في الوقت الذي يشعر فيه الكثير من القادة بالتميز والنجاح والإنجاز، ثمة قادة آخرون يعيشون صراعاً خفياً مع صوت داخلي يهمس في آذانهم قائلاً لكل واحد منهم: "أنت لست جيداً بما يكفي، لقد وصلت إلى منصب القيادة بمحض الصدفة، ولهذا فإن نجاحك خدعة واحتيال سوف تنكشف إن عاجلاً أم آجلاً"، إذا سبق وواجهت هذا النوع من الأفكار، فأنت تعاني متلازمة المحتال حتى بعد وصولك إلى منصب قيادي في عملك، فما هي هذه المتلازمة؟ وكيف تتخلص من هذه الأفكار المزعجة؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما هي متلازمة المحتال؟
صيغ مصطلح "متلازمة المحتال" عام 1978 على يد العالمتين المتخصصتين في علم النفس بجامعة ولاية جورجيا بولين تشانس وسوزان إيمز، وعلى الرغم من أن هذا المصطلح غير معترف به باعتباره اضطراباً مستقلاً في الطبعة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، فإنه يؤثر تأثيراً سلبياً بالغاً في الصحة النفسية والأداء المهني.
ومتلازمة المحتال هي متلازمة نفسية تتسم بشك مزمن في الذات، وخوف دائم من كشف هويتك محتالاً، وذلك على الرغم من وجود أدلة على الكفاءة والنجاح، وغالباً ما يرى المصابون بمتلازمة المحتال أن إنجازاتهم حدثت بسبب عوامل خارجية، متجاهلين قدراتهم وإسهاماتهم، ويمكن القول إن هذه المتلازمة شائعة بين الأشخاص الناجحين الذين لا يستطيعون استيعاب إنجازاتهم، فضلاً عن أنها تنتشر بصورة خاصة بين القادة.
9 علامات أساسية تخبرك أنك قائد يعاني متلازمة المحتال
عند تولي منصب قيادي قد يداهمك الشعور بالخوف والقلق، ثم تأتي متلازمة المحتال وتفاقم تلك المشاعر، وإليك علامات أساسية تخبرك بأنك تعاني هذه المتلازمة:
- الشك الذاتي المستمر، وذلك على الرغم من سجل النجاح الحافل، حيث تحس بأنك وصلت إلى منصبك بفعل الحظ لا بفعل الجدارة والاستحقاق.
- الخوف من الفشل؛ ما قد يدفعك إلى تجنب المهام أو التحديات التي تراها عالية المخاطر، ويمكن أن يؤدي هذا الخوف إلى ضياع فرص النمو والتعلم.
- المبالغة في التركيز على الكمال، وذلك من خلال وضع أهداف عالية بصورة غير واقعية، ثم تلوم نفسك لأنك لم تكن قادراً على تحقيقها، بعدها تجد نفسك عالقاً في دوامة من النقد الذاتي المستمر والشعور بالإرهاق.
- الحديث السلبي إلى الذات، والذي ينطوي على حوار داخلي مستمر مليء بالنقد الذاتي والاستخفاف بالنفس.
- التسويف بسبب الخوف من عدم تلبية معاييرك غير الواقعية، وبدلاً من مواجهة المهام تلجأ إلى المماطلة، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة التوتر.
- تجنب التقدير والثناء والأضواء لأن ذلك يثير لديك مشاعر عدم الراحة أو عدم الكفاءة.
- المقارنات المستمرة مع القادة الآخرين الذين تنظر إليهم على أنهم أكثر نجاحاًَ وإنتاجية، وغالباً ما تحدث هذه المقارنة بسبب الإحساس بعدم الكفاءة.
- صعوبة تلقي الملاحظات من الآخرين حتى لو كانت بناءة، إذ تنظر إليها على أنها إقرار بشكوكك الذاتية، ولهذا تأخذ النقد على محمل شخصي.
- قلق التحدث أمام الجمهور، حيث تشعر بتوتر شديد، خوفاً من أن يكشف أمرك بأنك منتحل شخصية في مجالك، على الرغم من خبرتك.
