تشهد المملكة العربية السعودية تطورات حضارية ملحوظة، فمؤخراً تم تدشين مشروع "مترو الرياض" بصفته واحداً من أهم مشاريع النقل العام في المنطقة العربية، وفي هذا السياق، أكد المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية أن استخدام وسائل النقل العام يؤثر تأثيراً إيجابياً في الصحة النفسية، وأضاف المركز أن الاعتماد على مترو الرياض في التنقل اليومي يؤدي إلى تقليل التوتر، ويسهم على نحو فعال في تعزيز الشعور بالاسترخاء والراحة النفسية.
محتويات المقال
وعبّر الكثير من الأشخاص القاطنين بمدينة الرياض عن فرحتهم العارمة بهذا المشروع، حيث تحدث الكثير من رواد موقع التواصل الاجتماعي إكس عن تجربتهم الإيجابية مع المترو وذلك عبر هاشتاغ "مترو الرياض"؛ إذ وصل الكثير من الأشخاص إلى أعمالهم وجامعاتهم في وقت قياسي وأقل بكثير من الوقت اليومي العادي الذي كان يضيع في الازدحام المروري الذي يؤثر تأثيراً سلبياً بالغاً في الصحة النفسية، وإليكم أهم تلك التأثيرات وكيف يمكن تخفيف الضغط النفسي الناجم عن الازدحام المروري عبر هذا المقال.
ما هو تأثير الازدحام المروري في صحتك النفسية؟
أكدت دراسة بحثية أجرتها جامعة الشارقة أن الازدحام المروري وساعات القيادة الطويلة تؤثر تأثيراً بالغاً في الصحة النفسية؛ حيث تؤدي إلى الشعور بالإجهاد والعصبية والعدوانية، ويمكن القول إن العواقب السلبية للازدحام المروري على الصحة النفسية لا تقتصر على مسألة القيادة وحدها، ولكنها تمتد لتشمل الضغط النفسي الناتج عن الأنشطة اليومية المرتبطة بحركة المرور.
وفي هذا السياق، يعتقد المعالج النفسي، أسامة الجامع، أن الطريق إلى العمل قد يسبب الضغط النفسي بسبب الازدحام المروري وترقُّب الوقت بحذر وبُعد المسافات، علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي الازدحام المروري إلى:
1. ارتفاع مستوى القلق والتوتر
التعرض مدة طويلة إلى الازدحام المروري على نحو شبه يومي يؤدي إلى تفاقم مستويات القلق والتوتر، وغالباً ما يجد الأشخاص الذين يتنقلون على الطرق المزدحمة أنفسهم منغمسين في بيئة عالية الضغط تتميز بعدم القدرة على التنبؤ والتأخير، حيث تخلق الطبيعة المزمنة للازدحام المروري عبئاً نفسياً مستداماً يمكن أن يتجلى بطرائق مختلفة، ما يؤثر سلباً في الصحة النفسية.
2. الشعور بالإحباط والعجز وعدم اليقين
يعاني الأشخاص العالقين في الازدحام المروري القلق الاستباقي، خوفاً من احتمالية التأخير حتى قبل الشروع في رحلاتهم، علاوة على ذلك فإنهم يحسون بالإحباط والعجز إذا ظلوا عالقين فترات طويلة في الازدحام المروري، وقد يجد الأشخاص أنفسهم محاصرين داخل موقف لا يستطيعون السيطرة عليه، ويمكن أن تتراكم هذه المشاعر بمرور الوقت، ما يؤدي إلى إجهاد مزمن يتخلل جوانب مختلفة من حياة الأفراد.
3. ارتفاع ضغط الدم
يُصاب الكثير من الأشخاص العالقين في الازدحام المروري بارتفاع ضغط الدم، وزيادة النشاط في الجهاز العصبي اللاإرادي، وهو جزء من الجهاز العصبي مسؤول عن التحكم في الوظائف الجسدية التي يجري تنفيذها دون تدخل الوعي، مثل التنفس ونبض القلب والهضم، علاوة على تغيرات في درجة حرارة الجسم. وعلى المدى الطويل، تقل قدرة الجهاز المناعي على تحمل الضغط، وخاصة عندما يكون النشاط في الجهاز العصبي اللاإرادي مرتفعاً.
