ملخص: متلازمة البطة القبيحة، مصطلح شائع على صفحات السوشيال ميديا، وليس اضطراباً رسمياً، ويصف التحديات النفسية والضرر العاطفي التي يمر بها مَن عانى مظهراً أو سمات شكلية غير جذابة خلال مرحلة الطفولة والمراهقة، بالإضافة إلى المعارك التي يخوضها حتى بعد أن أصبح أكثر جاذبية في مواجهة الشعور الراسخ بأنه غير جدير بجذب اهتمام الآخرين. وتشمل أعراض الإصابة بمتلازمة البطة القبيحة، انخفاض احترام الذات، والخجل من المظهر الشخصي؛ ما يجعل الفرد يبذل الكثير من الجهد والوقت لتحسينه، كما يكون ودوداً مع الأشخاص غير الجذابين، لأنه يدرك ما قد يشعرون به من إهمال وإقصاء. إلى جانب أنه قد يجد صعوبة في إقامة علاقات صحية بسبب سعيه إلى إرضاء الآخرين والحصول على استحسانهم أو محبتهم. وللتغلب على متلازمة البطة القبيحة، يجب على المرء تعزيز ثقته بالنفس، وتعلّم تقبّل المجاملات وتصديقها، والتركيز على نموه الشخصي، وبناء علاقات صحية من خلال رسم حدود واضحة لها، وأخيراً تقبّل ضعفه والتوقف عن السعي ليراه الآخرون بمظهر مثالي، إنما عليه أن يركز على جوهر شخصيته.
محتويات المقال
هل تعلم ما هو المشترك بين أحمد حلمي وباراك أوباما وليدي غاغا؟ إنهم شخصيات مشهورة بالطبع، لكنهم يشتركون أيضاً في سمة أخرى. لقد اعترفوا جميعاً في تصريحات لهم بأنهم تعرّضوا للتنمر في طفولتهم بسبب سمات شكلية فريدة، مثل شكل آذان حلمي وأوباما، وأنف ليدي غاغا.
إن دلّت هذه الاعترافات إلى شيء فهو أن النجومية لم تمح الأثر النفسي للتهميش الذي تعرّضوا له بسبب أشكالهم في وقت مبكر من الحياة. يُدعى هذا الأثر بـ "متلازمة البطة القبيحة" (Ugly Duckling Syndrome)؛ وهي ليست تشخيصاً نفسياً رسمياً، وإنما مصطلح انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي للإشارة إلى التحديات النفسية والضرر العاطفي التي يمر بها مَن عانى مظهراً أو سمات شكلية غير جذابة خلال مرحلة الطفولة والمراهقة، بالإضافة إلى المعارك التي خاضها في مواجهة الشعور الراسخ بأنه غير جدير بما يحظى به. فما هي أسباب متلازمة البطة القبيحة؟ وكيف يمكن التخلص منها؟
متلازمة البطة القبيحة: لماذا يظن البعض أنهم أقل جمالاً من الواقع؟
صدرت عام 1843 قصة دنماركية بعنوان "البطة القبيحة" (The Ugly Duckling) للكاتب هانز كريستيان أندرسون (Hans Christian Andersen)، يروي فيها حكاية بطة سوداء تتعرّض لرفض أسرتها وسخرية الحيوانات الأخرى في البركة لأن مظهرها وسلوكها مغايران لهم. كبرت البطة بعزلة معتقدة أنها غير جميلة حتى جاء اليوم الذي صدمت فيه جميع من حولها بتحولها إلى بجعة جميلة وجذابة، وسعى إلى وصالها أولئك الذين رفضوها في البداية.
تتلخص العبرة من القصة في الصبر والثقة بالنفس، وبأن الجمال الحقيقي يكمن داخل الفرد، ويحتاج إلى النضج كي تتكشف حقيقته. ومع ذلك، في الحياة الواقعية لا يمكن العيش سنوات في ظل السخرية والتهميش والتجاهل، دون حدوث عواقب نفسية على المدى الطويل. وحتى بعد هذا التحول في المظهر إلى شكل جذاب ومرغوب، تظل الندوب العاطفية الناجمة عن السخرية والاستبعاد باقية.
على سبيل المثال، شخصٌ قضى سنوات دراسته يشعر بالتجاهل أو يتعرّض للتنمر بسبب حَبّ الشباب، فكان نادراً ما يتلقى اهتماماً أو مجاملات حول مظهره. لكنه مع منتصف العشرينيات من العمر، أصبحت بشرته صافية، وغدا يمارس الرياضة بانتظام، ويتمتع بحس مميز في الأناقة.
وفجأة، بدأ يتلقى مجاملات واهتماماً لم يختبره من قبل، لكن على الرغم من هذه التغييرات، لا يزال يرى نفسه ذلك المراهق المحرَج، ولا يتقبل حقيقة أنه ذو مظهر جميل وجذاب. وعندما يمدحه الناس، يشكك في صدقهم.
