ملخص: كشفت دراسة حديثة ستنشر في العدد القادم من دورية الاضطرابات الشخصية 2024، أن الأشخاص الذين يعانون انعدام التلذذ والاستمتاع بالأنشطة تظهر لديهم زيادة في الاتصال الوظيفي بين منطقتين من الدماغ تشاركان في عمل نظام المكافأة؛ هما النواة المهادية المجاورة للبطين والنواة المتكئة. وقد يعطِّل هذا النشاط المفرط العمليات الطبيعية للمتعة والدافع، ما يفسِّر عجز الفرد عن الشعور بالتحفيز أو التلذذ بالأنشطة. تلقي نتائج هذه الدراسة الضوء على آلية دماغية رئيسية قد تفيد العلاجات المستقبلية لهذه الحالة أو الوقاية منها، خصوصاً أن العلاج الشافي لانعدام التلذذ المرتبط بالاكتئاب وغيره من المشكلات النفسية ما زال غير متاح. عموماً، يُنصح عند انعدام التلذذ بمراجعة المختص النفسي من أجل تحديد السبب ومعالجته، والمواظبة على العلاج حتى بعد التحسن. كما يمكن علاج الحالات الخفيفة من فقدان القدرة على الاستمتاع عبر المشاركة في التفاعلات الاجتماعية واسترجاع الذكريات السعيدة وتعميق الارتباط بالقيم الشخصية والروحية وتحسين نمط الحياة عموماً.
محتويات المقال
كشفت دراسة متاحة الآن عبر الإنترنت وسوف تُنشر في العدد القادم لدورية الاضطرابات العاطفية (Journal of Affective Disorders) في 1 كانون الأول/ديسمبر عام 2024، عن آلية دماغية رئيسية قد تفسر ما يحدث في دماغ الإنسان الذي يعاني انعدام التلذذ، أي عدم القدرة على الاستمتاع بالأنشطة التي كانت ممتعة سابقاً، وهو سمة رئيسية في العديد من الاضطرابات النفسية وخاصة الاكتئاب الشديد.
وجد الباحثون أن أدمغة الأشخاص الذين يعانون مستوى مرتفعاً من انعدام التلذذ (Anhedonia) تظهِر اتصالاً وظيفياً أقوى من الطبيعي بين منطقتين؛ هما النواة المهادية المجاورة للبطين والنواة المتكئة. فما معنى هذه النتائج وما أهميتها؟ إليك التفاصيل.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون الاكتئاب وراثياً؟ دراسة حديثة تجيب
ما الذي يحدث في دماغ الإنسان غير القادر على الشعور بالمتعة؟
ما يحدث هو أن اتصالاً وظيفياً (نشاطاً زائداً) أقوى يجري بين النواة المتكئة (Nucleus accumbens)، وهي منطقة ضرورية للشعور بالمتعة والمكافأة لها دور في الاستمتاع بأنشطة مثل الطعام أو التواصل الاجتماعي أو الأنشطة الترفيهية، والنواة المهادية المجاورة للبطين (Paraventricular nucleus of the thalamus) التي تشارك في التحفيز وإدارة الدافع وتوجيه الاستجابات السلوكية.
يعني ذلك أن هاتين المنطقتين تعملان معاً على نحو أوثق من المعتاد، وقد يتداخل هذا النشاط المفرط مع الطريقة الطبيعية لعمل نظام المكافأة في الدماغ، أي أنه يعطِّل العمليات الطبيعية الدماغية للشعور بالدافع والمتعة، ما قد يفسِّر سبب عجز الإنسان عن الشعور بالتحفيز أو التلذذ بالأنشطة التي عادة ما تكون ممتعة، مثل التواصل الاجتماعي أو ممارسة الهوايات أو حتى تناول الطعام.
كان هذا النشاط المتزامن غير الطبيعي بين المنطقتين ملحوظاً خصوصاً عند الرجال الذين يعانون الاكتئاب، في حين لم يكن واضحاً بالقدر نفسه عند النساء أو عند الأشخاص الذين لا يعانون مشكلات نفسية.