4. انعدام الدافع وانخفاض القدرة على الإنتاجية
قد يلجأ بعض الأشخاص إلى التغيب عن العمل أو الوصول متأخراً من أجل تجنب الازدحام المروري، وهذا الأمر يؤدي إلى انخفاض الانتاجية وانعدام الحافز أو الدافع نحو العمل، وعلى الجانب الآخر فإن الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً في الازدحام المروري يواجهون صعوبة بالغة في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وأحياناً يترك الأشخاص وظائفهم بسبب الإجهاد والتعب الناجمين عن التنقل اليومي.
5. الإحساس الدائم بالغضب
يوضح الطبيب النفسي، ساني جوزيف (Sunny Joseph)، أن الضغط النفسي الناجم عن الازدحام المروري يؤدي إلى الشعور بالغضب، وفي الكثير من الأوقات ينتقل هذا الغضب إلى المنزل، حيث يوجه الشخص المتوتر غضبه نحو زوجته أو أطفاله، وقد يشكل هذا حلقة مفرغة من الشعور بالغضب والتوتر، ويمكن القول إن هناك عوامل مرتبطة بالازدحام المروري تؤدي إلى تفاقم مشاعر الغضب مثل المشاجرات التي تحدث على الطريق، والسلوك المتهور من بعض السائقين.
ويمكن القول إن التعرض الطويل إلى الازدحام المروري والتنقل بالسيارة والضغط على دواسة الوقود قد يؤدي إلى:
- ارتكاب الأخطاء.
- صعوبة اتخاذ القرارات.
- صعوبة القدرة على التركيز.
- قصر مدة الانتباه.
- انقطاع الذاكرة.
- بطء وقت رد الفعل.
- الافتقار إلى الطاقة.
- مواجهة صعوبة بالغة في القدرة على التواصل مع الآخرين.
اقرأ أيضاً: 4 إرشادات لتخفيف الأعراض النفسية الناتجة عن الازدحام المروري
كيف يمكن لاستقلال المترو أن يحسن صحتك النفسية؟
لا يقتصر التأثير السلبي للازدحام المروري على شعور الأشخاص بالإجهاد والتوتر والقلق والاكتئاب، لكنه يمتد ليشمل مجالات أخرى في الحياة مثل التدهور البيئي وانخفاض الرضا الوظيفي والتفكير في الانتحار. وعلى الجانب الآخر يمكن أن يؤدي استقلال مترو الأنفاق إلى تحسين صحتك النفسية، وذلك للأسباب التالية:
1. تعزيز النشاط البدني
إن الأشخاص الذين يستخدمون وسائل النقل العامة ومنها مترو الأنفاق يعززون صحتهم البدنية، وذلك لأنهم يمشون إلى محطات المترو، ومن المعروف أن المشي يعزز الصحة النفسية ويقي من أمراض القلب والسكتات الدماغية ومشاكل المفاصل والعمود الفقري.
2. الحد من مشاعر التوتر والقلق
الأشخاص الذين يستقلّون مترو الأنفاق لا يشعرون بالقلق بشأن القيادة، كما لا يخشون الازدحام المروري لأن خط مترو الأنفاق أسرع وأكثر سلاسة من خط السيارات، علاوة على ذلك، فإن التحوّل من قيادة السيارة إلى استقلال المترو يعزز التركيز على نحو أفضل في العمل.
