ما هو العلاج عن طريق مجموعات دعم المرأة؟

مجموعات المناقشة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في وقتنا الحالي، تعترف النساء اللواتي كافحن بالأمس لنيل حقوق المرأة بأنهن مكتئبات وتشعرن بعزلة عن عواطفهن وأجسادهن، وأنهن بحاجة إلى الشعور بأنوثتهن مجدداً. لذا خُصصّت مجموعات المناقشة هذه للنساء دون الرجال.

مجموعات مناقشة للنساء

“حياتي العاطفية تنهار”،”سئمت من الأشخاص المختالين”، “أشعر بأنني مكبَّلة وعاجزة”؛ تلك عبارات قالتها كل من المسؤولة الصحفية منى، والمغنية لمى وربة المنزل وأم لتوأم صفاء. وأدلت الكثير من النساء على غرارهن بشهاداتهن، وكونهن يشعرن بالعزلة والانفصال عن أساسيات الحياة. وقد فقدن في مطلع الألفية الثالثة رغبتهن بأن تكن متساويات تماماً مع الرجال؛ إذ يبدو أن دخول النساء في المجالات التي كانت حتى عهد قريب حصريةً للرجال جعلتهن غير راضيات على الرغم من المكاسب القيمة التي حصدنها (النجاح الاجتماعي والمهني، والاستقلالية المادية).

لهذا استدعت الحاجة إلى إنشاء مجموعات مناقشة مخصصة للنساء فقط دون الرجال، وبهذا تُلغى منذ البداية أي فرصة للإغواء. تعد مجموعات المناقشة مريحةً أكثر من العلاج النفسي الجماعي، فهي تدعو النساء إلى نسيان التنافس بينهن للانغماس في أحاديث صادقة. اختارت مجلة “بسيكولوجي” (Psychologies) ثلاثة ممثلين عن تيار تطور الذات الحديث هذا؛ أولهم يتناول التبعيات العاطفية، وثانيهم يقترح إعادة التوازن بين القيم الذكورية والأنثوية، وثالثهم يحث المرء أن يتبع ما يمليه عليه جسده. لكن لا تسئ فهمنا، فنحن لا نتحدث عن الحركة النسوية وإنما نتناول التصالح مع الأنوثة المتأصلة فينا.

التعافي من الإدمان العاطفي

بعد أن أصدِر كتاب “روبن نوروود” “النساء اللواتي يبالغن في العشق” (women who love too much) الذي روته المعالجة النفسية “جوزيت ستانكي”، لم تكفّ النساء اللواتي كانت حياتهن العاطفية كارثيةً أبداً عن طلب المساعدة منها. ومن هنا ولدت فكرة إنشائها لمجموعات دعم تهدف إلى تعليم النساء كيف يحررن أنفسهن من هذه الروابط التي ينسجنها ليحافظن على شريكهن مهما كان الثمن. يحتاج الإنسان الذي يتصف بالتبعية العاطفية إلى أن يكون محبوباً أكثر من أن يمنح الحب، لذا سيبحث بحثاً حثيثاً لا إرادياً ملحاً عن إشارات تطمئنه بأن شريكه يقدره؛ لكنها لا تنفعه أبداً لأنه يرى أنها لا تتصف بالمصداقية.

يمنع في مجموعتنا للمناقشة الحديث عن الرجل، فنحن لا نجتمع لنفضي بما لدينا بل بتجاربنا. أما الموضوعات التي نناقشها فهي الأنماط المتكررة والعنف والغيرة والمثالية وبالطبع الحاجة إلى السيطرة على الآخر. تقول هلا: “بمجرد أن تحدثت عمّا كنت أعانيه، شعرت أنه لم يعد محور حياتي وفجأةً حللت محله لأكون أنا محورها. يؤدي المنسق دور المرشد الذي يساعد المرأة على العثور على المعالم الرئيسية. إذ تقول هلا “إن ما يقي المرأة من الانجرار خلف نزعتها إلى الاعتماد على الآخر قدرتها على التحدث باسمها، وتخصيصها مساحةً لنفسها وتنميتها”.

تمتد كل دورة من مجموعات المناقشة عشرة جلسات بمعدل جلسة واحدة في الأسبوع، “تجرؤ” فيها النساء على العيش بمفردهن من خلال “منحهن فرصةً للتصرف برزانة” على حسب وصفهن، ويتشجعن مجدداً على تذوق السعادة التي يلقيها الحب في قلبهن بعد أن يبنينه على أسس جديدة.

كوني امرأةً متألقةً

معظم تلك النساء معيلات لأنفسهن، فهن يعشن بمفردهن ويشغلن مناصب مهنية مهمة، ومسؤولات غالباً عن إعالة طفل أو أكثر؛ لكنهن الآن سئمن اصطناع ابتسامة النجاح وتأدية دور “النساء الخارقات”. يقول المعالج والفيلسوف “بول سالومو:” “لقد اكتسبت النساء المعاصرات خصال الرجولة والفعالية وأصبحن محاربات، وآن الأوان الآن ليكتشفن بعداً آخر من أنوثتهن. فلم تقتصر مهام المرأة اليوم على صنع المربى وإنما صارت تجيد إدارة مهامها الزوجية والمهنية على حد سواء”.

