متلازمة بيتر بان: لماذا يتصرف بعض الرجال كالأطفال ويتملص من مسؤولياته؟

5 دقائق
متلازمة بيتر بان
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يتشبث بعض البالغين بأيام الطفولة الخالية من الهموم، ويجد أن تحمُّل المسؤوليات العاطفية والمالية يتعدى حدود قدراته، وقد يُعد ذلك دليلاً على الإصابة بمتلازمة بيتر بان، فما أسبابها؟ وكيف يمكن التعامل معها؟ هذا ما سنعرفه في مقالنا.

"هناك طفل يعيش داخل كل واحد منا! بغض النظر عن الأرقام والأعمار، بدأ كل شيء عند ذلك الطفل وما زال موجوداً هناك. أحبِب الطفل داخلك وأطلق العنان له، فمتى ما تواصلت معه، ستحدث المعجزات. تذكّر تلك الأيام البريئة الخالية من الهموم، واكتشف أنك ما زلت ذلك الطفل ذا العيون الواسعة المتطلعة".

لكن مهلاً لحظة، قبل أن تنغمس كثيراً في فكرة استفزاز الطفل داخلك، ثمة ما يجب أن نتحدث عنه هنا. إنه الرجل الطفل، ونقصد به الرجل الذي يتشبث بأيام الطفولة الخالية من الهموم والمسؤوليات العاطفية والمادية، ويرفض أن يتصرف أو يُناقش مثل البالغين، وقد يغار من أطفاله إن أبدت زوجته الاهتمام بهم أكثر منه، فما الذي تنبغي معرفته عن هذه الحالة؟ وكيف يمكن علاجها؟

مَن هو الرجل الطفل أو المُصاب بمتلازمة بيتر بان؟

هو رجلٌ يُظهِر أنماطاً ثابتة من الاستجابات والسلوكيات غير الناضجة عاطفياً وكأنه طفل في جسد رجل، وقد أطلق عالم النفس دان كيلي (Dan Kiley) في الثمانينات من القرن الماضي على هذه الظاهرة اسم "متلازمة بيتر بان" (The Peter Pan Syndrome)، في كتابه الذي حمل عنوان "متلازمة بيتر بان: الرجال الذين ما كبروا قَط" (The Peter Pan Syndrome: Men Who Have Never Grown up).

وبيتر بان، لمَن لا يعرفه، هو بطل رواية "بيتر وويندي" (Peter and Wendy) الخيالية التي ألّفها جايمس ماثيو باري (James Matthew Barrie) عام 1911، عن صبي يبقى صبي أبداً ولا يكبر مثل باقي الأطفال، في حين تقوم رفيقته ويندي بالاهتمام به ودعمه.

وعلى الرغم من أن متلازمة بيتر بان ليست تشخيصاً نفسياً رسمياً، ولا توجد في الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (DMS-5)، ولا تعترف بها منظمة الصحة العالمية بصفتها اضطراباً نفسياً، فإنها مع ذلك تقدم شرحاً لخصائص الأشخاص غير الناضجين عاطفياً وسلوكياتهم، ولا تنطبق على الرجال فقط بل قد تؤثر في الإناث أيضاً!

ما أسباب الإصابة بمتلازمة بيتر بان؟

لا يوجد سبب واحد لظهور سلوكيات متلازمة بيتر بان، فمن المحتمل أن تنتج من مجموعة عواملَ معقدة، وتأتي تجارب الطفولة في طليعتها؛ حيث يقول عالم النفس باتريك تشيثام (Patrick Cheatham) إن العديدين من الأشخاص قد لا يتعلمون المهارات الحياتية المطلوبة عند الكِبر بسبب أساليب آبائهم وأمهاتهم، فإما أن يكون آباؤهم متساهلين جداً وإما أن يكونوا مفرطون في الحماية، فالآباء المتساهلون لا يضعون حدوداً لسلوكيات أبنائهم، فيكبر الأبناء معتقدين أنهم يستطيعون فعل كل ما يريدونه دون عواقب، وفي حال فعلوا ما هو خاطئ فسوف يهتم الآباء بأي تداعيات دون أي لوم أو مساءلة.