قد يكون هذا التحول الإدراكي والعاطفي صعباً، لأنه يتطلب منه التوفيق بين صورته الذاتية في الماضي وواقعه الحالي، وهو أمر ليس سهلاً نظراً لمخاوفه العميقة الجذور، وهو ما نشير إليه بمتلازمة البطة القبيحة.
اقرأ أيضاً: ما الذي يدفع البعض ليكون متنمراً أو يجعله أكثر عُرضةً للتنمر؟
7 علامات تشير إلى متلازمة البطة القبيحة
على الرغم من أن متلازمة البطة القبيحة لم تُصنف بعد باعتبارها اضطراباً نفسياً، إلا أنه توجد بعض العلامات التي قد تشير إليها، أهمها:
- تدني احترام الذات: إذا كنت قد تعرّضت للتنمر أو التجاهل في نشأتك المبكرة بسبب مظهرك، وخاصة إذا لم تلق الدعم من والديك أو أصدقائك، فإنك ستعاني تدني احترام الذات، وقد تعتقد أن المجاملات مقصودة باعتبارها نكات أو سخرية، وليست مدحاً حقيقياً.
- الخجل من مظهرك: لأنك اختبرت سابقاً اهتماماً سلبياً من المجتمع بك بسبب مظهرك، فإنك ستبقى في حالة سعي دائم لتغييره، وتبذل الكثير من الجهد والوقت لتحسينه، لكن على الرغم من جهودك، فإنك تشعر بالحرج باستمرار، وتفترض أن الناس يحدقون بك ويقيّمونك وينتقدونك.
- الشعور بالخوف والقلق من اهتمام الآخرين: مثل أن تشيح بنظرك بعيداً في حال تواصلت بالعين مع أحد ما، أو تشعر بالتوتر والانزعاج لمجرّد اعتقادك أنه ينظر إليك، حيث تشعر أن ثمة خطأ ما بك وليس لأنك جذاب.
- تكون ودوداً مع الأشخاص غير الجذابين: على اعتبار أنك تدرك ما يمر به من يشعر بالإهمال وقلة الاهتمام أو الاستبعاد، لذا تتعاطف معهم، وتبادرهم باللطف؛ مثل ابتسامة أو مجاملة أو حديث ودود.
- صعوبة في إقامة علاقات صحية: غالباً ما يدفعك الشعور بأنك غير جذاب وغير جدير بالاهتمام إلى التحول لشخص يسعى إلى إرضاء الآخرين لمجرّد الحصول على استحسانهم أو محبتهم، وهو ما قد يكون سبباً بالدخول في علاقات غير صحية.
- الإصابة باضطراب التشوه الجسمي (Body dysmorphic disorder) أو اضطراب الأكل (Eating disorder): قد تتجلى مشكلات احترام الذات المتبقية من السنوات السابقة في تكوين صورة مشوهة عن الجسم، فتكافح للحفاظ على مظهرك الجديد أو التحكم فيه.
وفي هذا السياق يؤكد مختص الإرشاد النفسي، عبد الله سافر الغامدي، أن المبالغة في التزين أو تحسين المظهر، بسبب عدم تقبل الذات والاعتقاد بوجود عيوب أو نقص، يسبب الإصابة باضطراب التشوه الجسمي، والذي قد ينتج عنه الإصابة يالقلق والتوتر والاكتئاب والميل إلى تجنّب المواقف الاجتماعية.
- تحاول إثبات نفسك في مجال تتميز به: نظراً إلى أنك نشأت معتقداً أنك غير جذاب، فغالباً ما منحك ذلك الدافع لإيجاد مجال آخر تتميز به وتكون فيه مبدعاً وذكياً. في الواقع غالباً ما يتحول ذلك في المستقبل إلى نجاح مهني ومالي.
اقرأ أيضاً: هل يسيطر عليك القلق كثيراً؟ ربما تعاني تدني احترام الذات!
5 إرشادات فعالة للتغلب على متلازمة البطة القبيحة
للتخلص من الآثار النفسية التي تولدها متلازمة البطة القبيحة، يمكنك اتباع الإرشادات التالية:
1. عزز ثقتك في نفسك
إنّ تعزيز الثقة في النفس يعني تغيير الطريقة التي ترى بها نفسك. فبدلاً من القلق حول حقيقة انجذاب الآخرين لك، أو السعي لتحقيق معاييرهم عن الجمال والجاذبية، لا تسمح لآرائهم بالتأثير فيك. تذكّر أنّ بناء الثقة في النفس يبدأ من الداخل، لذا تقبّل ذاتك واعترف بإنجازاتك حتى تصبح رؤياك عنها أكثر إيجابية. على سبيل المثال، يمكنك أن تبحث كل يوم عن 5 صفات تحبها في نفسك وتدوّنها. يمكن أن تكون سمة شخصية أو مهارة أو أي إنجاز مهما كان صغيراً، مثل إنجاز دورة إضافية من الركض، أو ترتيب سريرك.
