متلازمة المحتال: ماذا لو كان الارتياب قوةً محرِّكةً؟

3 دقائق
متلازمة المحتال

متلازمة المحتال هي انطباع المرء بأنه لا يستحق النجاحات التي حققها، وشعوره بأنه في مكان هو غير مؤهل ليكون فيه ولا ينتمي إليه، هي معاناة المرء من "إحساسه بأنه محتال". تعرف الكاتبة "بيليندا كانون" هذا الاضطراب تمام المعرفة لأنها عانت منه وقدمت تحليلاً له في كتاب موضوعه حساس وصعب. لذا ستكشف لنا كيف نجعل من إصابتنا بهذه المتلازمة نقطة قوة لصالحنا.

وجدت أن أقرب عمل إلى نفسي كان تدريس مادة الأدب ففعلت كل ما يلزم تقريباً للحصول على هذا العمل، وفي نفس العام أصبحت محاضِرةً في الأدب المقارن ومؤلفةً لأول رواية لي. سار كل شيء على ما يرام في الجامعة منذ ذلك الحين ولعدة سنوات ونلت تقدير زملائي وطلابي. أما على صعيد تأليف الروايات الذي لم يكن يتقدم بنفس الوتيرة كان عدد قرائي قليلاً، وتجاهلت رفض المحررين لها وكانت استجابتي الداخلية على صعيد عملي أستاذةً وكاتبةً مذهلةً جداً.

شعرت في الجامعة بأنني محتالة وقلت لنفسي: "سوف يدركون أنهم مخطئون تماماً في اختياري لهذا المكان وأنني لم أنتمِ يوماً إليه وسوف يُسقطون قناعي عاجلاً أم آجلاً. أثناء خوضي في مضمار الأدب شعرت بأنني في مكاني الذي أنتمي إليه، ولم يكن لأي فشل أن يقنعني بعكس ذلك. لكن مع أنني لم أكن أعرف إن كنت كاتبةً بارعةً أم لا، كنت على يقين أنه دور يجب أن أؤديه وأنه لا بد أن يكون لي الحق في ذلك.

بدأت أشك في هذا الانفصال بين "النجاح" والشعور بأنني مؤهلة أو لا أنتمي للمكان الذي أشغله، وهذا أمر مشترك وعام ولكنه مجرد وهم نسجته عقولنا. لذا قررت في أحد الأيام الجميلة أن أكتب كتاباً عنه لأستكشف خبايا هذا "الإحساس الغريب بالاحتيال".

عندما كنت أعمل على تأليف الكتاب (أطالع وأستمع إلى تجارب الناس) لاحظت تنوع التصرفات والمواقف والظروف التي أدت إلى شعور المرء بأنه محتال أو كشفت عنه كالمرأة التي حدثتني بعد متحدثين آخرين كم هو صعب عليها أن تشعر بأنوثتها (على الرغم من أني وجدتها مفعمةً بالأنوثة)؛ أي كانت تشعر بأنها محتالة، أو كالرجل الذي قدّم لي نفسه بأنه شديد الامتثال للأعراف والعادات ولا يحلم إلا بأن يشابه الجميع وأن يكون طبيعياً تماماً وإنساناً عادياً؛ أي كان يشعر بأنه محتال. والرجل الذي شعر دائماً بأنه مذنب ومستعد لإبراز وثائق تثبت هويته. والشخص الذي لم يؤمن أبداً أنه يستحق الحب الذي تلقاه، وقابلت السكرتير والمعلم والمحرر والمحلل والوالد الذين يجمعهم جميعاً إحساسهم بأنهم محتالون.

وتوصلت إلى أن هذا الإحساس ترجع جذوره إلى سنوات الطفولة الأولى في مثلث العائلة عندما يتعلق الولد بأمه والبنت بأبيها، ثم يتجلى ذلك بعدها في مرحلة البلوغ في فجوة بين الشخصية التي يود المرء أن يتحلى بها وشخصيته الحقيقية، ويتفاقم هذا الإحساس في معظم الأحيان بسبب النوع الاجتماعي.

هل يعني هذا أن إحساس المرء بالاحتيال ليس سوى مشكلة في هويته (هل أنا حقاً الشخص الذي يجب أن يشغل هذا المكان)؟ قد يمنعنا هذا الشعور السلبي من أن نعيش حالتنا (الاجتماعية أو المهنية أو العاطفية) في راحة وسعادة لكن على نقيض ذلك أدركت أيضاً إلى أي مدى يكون هذا الشعور دليلاً على حيويتنا.

أليس إكثاري من سؤال نفسي حول مكاني أمراً أُحسد عليه (برأيي) ويصعب (بالنسبة لي) تحقيقه؟ ألم أنجح في شغل هذا المكان (فهل من المعقول أن يخطئ جميع من حولي؟). ألا يرجع نجاحي إلى أنني إنسانة لديها رغبات وتسعى إلى تحقيق رغباتها؟ إن الاستجابة لهذه الرغبات بحد ذاتها أمر إنساني بحت لأنها محاولة لإنجاز ما يعد تحدياً (في حد ذاته)، وفي المقابل ألا يمكن أن تجعلنا تلك الرغبات سعداء؟

على عكس الاكتئاب؛ يشير إحساس المرء بأنه محتال إلى أنه يتحرك ويعمل وأنه يرغب وينجح (إذ أن الإحساس بالاحتيال لا يراود أبداً الأشخاص الذين يمرون بتجربة فاشلة أو يعانون من البطالة نتيجة إمكانياتهم الفعلية). فعندما تكون رجلاً أو امرأةً تحس بهذا الإحساس فهذا يعني تغيير الأماكن؛ أي ترك رغباتنا المتغيرة والمتنامية تتحكم بمكاننا (أو أماكننا) وأحياناً تعديل بنية المكان نفسه: أظن أن "المحتالين" يقفون خلف العديد من التحولات الاجتماعية أو المهنية أو الذهنية. ثمة خطوة واحدة تفصل بين إحساس المرء بأنه محتال وبين شخصيته الناقدة، وخطوة واحدة تفصل بين شخصيته الناقدة وبين الرغبة في إحداث التحول.

أليس ارتيابي وقلقي إشارةً إلى أنني أتحرك دون توقف وأن حياتي ما زالت وستبقى بحالة بناء وتجدد؟

أدركت في أحد الأيام أنني لكي أمشي يجب أن أتقبل فكرة اختلال توازني: هذه المرة عندما تكون إحدى القدمين معلقة في الهواء يكون السقوط العابر والمتكرر وارد الحدوث، وعندما لا نسقط نكون بحالة أفضل حتى فهذا معناه أننا نتقدم حينئذ في طريقنا. حان الوقت ليراودنا الإحساس بالاحتيال.

المحتوى محمي