ملخص: يلقي هذا المقال الضوء على الطبيعة المتعدّدة الأوجه لمتلازمة الخوف من الهجر، ويستكشف أسبابها وأعراضها وتأثيرها العميق في حياة الأفراد.
محتويات المقال
ولا يتعلّق الأمر بالانفصال الجسدي؛ بل بمجموعة من المشاعر المعقّدة التي يمكن أن تشكّل إحساس الشخص بالقيمة الذاتية والثقة والقدرة على تكوين روابط سليمة مع الآخرين.
يوضّح المختص النفسي، مصطفى النحاس، إن الشخص الذي يعاني الخوف من الهجر يجد صعوبة كبيرة في تقبّل مغادرة الأشخاص من حياته، وتُعتبر هذه الحالة النفسية أحد أشكال الفوبيا التي يمكن أن تظهر على المصاب بها أعراض مثل نوبات الهلع.
ما هي متلازمة الخوف من الهجر؟
يشعر الشخص المتأثّر بمتلازمة الخوف من الهجر بعدم الأمان الدائم أو اليأس وانخفاض الثقة بالنفس، والحاجة إلى الاعتراف والاهتمام به تعويضاً لاحتياجٍ أصلي بالفقد، ويعاني صعوبات في تكوين الروابط الاجتماعية. يُشار إلى هذه الحالة عادةً في علم النفس بـ "مشكلات الهجر" (Abandonment Issues) أو "صدمة الهجر" (Abandonment trauma).
وتلخّص اختصاصية علم النفس الفرنسية، جوانا روزنبلوم (Johanna Rozenblum) هذه المتلازمة بشعور الخوف من الرفض من الآخر، وهو شعور يمكن أن يشوّش التفكير ويتعارض مع السيرورة الطبيعية للحياة اليومية؛ إذ يُسقط الشخص مخاوفه وقلقه على علاقاته من دون سبب منطقي، فهو يقاوم التغيير ولا يطيق البقاء وحيداً.
تظهر أعراض هذه الإصابة غالباً لدى البالغين؛ لكن جذورها ترجع إلى الطفولة حيث شعر الطفل في وقتٍ ما بهجران أو إهمال أو نقص في الحب من جانب أحد الوالدين أو كليهما، وهذا لا يعني بالضرورة أنهما تخليا عنه فعلياً.
اقرأ أيضاً: الخوف من الهجران: كيف يمكن تقبُّله بين الزوجين؟
ما أسباب الإصابة بمتلازمة الخوف من الهجر؟
بالإضافة إلى الإهمال أو نقص العاطفة الأبوية في الطفولة، قد تغذّي ولادة أخ أو أخت الشعور بالهجران لدى الطفل. وكذلك، فإن انفصال الوالدين، وإن كان ودّياً، يمكن أن يسهم أيضاً في الإصابة بهذه المتلازمة. وبالطبع، يمكن أن يكون الغياب الحقيقي والملموس لأحد الأبوين سبباً لهذه الإصابة؛ لكن ليس بالضرورة.
لذلك؛ نجد أن علماء النفس يعزون الخوف من الهجر إلى التجارب والمعتقدات والمفاهيم التي استوعبناها بوصفنا أطفالاً، فغياب أساسيات النموّ العاطفي مثل الاتصال العاطفي والإحساس بالأمان تعلّم الطفل ألاّ يثق في ديمومتها حين يصبح بالغاً. تشمل أمثلة لتجارب الطفولة التي من المحتمل أن تكون قد أسهمت في الإصابة بهذا الخوف:
- الإساءة.
- الهجران.
- وفاة أحد أفراد الأسرة.
- التباعد العاطفي بين الأبوين.
ما علامات الإصابة بمتلازمة الخوف من الهجر؟
تؤدّي مشاعر الخوف من الهجر إلى سلوكات معقّدة تمنع صاحبها من تكوين روابط صادقة، لدرجة أنّه قد يفضّل الانخراط في علاقات مؤذية أو سامة على أن يبقى وحيداً للتخفيف من هاجس التخلّي عنه. ويتجلّى ذلك في الرغبة في إرضاء الآخرين بأي ثمن، والاحتياج إلى الطمأنة باستمرار.
وتضيف الاختصاصية النفسية جوانا روزنبلوم، إن الغيرة وحب التملّك والارتياب والحاجة المفرطة إلى السيطرة، وبخاصة في العلاقات العاطفية، هي سلوكات تحكم على علاقات الشخص الذي يعاني متلازمة الخوف من الهجر بالدمار؛ لأنه يكون مقتنعاً تماماً أنّ لا أحد يحبّه وقد يُترك في أي لحظة. ويشمل الخوف من الهجر في العلاقات العلامات التالية:
- التعلّق بسرعة، حتى في العلاقات التي يكون فيها الشركاء غير متاحين عاطفياً.
- الفشل في الالتزام الكامل، وعلاقات طويلة الأمد قليلة.
- اختبار مشاعر شديدة من قلق الانفصال.
- مشاعر القلق والاكتئاب عموماً.
- الحساسية الشديدة للنقد.
