ربما صادفت خلال العام المنصرم في أثناء تصفحك وسائل التواصل الاجتماعي، فيديوهات لمؤثرات على وجه التحديد، يقفن أمام كاميراتهن مبتسمات وهن يتحدثن عن حياتهن السعيدة، التي يدينون بها فقط لموقفهن الإيجابي من الحياة، مرددات شعارات مثل "أنا محظوظة للغاية، كل ما أرغب به سيأتي إليّ".
محتويات المقال
أُطلق على هذا التريند الجديد اسم "متلازمة الفتاة المحظوظة" (Lucky Girl Syndrome). ومن المثير للاهتمام، أنه على الرغم من استخدام مصطلح "متلازمة"، فإن "متلازمة الفتاة المحظوظة" ليست اضطراباً محدداً، بل هي ظاهرة تتمحور حول الاعتقاد بأن مجرد تغيير عقليتك يمكن أن يعيد تشكيل واقعك، لتجذب كل ما هو إيجابي لحياتك.
اليوم، وصلت مقاطع الفيديو تحت هاشتاغ (#luckygirlsyndrome) إلى أكثر من 80 مليون مشاهدة، حيث يروي المستخدمون قصص نجاحهم ونصائحهم. لكن ما هي حقيقة هذه الادعاءات؟ وهل يمكنها تغيير الواقع فعلاً؟ ينبغي ألا تفاجئك الإجابة البسيطة: ليس كثيراً، لكن الأمر أعقد من ذلك. لنرَ ما يقوله العلم.
متلازمة الفتاة المحظوظة: الإيجابية بصفتها وسيلة لتغيير الواقع
بداية لا بد من توضيح أن "متلازمة الفتاة المحظوظة" ليست تشخيصاً طبياً رسمياً، وإنما هي كما أشارت لها المختصة النفسية، سوزان ألبرس (Susan Albers)، حالة ذهنية واعتقاد راسخ أن الأشياء الجيدة ستحدث، وأن السعادة والنجاح يمكن تحقيقهما من خلال الإيمان بهما بقوة كافية لتتحقق النبوءة.
تتجاوز هذه "الظاهرة" أو "التأثير"، كما تفضل ألبرس تسميتها، القناعة أو الرضا الداخلي، حيث يدعي البعض أن متلازمة الفتاة المحظوظة قد ساعدته في الحقيقة على حجز مقعد في الرحلة الجوية في اللحظة الأخيرة، والحصول على شقة جديدة، وحتى الفوز بلعبة الحجر والورق والمقص.
المبدأ الأساسي لهذا التأثير أنك إذا كنت تريد أن تكون "محظوظاً" فيجب عليك تكرار التأكيدات الإيجابية لنفسك كل يوم. على سبيل المثال، "إن المشروع ناجح"، أو "إنني شخصية ناجحة"، أو "سأحصل على كل ما أريد"، وذلك بغض النظر عن وضع حياتك الفعلي. في الحقيقة ثمّة فيديوهات متداولة تحتوي على مثل هذه التأكيدات.
كما ينبغي التنويه إلى أن هذه الحالة لا تنطبق على الإناث فقط، وإن كنّ الأكثر تأثراً بها، بل يوجد مقابل خاص بالذكور على التيك توك يُدعى متلازمة الفتى المحظوظ (Lucky Boy Syndrome).
اقرأ أيضاً: ما هي متلازمة الفتاة الطيبة؟ وكيف يمكن التعافي منها؟
هل يمكن لمتلازمة الفتاة المحظوظة تغيير الواقع؟
من حيث المبدأ، لا حرج في اتخاذ موقف إيجابي تجاه الحياة والنظر إلى الجانب المشرق منها، إنهما كما تقول المختصة النفسية ناتالي داتيلو (Natalie Dattilo)، قد يكونان أداتين قويتين تدفعانك للمضي قدماً عند تطبيقهما في الحياة اليومية.
لكن في الواقع، إن المؤثرين ممن يطبقون "متلازمة الفتاة المحظوظة"، قد يبدو أنهم يمارسون ما يُعرف بـ "تأثير الاعتقاد" (The Belief Effect)، وهي ظاهرة موثّقة في علم النفس، تشير إلى أن الفرد يميل إلى تجربة ما يتوقعه؛ فإذا اعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام، فغالباً ما يحدث ذلك. وعلى العكس من ذلك، إذا توقع الفشل، فقد يصبح هذا أيضاً واقعاً. بعبارة أخرى، ما تختار أن تعطيه اهتمامك ينمو في ذهنك.
يرتبط هذا المفهوم ارتباطاً وثيقاً بالتحيز التأكيدي، وهو ما تعرّفه المختصة النفسية ريم عبد الرزاق، على أنه الميل إلى البحث عن المعلومات وتفسيرها بما يتوافق مع المعتقدات الحالية. وفي مثال قدمته، إن الفرد الذي يعتقد أن الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى أكثر إبداعاً من الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى، سيولي اهتماماً أكبر بهذه الميزة عندما يصادف شخصاً أعسراً ومبدعاً، ويستبعد الملاحظات التي لا تدعم اعتقاده.
وبالمثل، يمكن لعقلية الشخص أن تحفز سلوكه، وحتى تؤثر في استجاباته البيولوجية. على سبيل المثال، قد يشعر شخص ما أعطاه أحدهم حبة سكر لتسكين الألم بتحسن فعلي؛ لمجرّد اعتقاده أنه تناول دواء حقيقياً.