من ناحية أخرى، يمكن للوالدِين المفرطين في حماية أبنائهم أن يجعلوا أطفالهم يشعرون وكأن عالم الكبار مخيف جداً ومليء بالصعوبات، وقد يشجعونهم على الاستمتاع بالطفولة ويفشلون في تعليمهم مهارات حياتية مثل تنظيف المنزل، وتنظيم الميزانية، والقيام ببعض مهارات الإصلاح البسيطة، والتعامل السليم في العلاقات.

بالإضافة إلى ذلك، قد يسهم بعض العوامل الاقتصادية في الإصابة بمتلازمة بيتر بان، خصوصاً في الأجيال الشابة؛ وذلك ربما لأن هذا الزمن يتطلب المزيد من الجهد والتحفيز الذاتي والمهارات الاجتماعية اللازمة لاحتراف مهنة ما أكثر مما احتاج الأمر إليه في الماضي.

10 علامات للرجل الطفل

نظراً لأن متلازمة بيتر بان ليست تشخيصاً نفسياً مستقلاً؛ فإن الخبراء لم يحددوا أي أعراض رسمية لها. ومع ذلك، ثمة علامات مميزة لها وأهمها:

  • يكون شخصية مُحبِّة للمرح.
  • يمر بانفعالات عاطفية عند مواجهة المواقف العصيبة.
  • يميل إلى تقديم الأعذار وإلقاء اللوم على الآخرين عندما تسوء الأمور.
  • يخاف التقييمَ السلبي.
  • لديه استعداد قليل أو معدوم لتحقيق النمو الشخصي.
  • يعاني نقصاً واضحاً في نموه العاطفي والاجتماعي والنفسي.
  • يكون شخصاً غير ناضج وغير جدير بالثقة ولا يتحمل المسؤولية.
  • غالباً ما يعتمد على والدته لتلبية احتياجاته العاطفية والاجتماعية والعملية والمالية، حتى عندما يكون في علاقة مع شريكة بالغة.
  • لا يستطيع التعامل مع التوتر تعاملاً صحيحاً، وغالباً ما يلجأ إلى الهروب من الواقع وتجنُّبه بوسائل مختلفة مثل إدمان ألعاب الفيديو.
  • يواجه صعوبة في التعبير عن مشاعره وشرحها.

وبناءً على هذه الصفات، إليك كيف تميّز الرجل الطفل في مجالات حياته المختلفة:

في العلاقة الزوجية

يعاني الشريكان هنا من مستويات متباينة من الطموح والتوقعات وأهداف الحياة والقدرة على الوفاء بالالتزامات، فغالباً ما يفتقر الرجل الطفل إلى الشعور بالمسؤولية تجاه جوانب الحياة المختلفة، فيتجنب التخطيط للأنشطة واتخاذ القرارات الكبيرة، ويهمل تنفيذ الأعمال المنزلية ومسؤوليات رعاية الأطفال، وينفق الأموال على نحو غير رشيد، ويتجنب معالجة القضايا العائلية بطرائق مثمرة.

بالإضافة إلى ذلك، تراه يركِّز على عيش كل يوم بيومه، ولا يُبدي اهتماماً بوضع خطط طويلة الأمد، وقد يحتاج أيضاً إلى تذكيره بأمور الرعاية الذاتية مثل تنظيف الأسنان أو الحلاقة أو الاستحمام، وربما يستصعب اختيار ملابسه بنفسه، وأحياناً يشعر بالتهديد من أطفاله والغيرة إذا أعطت شريكته الأولوية لاحتياجات أطفاله قبله.

في العمل

يناضل الرجل الطفل من أجل تحقيق أهداف وظيفية ومهنية، فغالباً ما يخسر وظيفته بسبب عدم الجدية في العمل أو التأخير في أداء المهمات أو عدم الالتزام بأوقات العمل، بالإضافة إلى أنه قد يتخلى عن العديد من الأعمال والوظائف نتيجة شعوره بالملل أو التوتر أو الضغوط، ولا يبذل الجهد الكافي للحصول على عمل جديد، ولا يطور مهاراته في مجال محدد؛ وإنما ينتقل من ميدان إلى آخر باستمرار.