- مشكلات الغضب المكبوت.
- الميل إلى الإفراط في التفكير و كشف المعاني الخفية للأمور.
- الانغماس في لوم الذات بصورة متكرّرة.
ما تأثير متلازمة الخوف من الهجر في العلاقات؟
يمكن أن يختلف الخوف من الهجر من شخص إلى آخر؛ حيث يخشى بعض الأفراد فقدان الشركاء العاطفيين بينما قد يخشى آخرون الهجر في أنواع مختلفة أخرى من العلاقات مثل العلاقات الأسرية والصداقات. وتُعتبر الاعتمادية العاطفية (Emotional Codependency) جزءاً كبيراً من جرح الهجر؛ حيث يرفع الشخص من دون أدنى وعيٍ منه توقعاته من الآخرين ومن علاقاته. وتشمل التأثيرات الأخرى ما يلي:
- الضغوط الكبيرة في العلاقات نتيجة الحاجة الملحّة إلى الحب.
- اجتذاب شركاء غير قادرين على تلبية الاحتياجات العاطفية؛ ما يؤدّي إلى الوقوع في نمط متكرّر من العلاقات.
- إعطاء الأولوية للآخرين والتضحية بالنفس.
- الذعر والخوف غير العقلاني من الترك؛ ما يدفع الشخص إلى توقع أن يلبّي الآخرون احتياجاته العاطفية.
4 نصائح كي تُشفى من الخوف من الهجر
تبقى الآثار المترتّبة عن شعور الخوف من الهجر غالباً مخفيّة تحت السطح؛ ما يترك المتضرّرين يتصارعون مع مشاعر عميقة وأسئلة دون إجابة. لذلك؛ يمكن أن يستفيد هؤلاء من شتّى السبل المحتملة للشفاء والنموّ، واستعادة إحساسهم بالذات، وتكوين روابط أقوى مع الآخرين. فإذا كنت تعتقد بعد قراءة هذا المقال أنك تعاني متلازمة الخوف من الهجر، يمكنك الاستفادة من النصائح التالية:
- تعرّف إلى نفسك: اطلب دعماً منتظماً من مختص نفسي لعلاج الاعتمادية العاطفية والخوف من الهجر. سيساعدك ذلك على تحديد المعتقدات الذاتية المتجذّرة في تدنّي احترام الذات التي تسهم في الخوف. ومن خلال تفحّص القيم الشخصية والتفكّر في تجارب الحياة، يمكنك إعادة بناء صورة ذاتية إيجابية، وتمييز صفاتك الفريدة في خطوة نحو التغلّب على المعتقدات المحدودة وتحسين احترامك لذاتك.
- كُن مسؤولاً عن نفسك عاطفياً: من المهم أن تتذكّر أن تقديرك لذاتك لا يحدده الآخرون؛ إذ لديك القدرة على تطوير الاستقلال العاطفي من خلال بناء المرونة وتحسين الذات. لكن تحمّل المسؤولية العاطفية لا يعني لوم نفسك؛ بل يُقصد به فهم الجوانب التي تقع ضمن سيطرتك، واتخاذ الإجراءات وفقاً لها؛ إذ يمكنك التخلّي عن الشعور بالذنب، وإدراك صعوبات الماضي واعتبارها فرصاً للنمو.
- تحرّر من غضبك: إحدى الطرائق الفعّالة هي الكتابة؛ حيث يمكنك التواصل بصراحة مع نفسك أو الأشخاص الذين تشعر بالغضب اتجاههم. فإذا وجدت صعوبة في القيام بهذه الخطوة بمفردك، يوصى بشدّة بطلب الدعم العلاجي الذي يوفر لك التوجيه اللازم للتعامل مع المشاعر المؤلمة.
- تواصَل مع طفلك الداخلي: يمكن لتقنيات مختلفة مثل التنويم المغناطيسي، غالباً بدعم علاجي، أن تساعد على معالجة أجزاء المعاناة العميقة الجذور التي يصعب الوصول إليها، ونقل الأحداث المؤلمة من اللاوعي إلى الوعي. وكذلك، يمكك تخيّل طفلك الداخلي أو الجانب المجروح من نفسك، وتقديم الحب والرعاية التي يفتقر إليها خلال تلك اللحظات الضعيفة. فمن خلال التواصل الواعي مع طفلك الداخلي والاعتراف بألمه، ستنشئ رابطاً مباشراً مع التجارب السابقة؛ ما يُتيح إعادة الاتصال بالعواطف ويسهّل رحلة الشفاء.
اقرأ أيضاً: ما سبب الخوف الشديد من الهجر لدى بعض الأشخاص؟
وفي الختام، من خلال قراءة هذا المقال، أتمنى أن تكون قد تمكّنت من فهم اللُّبس أو الغموض بخصوص متلازمة الخوف من الهجر؛ وهي حالة نفسية شائعة جدّاً تعود جذورها إلى الطفولة، وهذا الفهم قد يسهم في تعزيز شعور أكبر بالتعاطف والتفهم لمن يعانون هذه الحالة في محيطك.