اقرأ أيضاً: متلازمة المحتال: ماذا لو كان الارتياب قوة محركة؟
ما هي أشهر أنماط متلازمة المحتال؟
تؤكد المختصة النفسية، هانا أوينز، أن متلازمة المحتال لا تؤثر في مشاعرك الداخلية تجاه عملك أو قيمتك الذاتية فحسب، بل يمتد تأثيرها إلى طريقة تعاملك مع المشاريع، والعلاقات مع فريق عملك، وأي جوانب أخرى تشعر فيها بعدم الأمان، وهناك عدة أنماط تظهر من خلالها متلازمة المحتال، وذلك مثل:
1. النمط الكمالي
يجب على القائد الكمالي التأكد من أن كل شيء يتم دون عيب أو خطأ؛ إنه يسعى سعياً حثيثاً إلى المزيد من النجاح، وتحقيق نتائج أفضل، ومكانة أعلى. إذا كنت من محبي الكمال، فستشعر بعدم الرضا مهما بذلت من جهد وبغض النظر عن الأهداف الطموحة التي تحققها. على سبيل المثال، لنفترض أنك مدير تطلب من فريقك المباشر العمل على مشروع، حينها تركز بصورة مفرطة على إخبارهم بكيفية تحسين العمل، وتنفيذ الخطوات كلها، لأن الكمال يمنعك من ترك فريقك يتعلم كيفية إدارة المشروع دون إسهاماتك المستمرة.
2. نمط الشخصية الخارقة
يتميز هذا النوع من القادة بقدرته على إنجاز الكثير من العمل في وقت قصير؛ إنهم على استعداد للعمل ساعات إضافية لنيل رضا المدراء، وغالباً ما يحاولون إثبات قدرتهم على التعامل مع أي شيء دون إظهار أعراض الإرهاق، وإذا كنت قائداً ينتمي إلى هذا النمط، فهذا يعني أنك تميل إلى العمل على مشروعاتك في ساعات متأخرة من الليل، وفي العطلات والإجازات الرسمية جميعها؛ أنت ملتزم ببذل كل ما يلزم لإنجاز المهمة، حتى لو أثر ذلك سلباً في صحتك.
3. نمط العبقرية الفطرية
إذا كنت قائداً عبقرياً بالفطرة، فأنت تسعى لإنجاز الأمور بسرعة، وتعتقد بأنك ستنجح دائماً من المرة الأولى، تبدو ملاحظات زملائك، أو مطالبات مديرك بإعادة صياغة شيء ما بمثابة تهديدات، فأنت تظن أن إجراء التعديلات سوف يؤدي إلى الفشل لأنك محتال. على سبيل المثال، إذا طلب منك المدير تقريراً حول تقدم المشروع الذي تعمل عليه مع فريقك سوف ينتابك القلق وتحس بالإهانة.
اقرأ أيضاً: هل صحيح أن ثقة الأذكياء بأنفسهم أقل من غيرهم؟ خبيرة نفسية تجيب
4. النمط المنفرد
لا يهتم القائد المنفرد بالحصول على دعم من الآخرين لأداء عمله، بالإضافة إلى ذلك، فهو عادة ما يتردد في طلب المساعدة، حتى لو كان في حاجة ماسة إليها؛ لأن ذلك سيجعله يشعر بالضعف وقد يكشف أمره بأنه محتال. على سبيل المثال، لنفترض أنك قائد طلب منه مديره تقريراً من أجل تقديمه إلى الإدارة العليا، وبدلاً من مشاركة متطلبات ومعلومات العرض التقديمي مع فريقك، تحتفظ بها لنفسك، معتقداً أنك تستطيع التعامل مع كل شيء بمفردك.
5. نمط الخبير
يشعر القائد الخبير بالحاجة إلى امتلاك المعرفة والخبرة الممكنة كلها قبل محاولة تولي أي مهمة أو مشروع في العمل. على سبيل المثال، إذا كنت قائد فريق وطلب منك المدير العمل على مشروع جديد، قد ترفض لأنك لا تملك المعلومات الكافية، وإذا كنت بالفعل تعمل على مشروع جديد مع فريقك قد تشعر بحاجة ملحة إلى فهم النتائج قبل مشاركتها مع أعضاء الفريق، وهنا يمكن أن يحس أعضاء فريقك بالقلق والاستياء منك، لأنك أغفلت فكرة أن لديهم رؤى ذات صلة كان من الممكن أن تبنى على نتائجك لو أتيحت لهم فرصة العمل عليها معك.
كيف تتغلب على متلازمة المحتال حتى تبرع في قيادتك؟
يمكن أن تؤدي متلازمة المحتال إلى إصابتك بالقلق والاكتئاب بسبب عدم تحقيق معاييرك العالية، وحتى تتغلب على هذه المتلازمة، جرب النصائح التالية:
1. اكتب إنجازاتك
خصص بعض الوقت للاعتراف بإنجازاتك والتقدم الذي أحرزته، فمتلازمة المحتال تزدهر في ظل الشك الذاتي، لهذا سلط الضوء على نجاحاتك، كبيرة كانت أم صغيرة، واحتفل بالمهارات التي طورتها على طول الطريق، وتأكد جيداً أنك تستحق مكانتك، وإذا كنت لا تزال تحس بالشك في نفسك، جرب أن تكتب إنجازاتك، جهز قائمة بكل النجاحات التي حققتها، واطلع عليها في كل مرة تداهمك فيها مشاعر عدم الاستحقاق، وبعد الانتهاء من قائمة الإنجازات جهز قائمة أخرى بالمهارات التي جعلتك مؤهلاً لمنصب القيادة، جرب هذه النصيحة وقد تفاجئك النتائج.
