ملخص: نشرت مجلة علم النفس البيئي (the Journal of Environmental Psychology) دراسة علمية حديثة في أبريل/نيسان 2024، تَبين من نتائجها أن قضاء الوقت في مراقبة العصافير مدة 30 دقيقة أسبوعياً يمكن أن يحسّن الصحة النفسية والحالة المزاجية، وإليكم تفاصيل الدراسة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
توصلت دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة ولاية كارولاينا الشمالية (North Carolina State University) ونشرتها مجلة علم النفس البيئي (the Journal of Environmental Psychology) في أبريل/نيسان 2024، إلى نتيجة مفادها أن مراقبة العصافير مدة 30 دقيقة أسبوعياً يمكن أن يحسّن الصحة النفسية. وأضافت الدراسة أن قضاء الوقت في مراقبة الطيور أفضل للصحة النفسية من المشي في الطبيعة، وإليكم تفاصيلها من خلال هذا المقال.
ما الذي توصلت إليه الدراسة؟
أظهرت الدراسة العلمية السابق ذكرها أن مراقبة العصافير مدة 30 دقيقة كل أسبوع تحسّن حالتك النفسية والمزاجية. وقد شارك في هذه الدراسة 120 شخصاً قُسموا إلى 3 مجموعات؛ حيث طُلبت من أفراد المجموعة الأولى مراقبة الطيور مرة واحدة في الأسبوع طوال 5 أسابيع، فيما اختار المشاركون في المجموعة الثانية المشي في الطبيعة، والتزم أفراد المجموعة الثالثة بروتينهم اليومي المعتاد.
وبعد انتهاء التجربة التي استمرت 5 أسابيع، توصّل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن مراقبة العصافير أفضل من المشي في الطبيعة وأفضل من عدم فعل أي شيء على الإطلاق؛ وذلك لأن التفاعل المباشر مع الطبيعة عبر مراقبة العصافير يحسّن الحالة النفسية والمزاجية.
وبعد عدة أسابيع، كُررت التجربة مرة أخرى على المشاركين السابقين أنفسهم، وأكد الباحثون القائمون على الدراسة إن مستويات التوتر انخفضت لدى الأشخاص الذين راقبوا الطيور بنسبة 13.7%؛ في حين شهد المتنزهون انخفاضاً أقل بنسبة 6.9% .
وفي هذا السياق، يؤكد المؤلف المشارك في الدراسة، لينكولن لارسون (Lincoln Larson)، إن الاتصال بالطبيعة يحقق الكثير من الفوائد الصحية؛ ولكن الاندماج مع التنوع البيولوجي عبر مراقبة العصافير قد يكون أكثر فائدة؛ وذلك لأن تلك المراقبة تحفزنا على الانخراط مباشرة مع الطبيعة بدلاً من مجرد وجودنا فيها.
على الجانب الآخر، ترى أستاذة الطب النفسي بجامعة كينغز كوليدج في لندن (King’s College London)، أندريا ميشيلي (Andrea Mechelli)، إن هناك عواملَ متعددة تجعل صوت زقزقة العصافير يحسّن الحالة المزاجية والنفسية؛ فهو يجذب الناس إلى الخارج ويجعلهم يقضون الوقت في الطبيعة، وهناك يقل القلق وتنخفض مستويات الهرمونات المسببة للتوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول والنورإبينفرين، وتصف ميشيلي الطيور بلوحات فنية ملونة تحلق في السماء.
اقرأ أيضاً: كيف يحسّن اتصالك بالطبيعة صورتك عن جسدك؟
6 فوائد نفسية لقضاء الوقت في الطبيعة
توصلت دراسة علمية نشرتها دورية نيتشر (Nature) العلمية في مارس/آذار 2024، إلى نتيجة مفادها أن قلة الارتباط بالطبيعة تؤدي إلى تدهور الحالة النفسية. وقد أظهرت نتائج الدراسة أن الأفراد الذين يرتبطون بالطبيعة لديهم مستويات أقل من التوتر والقلق، علاوة على أنهم يشعرون برضا أكبر تجاه الحياة؛ وذلك لأن المساحات الخضراء المفتوحة مثل الحدائق والحقول والغابات تحفز المشاعر الإيجابية.