إنها مسألة تقبل المرأة وجود مواضع ضعف معينة لديها، وتحليها بشيء من الهشاشة. تركز المجموعات على استكشاف الصور مختلفة التي تمثل المرأة؛ إذ يوضح “بول”: “سواءً كانت صورة المرأة المكافحة أو الخاضعة أو فائقة الجمال أو المسترجلة، لقد وُجّهنا إلى فهم كيف توجِد علاقة الهيمنة حلاً وسطاً بين الرجل والمرأة”، وذلك من خلال التمارين النفسية الجسدية والعلاجات بالفن والحوارات وغيرها. تخبرنا جيهان بما هو جليّ: “لا أطيق أن تُملى عليّ الأوامر، فأنا من أنظم كل الأمور في المنزل: العطلات والميزانية والأمسيات وما إلى ذلك” يجب أن يسهّل عليها تمرين النقر تقبُّل التوقف عن التحكم في جميع المواقف. من المؤكد أن بعض التمارين ستحرجك، فسؤال “ما هي نماذج الرجال الذين تركوا بصمةً في حياتك العاطفية؟ يسقط دفاعاتك ويستحضر ذكرياتك. فمثلاً دائماً ينتهي الأمر بجيهان عاشقةً لرجال عديمي الضمير، ولا تلتقي شذا إلا بشركاء مخيبين للآمال، دون أن تعيا ذلك.

يتيح لك علاج “ساس” (SAS Therapy) في الندوة التي تدوم خمسة أيام ألا تكرري نماذج الماضي وأن تكتشفي أن أنوثتك لا تلغي حساسيتك، وحزمك لا يلغي لطفك. ومن هذا التناغم بين القيم الذكورية والأنثوية تبرز المرأة المتألقة التي تعيش سلاماً مع القيم المزدوجة التي تحملها في داخلها، وهذه خطوة أساسية لتحسين علاقتك مع الرجال.

دعي حركاتك تعبر عمّا في نفسك

تشعر ماريا بأنها دائماً على وشك البكاء وأن صوتها مكبوت، وتشعر غنى أن روحها محبوسة في جسد يثقلها”؛ كانت حوالي خمس عشرة امرأة تجلسن متربعات، وتفيد جميعهن أنهن يشعرن بضيق عام.

تتمحور الورشة التي قادتها عالمة التآزر الحيوي وخريجة معهد العلوم الشرقية التقليدية “كاثرين موتون كيلينر” حول الدائرة وبُعدها الأصلي، التزاماً بالتقاليد الشامانية الأميركية الأصلية: “فالدائرة تحتوي الجميع ولا تقصي أحداً”: وهي في الواقع تؤدي دور الرحم وتساعد النساء على إصلاح جروحهن الداخلية التي نتجت حسب قول المعالجة عن القانون الأبوي الذي حثنا على عزل أنفسنا عن عواطفنا ومشاعرنا، لأن هذا حسب زعمهم الطريقة الوحيدة للصمود في هذا العالم الذي تسوده الصراعات”. تتبع المعالجة في العلاج أساليب الرقص البدائي والاسترخاء الإبداعي والتأمل والأهم من كل ذلك الاستماع.

أما فسبب اتباعي لهذا النهج في التدريب: “نستفيد من الحركة في تنشيط قدرة جميع الكائنات الحية على التنظيم الذاتي وشفاء نفسها، فكل حركة تعبر إما عن حزن الفرد أو فرحه أو فاجعة عاشها أو غيرها من المشاعر، فمثلاً تلك فرصة لماريا التي لم تعبر عن حزنها عند وفاة والدتها، وستحتفل غنى بأول دورة شهرية لها دون محظورات. يوفر الرقص البدائي لنا الغوص في ذاتنا إلى أعمق من بُعد ردود أفعالنا المشروطة، واستعادة حيويته.

آراء النساء

آلاء ذات الـ 36 عاماً وتعمل بائعة كتب: “تمكنت أخيراً من التعبير عن خوفي من الهجر عند حضوري مجموعات المناقشة.

كنت قبل ذلك امرأةً حبها جارف ومبالغ به ولطالما تكرر هذه العبارات: “هل تحبني ؟”، “أنا أحبك”، “هل تحبني بصدق؟” في البداية تكون ظريفةً لكنها تصبح بعد فترة منفِّرة، فقد شعرت أن شريكي يبتعد عني شيئاً فشيئاً وكنت مستعدةً لفعل أي شيء ليبقى بجانبي، حتى لو تطلب الأمر ترك أصدقائي أو تغيير عاداتي أو غير ذلك. ساهمت مشاركتي في مجموعة مناقشة عن التبعية العاطفية في توعيتي بطبيعة علاقتنا البالية. تمكنت في البداية من تحديد مرضي واكتشفت أنني لست الوحيدة المصابة به، وتشاركت مع نساء المجموعة تلك الحاجة التي لا تطاق للطرف الآخر والخوف من الهجر، ومع تتالي الجلسات نلت استقلاليتي. لذا قررت أنا وزوجي أن نعيش منفصلين مؤقتاً كي نعبر عن حبنا لبعضنا بطريقة أفضل. فاكتشفت لذة العزلة ومتعة القراءة والذهاب إلى السينما مع أصدقائي ولم أشعر بالملل، وأفضل ما في الأمر هو التجول حافية القدمين في الشقة وأقنعة العناية بالبشرة تغطي وجهي. أما أكبر انتصار لي هو أنني كففت عن قضاء يومي متشبثةً بالهاتف أنتظر اتصاله بي. هذه المفاهيم عن المساحة الخاصة للمرء بالغة الأهمية”.

المحتوى محمي !!