2. ذكر نفسك لماذا اختاروك
كل قرار توظيف أو ترقية تتخذه الشركات لسبب وجيه، لقد أمضى رؤساؤك ساعات طويلة على مدى فترة طويلة قبل اختيارك لمنصبك الجديد والأكبر، لذا عندما تظهر أعراض متلازمة المحتال، ذكر نفسك بتلك الأسباب. إذا لم تكن متأكداً، فاذهب واسأل، سيمنحك هذا الثقة اللازمة لتحقيق كامل إمكاناتك، وتقديم أداء رائع في منصبك القيادي الجديد.
3. اعترف بأنك لا تملك الإجابات جميعها
عندما يختبئ القائد على الهامش ويشعر بالشك الذاتي، فقد يؤثر في الآخرين ويؤدي إلى فريق ضعيف الأداء. لهذا السبب، من المهم جداً، بصفتك قائداً، أن تكون أكثر جرأة وشفافية في العمل عند مواجهة العقبات، تحدث عن مخاوفك بصراحة إلى أصدقائك المقربين وأحط نفسك بأشخاص داعمين يمكنهم تقديم التوجيه والملاحظات البناءة، واطرح الأسئلة وعمق النقاشات المفتوحة بين أعضاء فريقك، كن مبادراً في المساهمة، وواقعياً؛ فلا أحد يتوقع منك معرفة كل شيء، أنت فقط تفرض ذلك على نفسك.
4. انتبه إلى حديثك إلى نفسك
الشك الذاتي أمر طبيعي، جميعنا نشك في أنفسنا وقدراتنا بين الحين والآخر، ولكن تكمن المشكلة في تحويل ذلك إلى حديث سلبي مستمر إلى النفس، يمكن لهذا الحديث المستمر أن يفاقم مشكلتك، ويصيبك بالقلق والاكتئاب، لهذا انتبه جدياً كيف تتحدث إلى نفسك، تخل عن أنماط تفكيرك وخططك السلبية، وانتقل إلى أخرى إيجابية، وبدلاً من التركيز على سبب شعورك بعدم استحقاقك لمنصب القيادة، ركز على ما يمكنك تقديمه في منصبك الجديد والتغييرات الإيجابية التي يمكنك إحداثها.
اقرأ أيضاً: كيف تصبح قائداً جذاباً؟ دروس من تجربة سام ألتمان
5. ضع توقعات واقعية
من الاستراتيجيات المهمة للتغلب على متلازمة المحتال؛ وضع توقعات واقعية لنفسك، وتذكر أنه لا أحد ينجز كل العمل، ولا يوجد قائد يعرف كل شيء، وليس واجباً عليك أن تصل إلى حافة الاحتراق النفسي والوظيفي لتثبت أنك قائد جيد، ومن ثم، اطلب المساعدة عند الحاجة، وضع توقعات واقعية، ثم احتفل بالإنجازات التي تحققها، وخفف حدة الضغط الشديد الذي تضعه على نفسك لتتجنب الشعور بأنك محتال.
6. عزز عقلية النمو
ركز على تعزيز عقلية النمو، وبدلاً من التفكير في امتلاكك المهارات أم لا، حاول التعامل مع التحديات بصفتها فرصاً للتعلم والنمو. ومن خلال النظر إلى الأخطاء على أنها فرص للنمو، يمكنك بناء الثقة بقدراتك، والتغلب على متلازمة المحتال، لكن تذكر أن تغيير عقليتك يتطلب وقتاً وممارسة، لذا تحل بالصبر واستمر في العمل على تغيير أفكارك.
وفي هذا السياق، يوضح المختص النفسي، حامد بن محمد، أن جودة الحياة تعتمد بصورة كبيرة على طريقة تفكيرك، والتي بدورها تؤثر في مشاعرك وسلوكياتك؛ فعندما تضبط أفكارك وتوجهها نحو الإيجابية، تصبح أكثر قدرة على التعامل مع التحديات، وتعيش حياة أكثر اتزاناً ورضا.
في النهاية، عند مواجهة متلازمة المحتال، اعلم أنك لست وحدك، معظم القادة يمرون بهذه التجربة في مرحلة ما، لكن القادة الناجحين يعيدون صياغة هذه المشاعر؛ لهذا مهما بلغت خبرتك في القيادة، يمكنك دائماً طلب المساعدة، حافظ على هدوئك واستمر! وتذكر أنك لست محتالاً.