وفي هذا السياق، يوضح رئيس قسم علم النفس في جامعة ديربي الإنجليزية (University of Derby)، مايلز ريتشاردسون (Miles Richardson)، إن الشعور بأنك جزء من الطبيعة يرتبط ارتباطاً كبيراً بالحيوية، والإحساس بالمعنى، والسعادة، واليقظة، وانخفاض القلق. والحقيقة أن كلاً من قضاء الوقت في الطبيعة واستنشاق الهواء النقي والاستمتاع بزقزقة العصافير، يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية بعدة طرائق؛ مثل:
- تحسين جودة النوم: يمكن أن يحسّن قضاء الوقت في الهواء الطلق نوعية النوم لأن التعرض إلى الضوء الطبيعي يفيد في تنظيم ساعة الجسم الداخلية؛ ما يؤدي إلى نوم مريح ليلاً. يساعد الضوء الطبيعي أيضاً على إنتاج هرمون السيروتونين لتعزيز الاسترخاء وتحسين الحالة المزاجية، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للبيئات الطبيعية أن تقلل إفراز هرمون الكورتيزول في أثناء أوقات التوتر.
- انخفاض الشعور بالقلق والتوتر: عندما نقضي الكثير من الوقت بصحبة الشاشات التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، يزداد الشعور العميق بالعزلة الاجتماعية؛ لكن التواصل مع الطبيعة قادر على إيجاد الانسجام بين ذواتنا الداخلية والبيئة الخارجية، علاوة على أن قضاء الوقت في البيئات الطبيعية يمكن أن يخفض مستويات القلق والتوتر؛ وذلك لأن الهدوء الذي توفره المساحات الخضراء أو المياه المتدفقة أو المناظر الطبيعية الشاسعة، يمكن أن يحوّل تركيز كلٍ منا بعيداً عن الضغوط ويساعدنا على تهدئة عقولنا.
على الجانب الآخر، تعمل المناظر والأصوات والروائح الموجودة في الطبيعة على تعطيل استجابة الجهاز العصبي للضغط النفسي؛ ولهذا يتباطأ التنفس وتقل مستويات هرمونات التوتر، وينخفض ضغط الدم؛ ما يسمح لنا بتحويل الأفكار بعيداً عن القلق.
- تقليل أعراض الاكتئاب: تساعد أشعة الشمس على تصنيع فيتامين د؛ الذي يؤدي دوراً مهماً في تنظيم المزاج وتقليل أعراض الاكتئاب. علاوة على ذلك، يوفر الوجود في الطبيعة استراحة من الضغوط النفسية التي تسهم في تفاقم المشاعر السلبية، بالإضافة إلى أن المشي مسافات طويلة في الهواء الطلق يعزز الشعور بالإنجاز، خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون الاكتئاب ويفتقرون إلى الحافز.
- تحسين أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه: يوفر قضاء الوقت في الطبيعة بيئة فريدة ومحفزة للمساعدة على تقليل أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فغالباً ما يشعر الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بالتشتت أو عدم التنظيم أو القلق، وهنا تحديداً تكمن أهمية الطبيعة؛ لأن المناظر والأصوات والألوان تساعدهم على الهروب من المحفزات المستمرة للبيئات الحضرية الحديثة؛ إذ ينخرط الأفراد في بيئة غنية بالحواس يمكنها تجديد الطاقة، واستعادة الانتباه، وتقليل النشاط الزائد، وتهدئة الاندفاع.
- تخفيف حدة الشعور بالغضب: يعزز الجمال الطبيعي للأماكن الطبيعية؛ مثل الحدائق أو الشواطئ، الاسترخاء والشعور بالهدوء، فكونك محاطاً بالأشجار والمياه والهواء النقي يمكن أن يكون له تأثير مهدئ للعقل يساعدك على التخلص من الغضب والإحباط.
- زيادة احترام الذات: يؤثر العديد من العوامل المرتبطة بالطبيعة في تعزيز احترام الذات؛ فالطبيعة تسهم في الشعور بالإنجاز والكفاءة الذاتية لأن الأنشطة التي تتطلب الطاقة مثل المشي مسافات طويلة أو التخييم أو تسلق الصخور، توفر حافزاً للنجاح وتزيد الثقة بالقدرات الذاتية.
بالإضافة إلى ذلك، تعد الحدائق والأماكن الطبيعية خالية من الضغوط والتوقعات المجتمعية؛ الأمر الذي يوفر فرصاً لاستكشاف الأفكار الذاتية الداخلية، ويُشعِر الأفراد بأنهم أكثر ارتباطاً بأنفسهم وبمحيطهم الخارجي؛ ما يعزز تقدير الذات وحبّها.