اقرأ أيضاً: هل يسبب غذاؤك الاكتئاب؟ دراسة حديثة تكشف الحقيقة
كيف توصل الباحثون إلى هذه النتائج؟
استخدم فريق البحث، الذي يضم عدة باحثين من جامعة كاليفورنيا (University of California) وكلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard Medical School) وغيرهما، التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي عالي الدقة لفحص نشاط الدماغ عند 63 بالغاً، منهم 48 امرأة و15 رجلاً، تتراوح سنهم بين 18 و41 عاماً.
وقد خضع المشاركون لتقييم أعراض الاكتئاب والقلق وغيرها من الأعراض النفسية، بالإضافة إلى انعدام القدرة على الشعور بالمتعة، عبر استخدام اختبارات نفسية موحدة. ونتيجة لذلك، قُسموا إلى مجموعتين؛ الأولى لا يعاني أفرادها أعراضاً نفسية، والأخرى تضم الذين يعانون أعراضاً نفسية.
أما التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي فهو تقنية تساعد على قياس الاتصال الوظيفي بين مناطق الدماغ المختلفة، وذلك عندما يكون الدماغ في حالة من الراحة وغير منخرط في مهمة محددة.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: المرونة العقلية تقلل خطر الوفاة بنسبة 53%، فكيف تتمرن عليها؟
ما هي قيود هذه الدراسة؟
على الرغم من الأدلة التي قدمتها هذه الدراسة عن العلاقة بين النشاط المفرط المتزامن بين المناطق المسؤولة عن نظام المكافأة وحالة عدم التلذذ، فلها بعض القيود أو لنقل بعض العوامل التي قد تحدّ من نطاق نتائجها؛ إذ إن الهدف الأساسي من التجربة هو دراسة الاكتئاب لدى المشاركين وليس دراسة انعدام القدرة على التلذذ في حد ذاته، أي قد لا يمثّل المشاركون فئة الأشخاص الذين يعانون فقدان القدرة على الاستمتاع تمثيلاً كاملاً.
بالإضافة إلى أن التوزيع غير المتساوي للذكور والإناث قد يصعّب تعميم النتائج على كلا الجنسين، فضلاً عن أن فحوص التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي ركّزت على مناطق محددة من الدماغ، ما قد يؤدي إلى إغفال مناطق أخرى قد تشارك في ظهور حالة انعدام القدرة على التلذذ، ومن ثم لا يمكن فهم هذه الحالة بالكامل.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: تحليل دمك يكشف معدل قلقك
ما هو المقصود من انعدام التلذذ؟
صار واضحاً الآن أن المقصود بانعدام التلذذ ليس الملل أو الرغبة في التغيير؛ إنما هو وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) انخفاض ملحوظ في القدرة على الاستمتاع بمعظم الأنشطة التي كانت تجلب الفرح في السابق وانخفاض الاهتمام بها.
تتكون هذه الحالة من عنصرين أساسيين؛ الأول هو انخفاض الدافع نحو ممارسة الأنشطة التي كانت محببة، والثاني هو انخفاض القدرة على الاستمتاع بهذه الأنشطة، سواء كانت تناول الطعام أو قضاء الوقت مع الأحبة أو ممارسة الهوايات المفضلة، وقد يعاني الشخص أحد هذين العنصرين أو كليهما. ويعد فهم هذه الحالة أمراً بالغ الأهمية؛ لأنها ترتبط بانخفاض جودة الحياة ومقاومة العلاج وتعاطي المخدرات بالإضافة إلى زيادة خطر الانتحار.
يوضح الطبيب النفسي، طارق الحبيب، أن فقدان الاستمتاع بالحياة وعدم الرغبة في ممارسة أي نشاط ليسا بالضرورة من أعراض الاكتئاب، فقد يكون انعدام التلذذ عرضاً لحالات نفسية وعصبية أُخرى؛ مثل الفُصام واضطراب ما بعد الصدمة واضطراب ثنائي القطب وداء باركنسون وإصابات الدماغ الرضيّة.