وفي بعض الأحيان، تظهر هذه المتلازمة على شكل أهداف غير واقعية؛ مثل أن يطمح الرجل إلى أن يصبح رياضياً محترفاً أو رجل أعمال ثرياً دون بذل أي جهد حقيقي لتحقيق ذلك.

كيف يمكن التعامل مع الرجل الطفل؟

إذا كان أحد الشريكين هو بيتر بان، فقد يكون الآخر "ويندي"، ومثل القصة؛ غالباً ما تتخذ ويندي القرارات نيابة عن بيتر، وترتِّب الفوضى التي يُحدثها، وتقدِّم الدعم العاطفي من جانب واحد. ويرى المستشار الأسري والاجتماعي شافع النيادي أن الحل يبدأ بالتدريج، فعندما يكون الرجل الطفل معتاداً طوال سنين عدة على الاتكالية، فلن يتغير في يوم وليلة؛ وإنما ينبغي للزوجة أن تتخلى عن تأدية القليل من المهمات المنزلية، وأن توضح له ما عليه تنفيذه.

في الأحوال معظمها، بمجرد أن تحدد سلوك شريكك غير الناضج، فثمة مجموعة من الخطوات التي ينبغي لك اتخاذها مثل:

  • راجِع سلوكك: اسأل نفسك إذا ما كنت تقوم بما يمكِّن سلوك شريكك ويديمه. هل تشعر أنك تعتني وتهتم به وتوجهه وترعاه دائماً. فكّر ما الذي يدفعك إلى تبنّي هذا الدور. هل كنت تتولى مسؤولية إخوتك الصغار سابقاً أو كنت مسؤولاً عن رعاية أحد والديك؟ هل حدَّدتْ سلوكيات الرعاية التي كنت عالقاً بها في طفولتك شكل علاقتك مع الآخرين في بلوغك؟ إن كان الأمر كذلك، فعليك أن تتعلم كيفية إنشاء حدود صحية في علاقاتك مع البالغين وفرضها.
  • وضِّح حدودك وافرضها: من المهم والضروري أن توضح ما يمكنك تقديمه وما الذي تتوقع أخذه من شريكك. هذه الحدود مهمة من أجل صحتك ورفاهيتك، وتذكر أنك لست مسؤولاً عن تغيير سلوك شريكك؛ لكنك تستطيع دعمه في أثناء تغيره. فكِّر أيضاً في تغيير نفسك إذا كنت تقوم بما يمكِّن سلوك شريكك، فتخلَّ عن دور الراعي إن كان هذا الدور يُثقل كاهلك؛ وهو ما قد يساعد شريكك على المضي قدماً أيضاً.
  • احصل على الدعم: فكر في استشارة مختص نفسي ليساعد شريكك على فهم سلوكه والعمل على تغييره. وجدير بالذكر هنا إن عدم النضج العاطفي قد يكون علامة على بعض الحالات الصحية النفسية؛ مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب الشخصية الحدية.

ختاماً، لا يمكننا إنكار أن مرحلة البلوغ تنطوي على الكثير من التحديات في العلاقات بمختلف مستوياتها وأعبائها المادية، ومن الطبيعي أن تتمنى العودة إلى سنوات الطفولة الخالية من المسؤولية؛ لكن في حال أدركت أنك تميل إلى تجنُّب المسؤوليات الضرورية مثل العثور على عمل ثابت أو الاهتمام بالواجبات العائلية والمنزلية، فمن المهم أن تبحث عن السبب، وإذا كنت تستصعب إحداث التغييرات بنفسك أو لا تقدر على تحديد العوامل التي تؤدي دوراً في هذه السلوكيات، فالجأ إلى معالج نفسي للحصول على الدعم اللازم.