كيميائية مسؤولة عن الشعور بالسعادة والرفاهية. غير أن هذا التنشيط يمكن أن يسهم أيضاً في الاكتئاب، فقد وجدت دراسة أُجريت عام 2019 أن الاستهلاك القهري للمواد الإباحية قد يزيد خطر الإصابة بالاكتئاب عند البالغين.
كما وجدت دراسة أخرى أُجريت عام 2018، روابط محتملة بين استهلاك المراهقين للمواد الإباحية وأعراض الاكتئاب؛ حيث خلصت النتائج إلى أن الإباحية يمكن أن تكون أحد العوامل العديدة التي تؤثّر في الصحة النفسية للشباب اليافع.
ووفقاً لرأي عالم النفس الإكلينيكي ومدير مركز مانهاتن للعلاج المعرفي السلوكي، بول غرين (Paul Greene)، فإن مشاهدة المواد الإباحية قد تؤدّي إلى تفاقم أعراض الاكتئاب على نحوٍ غير مباشر إذا عرقل هذا السلوك الحفاظ على العلاقات أو الانخراط في أنشطة أخرى تعزّز الحالة المزاجية؛ مثل ممارسة الرياضة أو التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضاً: ما أعراض الوسواس القهري الجنسي، وكيف يتم تشخيصه؟
4 تأثيرات سلبية تسّببها عادة مشاهدة الإباحية
قد تكون مشاهدة المواد الإباحية نشاطاً منتظماً، أو وسيلة لتمضية الوقت لدى العديد من الأشخاص الذين لا يدركون العواقب الضارة المرتبطة بهذه العادة. فقد يعاني الأفراد الذين ينخرطون في مشاهدة الإباحية على نحوٍ متكرر من الشعور بالوحدة واليأس والفراغ وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانوا يستمتعون بها سابقاً، ناهيك بالإضعاف من قدرتهم على تكوين روابط حقيقية وتجربة العلاقة الحميمية الصحية. وفي ما يلي بعض التأثيرات السلبية لمشاهدة الإباحية في الصحة النفسية:
- زيادة العزلة: يمكن أن يؤدي استهلاك المواد الإباحية إلى زيادة العزلة؛ حيث يلجأ الأفراد إلى هذه العادة سعياً وراء شعور الراحة؛ لكن ينتهي بهم المطاف إلى الشعور بالاكتئاب والكراهية الذاتية بعد استهلاكها؛ ومن ثَم يقعون في حلقة مفرغة من تجنّب التفاعل مع الآخرين، فيلجؤون إلى الإباحية كمصدر للمواساة.
- تضرّر العلاقات: يمكن أن يؤدي استخدام المواد الإباحية إلى تفضيل الإباحية على التجارب الجنسية الواقعية؛ حيث يحافظ الأفراد على سرية عادتهم، فيؤدّي ذلك إلى الشعور بالوحدة، وإلحاق الضرر بعلاقاتهم، وزيادة مخاطر الإصابة بمشكلات الصحة النفسية.
- انعدام الحميمية: يؤدي استهلاك الإباحية بهدف تجنّب المشاعر غير المريحة أو السلبية إلى تدني مستوى الرفاهية العاطفية والنفسية؛ إذ يرتبط الاستهلاك المتكرّر للمواد الإباحية بزيادة الاكتئاب والقلق والتوتّر، فضلاً عن ضعف الأداء الاجتماعي.
- انعدام الحبّ: تُصوِّر الأفلام الإباحية الأشخاص على أنهم مواد لإمتاع المستهلك، ولا تقدّم سوى التحفيز الجنسي، وتفتقر إلى الاتصال الإنساني الحقيقي الذي يشمل العطاء ورعاية الآخرين، وفهمهم على مستوى لا تستطيع الإباحية توفيره.
ما العلامات التي تشير إلى إدمان مشاهدة الإباحية؟
يمكن أن تتطوّر مشاهدة الإباحية إلى نوع من الإدمان السلوكي الذي يؤثّر في كيمياء الدماغ، ويمكن أن يؤدّي إلى الشعور بالحرج والعار، وبخاصة إذا تعارض مع الحياة اليومية. وتتلخّص أكثر العلامات شيوعاً للإدمان على المواد الإباحية في الآتي:
- عدم القدرة على التوقّف: حين يجد الشخص نفسه غير قادرٍ على التوقّف عن مشاهدة المواد الإباحية وينخرط فيها على نحوٍ قهري.
- عدم الشعور بالرضا: لا يشعر الشخص الذي يعاني من أي نوعٍ من الإدمان بالرضا، فهو يشعر دائماً بدافع قوّي لمشاهدة الأفلام الإباحية.
- فقدان الإنتاجية: يميل الشخص المدمن على الإباحية إلى ضعف القدرة على الوفاء بمسؤولياته خلال اليوم بسبب تضييع الوقت؛ ما يؤدّي إلى الشعور بالخمول وعدم الاهتمام الكامل بالأنشطة العادية.