7 نصائح فعالة للتعامل مع انعدام التلذذ
فيما يخص العلاج، يمكن تخفيف أعراض انعدام التلذذ الشديد، الذي يمثل عرضاً من أعراض اضطراب الاكتئاب أو أي اضطراب نفسي آخر، وإدارته عبر تشخيص السبب الرئيسي الذي أدى إلى نشوئه وعلاجه، وقد يكون أسلوب العلاج نفسياً أو دوائياً أو كليهما.
لكن لا تتوفر حتى الآن طرق محددة تساعد على شفاء انعدام التلذذ تماماً، كما لا تتوفر طريقة معروفة اليوم للوقاية من هذه الحالة (المرتبطة بالاضطرابات النفسية)؛ ما يبين أهمية طلب المساعدة في حال الشعور بهذه الحالة وتجنُّب التشخيص الذاتي؛ لأنها قد تكون علامة على حالة صحية نفسية خطرة، كما ينبغي مواصلة العلاج بعد البدء به حتى عند التحسُّن لمنع الانتكاس وظهور انعدام التلذذ مرة أخرى.
هذا ما يسلط الضوء أيضاً على أهمية هذه الدراسة؛ إذ إن فهم الآليات الدماغية وراء انعدام التلذذ أمر بالغ الأهمية من أجل الوقاية المحتملة من هذه الحالة وتطوير العلاجات المناسبة لها، بالإضافة إلى أن فهم الاختلافات بين الجنسين فيما يخص هذه الحالة يمكن أن يساعد على التوصل إلى طرق علاجية أكثر تخصيصاً.
أما في حال كانت أعراض فقدان القدرة على الاستمتاع خفيفة، فثمة نصائح تقدمها المختصة النفسية، جوديث جوزيف (Judith Joseph)، قد تساعدك على إدارة الأعراض. وهي:
- شارك في التفاعلات الاجتماعية: اقضِ بعض الوقت مع أحبائك، حتى لو لم تكن تشعر بالرغبة في التحدث كثيراً في البداية؛ لأن مجرد الحضور بين الآخرين يمكن أن يحسِّن حالتك المزاجية ويوفّر لك الدعم العاطفي.
- استرجع ذكرياتك السعيدة: تصفَّح الصور القديمة أو استرجع اللحظات التي جلبت لك السعادة في الماضي، فقد يذكّرك هذا التمرين بأن السعادة ممكنة وأنك عشتها من قبل.
- عمِّق الارتباط بقيمك الشخصية أو الروحية: مارس التأمل أو الجأ للصلاة، أو فكّر في تعزيز قيمك الشخصية التي تمنح حياتك معنى، مثل التطوع في الأعمال الخيرية أو ممارسة الأنشطة الإبداعية.
- تحرَّك: بالإضافة إلى نصائح جوزيف، فثمة نصائح أُخرى قد تفيد في مثل هذه الحالة، مثل ممارسة التمارين الرياضية؛ إذ يعزز النشاط البدني إفراز الإندورفين الذي يسهم في تحسين الحالة المزاجية. لذلك ابدأ بأنشطة خفيفة مثل المشي أو التمدد، وزد شدتها تدريجياً.
- تدرَّب على الاستمتاع: ركِّز على عيش اللحظة الحالية بالكامل عبر إشراك حواسك جميعها، وهذا يعني أن تلاحظ المشاهد والأصوات والنكهات والروائح والملمس. كما من المفيد أن تتدرب على ممارسة الامتنان من أجل تعزيز المشاعر الإيجابية.
- غيِّر أنماط تفكيرك السلبية: أي حدد الأفكار السلبية والتشوهات المعرفية التي تنخرط فيها، مثل التهويل وتجاهل الإيجابيات والتركيز المفرط على السلبيات، وأعد صياغتها وبدلها بأفكار أكثر إيجابية وموضوعية.
- أجرِ تغييرات صحية على نمط حياتك: اتبع نظاماً غذائياً متوازناً، ونل قسطاً كافياً من النوم الجيد، ومارِس تقنيات إدارة التوتر مثل الاسترخاء أو التأمل.
تذكر أنه إذا استمرت حالة فقدان القدرة على الاستمتاع وأثرت بدرجة كبيرة في حياتك اليومية، فعليك طلب المساعدة المختصة.