ولا تنس ممارسة العناية الذاتية من خلال القيام بما يجعلك تشعر بالرضا؛ مثل أخذ حمام مريح أو ارتداء ملابس تجعلك تشعر بالثقة أو مجرد الانغماس في هواية مفضلة.
اقرأ أيضاً: لماذا يُصدر البعض أحكامهم على الآخرين بصورة دائمة؟
2. صدّق المجاملات
بالنسبة إلى شخص يعاني متلازمة البطة القبيحة، ولم يعتد على سماع أشياء إيجابية عن ذاته، قد يكون قبول المجاملات والمديح أمراً صعباً، لكن الحقيقة أنه عندما يمدحك شخص ما، فإنه يرى فيك صفات قد تجهلها في نفسك، لكن مع التدريب يمكنك إدراك أنها تمثل حقيقتك. لذا جرب الخطوات التالية:
- عندما يقول شخص ما شيئاً لطيفاً عنك، خذ لحظة للتفكير فيه، وحاول تصوّر سمات المديح الإيجابية هذه كما لو كنت شخصاً خارجياً ينظر إليك.
- تحدَّ الأفكار السلبية، فإذا وجدت نفسك تشكّ في مجاملة أو إطراء على ملابسك، واجه ذلك بفكرة إيجابية، مثل لطفك أو حس الفكاهة لديك.
- تدرّب على الردود البسيطة، مثل "شكراً" لك أو "أقدر كلامك"، يساعد مثل هذه الأسلوب في الاستجابة في التعوّد على قبول الملاحظات الإيجابية دون التقليل من أهميتها.
بمرور الوقت، يصبح قبول المجاملة بانتظام وبكل لطف عادة لديك، وستصدّق الأشياء اللطيفة التي يقولها الناس عنك.
3. كن أفضل نسخة من نفسك
يرتكز سعيك لأن تصبح أفضل نسخة من نفسك على النمو الشخصي والتركيز على الصفات التي تدوم. فالمظهر مؤقت، لكن جمالك الداخلي يمكن أن يستمر معك. يمكنك التركيز على تطوير شخصيتك لتكون أكثر لطفاً وتعاطفاً في تفاعلاتك، وسيساعدك هذا السلوك على تعزيز تقديرك لذاتك، وتقويض مشاعر عدم الكفاءة والجدارة من أجل التغلب على متلازمة البطة القبيحة في النهاية.
يمكنك الانخراط في نشاط تطوعي مثل الاشتراك في مؤسسة خيرية محلية أو مركز مجتمعي، أو مساعدة صديق في إنجاز مهامه، أو ترك ملاحظات جميلة لوالدتك تُشعرها بتقديرك لوجودها ومحبتك لها.
4. حافظ على علاقات صحية
غالباً يبذل من يعاني متلازمة البطة القبيحة جهداً لإرضاء الآخرين واستحقاق محبتهم، لكن ذلك قد يجعله في حالة توتر وإرهاق متواصلين. لذلك فالأفضل لك إقامة علاقة صحّية مع الآخرين وهذا يعني وضع حدود معهم، وتوضيح ما تفضله وما لا ترغب أو تسمح به، بما يجنّبك الاعتذار أو محاولة تبرير ذاتك لهم، فالشخص الذي يحترم حدودك هو من يهتم بك حقاً.
على سبيل المثال، إذا كان أحد الأصدقاء يزورك دون سابق إنذار على نحو متكرر، ويسبب لك إزعاجاً وتوتراً، فتواصل معه بشأن حاجتك إلى إشعار مسبق. يمكنك مثلاً قول: "مرحباً، أنا أقدّر زيارتك حقاً، ولكن هل يمكنك إخباري مسبقاً بموعدها؟ يساعدني ذلك على إدارة وقتي على نحو أفضل".
5. تقبّل ضعفك
بقدر ما يبدو لك غريباً أن يكون الضعف أحد الحلول للتغلب على متلازمة البطة القبيحة، فإنك في الحقيقة بحاجة إلى تقبّل مشاعرك واحتضانها والتعبير عنها، عوضاً عن محاولة الحفاظ على صورة مثالية لنفسك أمام الآخرين.
في الحقيقة، إن كونك ضعيفاً يعني السماح لنفسك بأن تُرى وتُعرف، مع كل عيوبك وصفاتك، حتى إذا واجهت الرفض في الماضي لأنك كنت أقل جمالاً من غيرك، فإن هذه التجارب لا تحدد مكانتك اليوم، لذا ركّز على الحاضر وإمكانية إقامة علاقات ذات مغزى، لتتحرر من آلام الماضي وتفسح المجال لعلاقات جديدة إيجابية.