اقرأ أيضاً: كيف نستخدم الطبيعة لعلاج الاضطرابات النفسية؟
كيف تزيد الوقت الذي تقضيه في الطبيعة؟
قد يَصعُب قضاء بعض الوقت في الطبيعة بسبب الجداول اليومية المزدحمة، وفي الكثير من الأوقات، يواجه بعض الأفراد صعوبة في الوصول إلى الأماكن الطبيعية في المدن الحضرية. ومع ذلك، علينا أن نحاول قضاء بعض الوقت في الخارج؛ حيث تؤكد المختصة النفسية، نهاية الريماوي، إن العيش بين 4 جدران يجعلنا أكثر عرضة إلى الإصابة بالاضطرابات النفسية، ويحرمنا التفاعل المباشر مع الطبيعة؛ إذ إن الحصول على ضوء الشمس الطبيعي والهواء النقي يجعلنا نحافظ على صحتنا النفسية والجسدية. وإليكم بعض الأفكار التي يمكن من خلال اتباعها قضاء الوقت في الطبيعة:
- اجعل قضاء الوقت في الطبيعة أولوية: كم من الوقت تقضيه يومياً في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي؟ وهل تشاهد التلفزيون كثيراً؟ إذا كنت تمارس هذه الأنشطة يومياً ولا تجد في روتيك 10 دقائق من أجل الخروج للمشي في الهواء الطلق، فهذا يعني أن الطبيعة ليست من أولوياتك؛ لهذا فكر جيداً: هل يمكنك التخلي عن 10 دقائق من وقت الشاشات كل يوم من أجل الخروج في الهواء الطلق؟ الحقيقة أن هذه هي الطريقة الأفضل للبدء؛ أن تجعل الطبيعة أولوية في يومك.
- ادمج الاتصال بالطبيعة في روتينك: لنفرض أنك لا تملك الوقت الكافي للخروج في الهواء الطلق، أو كنت تسكن في مدينة حضرية بعيدة عن المساحات الخضراء. في هذه الحالة، عليك دمج الوقت الذي تقضيه في الطبيعة في روتينك اليومي. على سبيل المثال؛ بدلاً من تناول الغذاء في المكتب، اخرج وتناوله في الهواء الطلق، أو استمتع بتناول القهوة الصباحية في الشرفة، واترك هاتفك جانباً، ولا تتصفح بريدك الإلكتروني، واستمتع بزقزقة العصافير. وفي طريق العودة إلى البيت، اسلك مساراً مختلفاً حتى لو كان سيأخذ المزيد من الوقت، فربما تكتشف في الطريق حديقة صغيرة.
- اجلب الطبيعة إلى داخل بيتك: يعد تزيين المساحات الداخلية لبيتك بالنباتات طريقة بسيطة لجلب الطبيعة إليك. يمكنك أيضاً السماح للضوء الطبيعي بالدخول عبر النوافذ لإضفاء السطوع على منزلك والاستمتاع بالهواء النقي، هذا إلى جانب زراعة النباتات والزهور في شرفة بيتك مع ترتيب مساحة مريحة للجلوس.
- خطط لرحلتك القادمة في الطبيعة: إذا كنت ترغب في قضاء فترات أطول من الوقت مع الطبيعة، فخطط لرحلتك القادمة إلى بحيرة أو شاطئ للتخييم أو تسلق الصخور أو صيد السمك أو المشي مسافات طويلة أو تأمل النجوم أو ركوب الدراجة أو الزورق أو أي نشاط من الأنشطة الأخرى.
- ركز على جودة الوقت الذي تقضيه في الطبيعة: يعد التباطؤ والحضور إحدى أفضل الطرائق لتحسين جودة الوقت الذي تقضيه في الخارج، ففي بعض الأوقات، يمكنك أن تخرج بالفعل إلى الهواء الطلق؛ ولكنك تقضي معظم الوقت في تصفح منصات التواصل الاجتماعي أو التحدث إلى رئيسك في العمل. في هذه الحالة، أنت قضيت الوقت بين أحضان الطبيعة بالفعل؛ لكنك لم تسمح لنفسك بالاستمتاع بالتجربة، ولم تركز في تفاصيلها؛ ولهذا عليك معرفة أن الأمر لا يتعلق بكمّ الوقت الذي تقضيه في الخارج؛ إنه يتعلق بجودة الوعي والاهتمام والشعور بالأصوات والروائح والألوان التي تقابلها في طريقك.