اقرأ أيضاً: الانحيازات السلوكية: ماذا تفعل تجاه العيوب التي تشوب طريقتك في التفكير؟
سلبيات متلازمة الفتاة المحظوظة: التفاؤل في غير محله
قد تقول لنفسك إنه من غير المنطقي أنك تستطيع الحصول على علامات أعلى في الاختبار لمجرّد أنك كررت لنفسك صباحاً على مدار السنة الدراسية مقولة "سأنجح بعلامات عالية". هذا صحيح، إذ حتى التفكير الإيجابي له حدود، وإليك أهم الآثار السلبية لمتلازمة الفتاة المحظوظة:
لا تحضّ على العمل والسعي
في حالة ظاهرة "متلازمة الفتاة المحظوظة"، تتعلق التأكيدات بتحسين الموقف الداخلي فقط، دون التأثير في البيئة الخارجية؛ حيث تركز معظم مقاطع الفيديو للمؤثرين على امتلاك عقلية إيجابية من خلال التفكير فقط، لكن الحياة ليست كذلك، فبعض المشكلات لا يمكن حلها بقوة الأفكار الإيجابية وحدها، على سبيل المثال، لن تساعدك على سداد قرضك العقاري أو الحصول على ترقية، بل تحتاج إلى اجتهاد وسعي حقيقيين لحلها وتحقيق الأهداف، وهو ما تتجاهل المتلازمة تأثيره الحقيقي غالباً.
الإيجابية السامة
لا تسمح ظاهرة متلازمة الفتاة المحظوظة بالاعتراف بالمشاعر السلبية، سواء مشاعرك الخاصة أو مشاعر الآخرين، وتتجاهلها على المدى القصير، وهو ما يؤدي إلى "الإيجابية السامة". يُقصد بالإيجابية السامة، السعي المستمر للظهور بسعادة في المواقف كافة على حساب المشاعر السلبية، إي إنكارها عوضاً عن التعامل معها. لكن المشاعر السلبية لا تلبث أن تجد طريقها إلى السطح، وتعود للظهور في هيئة شعور بالذنب والعار والحزن والقلق، كما قد يؤدي كبت المشاعر إلى نتائج عكسية من خلال تضخيم المشاعر المكبوتة.
علاوة على ذلك، فإذا أقنعت نفسك بأن كل شيء سوف يسير على ما يرام دون الاعتراف بالجهد المطلوب، فقد تصبح راضياً عن نفسك وتبذل جهداً أقل لتحقيق أهدافك. كما قد يمنعك ذلك من توقع العقبات المحتملة وإجراء الاستعدادات اللازمة.
اقرأ أيضاً: كيف تتجنب الإيجابية السامة وتحافظ على تفاؤل صحي؟
كيف تستخدم التفكير الإيجابي لتغيير واقعك حقاً؟
يمكن أن يكون التفكير الإيجابي أداة قوية لتغيير واقعك، ولكن من الضروري الجمع بينه وبين العمل والاستراتيجيات العملية. وإليك الطريقة الفعالة لذلك:
- تخلّص من قيود الماضي والتصورات السلبية عن نفسك، حيث يتجنب البعض الفرص المتاحة أو السعي لتحقيقها بالطرق الفعلية، لأنهم حاولوا في مرحلة ما في الماضي ولم ينجحوا، ما رسخ الاعتقاد في ذهنهم أنهم لا يمتلكون القدرة على تغيير واقعهم.
- اخرج من منطقة الراحة الخاصة بك، وتحدَّ ذاتك، عوضاً عن إيجاد مبررات لعدم سعيك.
- كن واقعياً حول حقيقة مشاعرك، من قلق وتوتر وخوف من الخطوة المقدم عليها، وامنح نفسك الوقت والمساحة لمعالجة الموقف وقبول عواطفك قبل اتخاذ أي إجراء.
- تجنب مصادر الإيجابية السامة من مؤثرين يدفعونك للشعور بالعار والذنب بعد رؤية منشوراتهم "السعيدة والمحظوظة".
- مارس الرعاية الذاتية لطمأنة نفسك، مثل تمارين التنفس أو اليوغا.
- استخدم التأكيدات الإيجابية لتعزيز إيمانك بقدراتك. على سبيل المثال، يمكنك تكرار عبارات مثل "أنا قادر" أو "أستطيع تحقيق أهدافي" يومياً. إذ يساعدك هذا الأسلوب في تحفيز الدماغ على إيجاد أمثلة للأشياء المحظوظة.
- دوّن الأشياء السعيدة أو التي جلبت لك الحظ خلال اليوم. قد تساعد دماغك بهذه الطريقة على التعرف إلى جوانب حياتك الإيجابية والتركيز عليها.
- تصوّر ما تريد، وتخيل نفسك تحقق أهدافك. يمكن أن يساعد التخيل دماغك على التعرّف إلى ما هو سعيد وإيجابي في الحياة الواقعية. ومن أكثر طرق التخيل فعالية ممارسة التأمل واليقظة الذهنية خمس دقائق يومياً في الصباح.
- أحط نفسك بالوسط الداعم، مثل الأصدقاء والعائلة والأشخاص الذين يدفعونك إلى الأمام.
- اتّخذ إجراءات فعلية، فالتفكير الإيجابي وحده لن يغير واقعك، بل يتغير بالعمل والسعي نحو أهدافك وإجراء التعديلات اللازمة على طول الطريق.