- عدم التمتع بحياة جنسية صحية: تقدّم الأفلام الإباحية تصوّرات غير واقعية عن الجنس والمظهر الجسدي للرجال والنساء؛ ما يمكن أن يثير الرغبة في اختبار أشكالٍ متطرّفة من النشاط الجنسي أو المحفوف بالمخاطر مع أشخاص آخرين؛ ومن ثَمّ يدمّر قدرة الشخص على التمتّع بحياة جنسية صحيّة.
- الانزعاج الجسدي: تطال التأثيرات السلبية للإدمان على المواد الإباحية حتى الصحة الجسدية، فقد ينسى الشخص تناول طعامه، أو يصبح عرضة للمعاناة من الصداع المتكرّر، والإجهاد في معصميه وظهره ورقبته.
- الشعور بالذنب والعار: وهي من المشاعر الشائعة لدى الأشخاص المدمنين على الإباحية، فقد يتولّد لديهم إحساس بأنهم يتجاهلون أزواجهم ويعتمدون على تلبية احتياجاتهم عن طريق المواد الإباحية.
- التشتّت الدائم: فقدان التركيز والانشغال المستمرّ بأفكار تخصّ مشاهدة المواد الإباحية، فينفصل الشخص عن بيئته؛ ما يؤدي إلى اتخاذه قرارات غير منطقية وخطِرة.
- تقلّب المزاج: قد يعاني الشخص من تقلّبات مزاجية ومشكلات في النوم حين يجد نفسه غير قادرٍ على الوصول إلى المواد الإباحية.
- الصعوبات المالية: قد ينفق المدمنون على مشاهدة الإباحية مبالغ كبيرة على ما يعتبرونه محتوىً عالي الجودة؛ ومن ثَمّ فقد يتعرّضون لصعوبات مالية إن استمرّوا في ذلك لوقتٍ طويل.
كيف تتوقّف عن مشاهدة الإباحية؟
يمكن أن تصبح مشاهدة الإباحية عادة يومية منتظمة لدى البعض مع سهولة الوصول إلى المواد الإباحية من خلال التكنولوجيا؛ لكن ثمة طرائق للعلاج ونصائح يمكن اتباعها للإقلاع عن هذه العادة.
فالعلاج المعرفي السلوكي (CBT) طريقة فعّالة لمكافحة الاستهلاك الإباحي القهري. وبالإضافة إلى ذلك، توجد تقنيات مساعدة ذاتية يمكن للأفراد استخدامها للتغلّب على إدمانهم؛ ويمكن أن نلخّصها كالتالي:
- اكتب أسبابك: يمكن أن يمثّل تدوين الدوافع وراء مشاهدة الإباحية نقطة انطلاق جيّدة للإقلاع عنها، وتذكيراً يساعدك على مقاومة الرغبة في المشاهدة.
- أزِل أي دليل مادي: يشمل ذلك التخلّص من المجلات وحذف الأدلة الرقمية وتغيير الإعدادات لحظر المحتوى الإباحي؛ إذ يمكن أن تساعد هذه الإجراءات على مقاومة الإغراء ومنع الاستهلاك.
- كن واعياً بالمحفّزات: يساعد إدراك نوعية المحفزات الشخصية على تجنّب التعرّض لها، وإيجاد طرائق للتعامل مع الرغبات التي لا يمكنك السيطرة عليها؛ مثل استخدام تقنيات التنفّس أو العدّ للالتهاء عن عملية التفكير في المواد الإباحية.
- استبدل بها وسائل التسلية الصحية: مثل أنشطة اليوغا أو الجري أو البستنة أو القراءة أو الاستحمام لتحويل التركيز على المواد الإباحية وكسر حلقة الإدمان وترسيخ عادات صحية.
- شارِك المشكلة مع صديق: يمكن للصديق المقرّب أن يكون طريقة فعّالة للبقاء على المسار الصحيح والتغلّب على الإدمان وتقديم الدعم في عملية التعافي.
- جرّب العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يوفّر هذا النوع من العلاج أدوات لمكافحة أنماط التفكير السلبية والمشاعر الصعبة.
- احصل على العلاج الدوائي: توازن الأدوية مناطق المتعة والمكافأة في الدماغ التي تحفَّز في أثناء استهلاك المواد الإباحية عن طريق مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)؛ وهي نوع شائع من مضادات الاكتئاب التي يمكن أن تساعد على علاج القلق والاكتئاب؛ ومن ثَمّ تنقص الرغبة الشديدة في مشاهدة الإباحية.
اقرأ أيضاً: كيف تتصرف إذا كان ابنك يشاهد مواد إباحيةً؟
وأخيراً، تُعتبر مشاهدة الإباحية مشكلة شائعة، وقد يعتبرها البعض عادة طبيعية إلى حدٍّ ما. لكن ما لا يدركه أغلب المدمنين على هذه العادة هو آثارها السلبية في الصحة النفسية والعلاقات الشخصية، فقد تؤدّي إلى الإحساس بالعزلة وتفاقم أعراض الاكتئاب؛ إذ يستخدم الأفراد المواد الإباحية كشكل من أشكال الهروب أو كطريقة للتهدئة الذاتية. لذلك؛ من المهم التعرّف إلى الآثار الضارّة للمواد الإباحية قبل الوقوع فريسة للإدمان عليها.