3. القدرة على الإحساس بالاسترخاء
إن الوقت الذي يقضيه الأفراد خلف عجلة القيادة يمكن أن يسبب القلق وارتفاع مستوى السكر في الدم وانخفاض الرضا عن الحياة، وكلما طال أمد قضاء الناس في التنقل بالسيارات ساءت صحتهم النفسية، وعلى العكس من ذلك، فإن التنقل بواسطة مترو الأنفاق يحسّن الشعور بالاسترخاء ويجعل الأشخاص أكثر استعداداً للعمل، إضافة إلى أنه يعزز القدرة على التواصل، فحين يعود الأشخاص من العمل في الوقت المناسب ربما يمكنهم مقابلة أصدقائهم بعد العمل، أو حتى يمكنهم التواصل مع الأفراد الآخرين في عربة المترو.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الازدحام المروري قد يصيبك بالاكتئاب، فماذا تفعل لتخفيف تأثيره؟
8 نصائح لجعل رحلة مترو الأنفاق مفيدة نفسياً
هناك الكثير من الأشخاص الذين يتنقلون يومياً من المنزل إلى العمل بواسطة مترو الأنفاق، ويمكن أن تكون تلك الرحلة اليومية مثمرة نفسياً عبر اتباع النصائح التالية:
1. قراءة الكتب والروايات
سواء كانت كتباً أو مقالات أو روايات أدبية، فإن القراءة طريقة رائعة للاستفادة من وقت التنقل اليومي، ولكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار تنزيل المحتوى مسبقاً لتجنب مشاكل الاتصال إذا كانت الكتب إلكترونية أو صوتية.
2. الاستماع إلى الموسيقا
يؤدي الاستماع إلى الموسيقا إلى تحسين الحالة المزاجية، وتعزيز الشعور بالاسترخاء وتقليل التوتر، علاوة على ذلك، فإن الموسيقا تحسّن الأداء الإدراكي والذاكرة والدافع، وفي حالة الإحساس بالملل بسبب تشغيل قائمة الموسيقا نفسها مراراً وتكراراً يمكن التنويع في اختيار المقطوعات المناسبة، وإعداد قائمة تشغيل جديدة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
3. تشغيل بعض حلقات البودكاست
إحدى الطرق المفضلة لقضاء الوقت في أثناء التنقل هي الاستماع إلى البودكاست، خاصة الحلقات التي تعزز الشعور بالتحفيز قبل بدء العمل والمحاضرات الملهمة، في البداية يجب على الأشخاص قضاء بعض الوقت في العثور على البودكاست المناسب لهم، ومن ثم تأتي مرحلة الانخراط والغوص داخل حلقاته المتنوعة.
4. ممارسة الأنشطة التي تحسّن المهارات
في الكثير من الأحيان أشعر أن حياتي تنحصر بين أداء مهام العمل ورعاية أطفالي، ولذلك لا أجد الوقت المناسب للتفكير في أحلامي وتنمية مواهبي ومهاراتي. وفي الحقيقة، يمكن أن يكون وقت التنقل بالمترو مناسباً من أجل تعزيز بعض المهارات والمواهب والتفكير في الأحلام الشخصية.
5. تنظيم قائمة المهام اليومية
في أثناء عملية التنقل اليومي بواسطة مترو الأنفاق يمكن إعداد قائمة المهام اليومية، وفي رحلة العودة قد يكون الوقت مناسباً لمراجعة أحداث اليوم والتأكد جيداً من إنجاز مهام العمل جميعها أو معظمها، ويمكن تعديل تلك القائمة على نحو أسبوعي؛ على سبيل المثال إذا شعر أحد الأفراد أنه يضع الكثير جداً من المهام يمكنه تعديل تلك القائمة وتخفيفها.
6. الاستمتاع بالصمت
أحياناً قد يكون على الأفراد الاستمتاع بالصمت وعدم الانخراط في أي نشاط على الإطلاق، في هذه الحالة وخلال ذلك الوقت يمكنهم مراقبة أفكارهم والسماح لعقولهم بالتجول هنا وهناك، من يدري ربما تقدح في أذهانهم فكرة جديدة تعيد شحن يومهم أو تمدهم بالطاقة اللازمة.
7. ممارسة اليقظة الذهنية
قد لا يبدو مترو الأنفاق المكان المناسب من أجل ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل، ولكن يمكن القول إن اليقظة الذهنية يمكن ممارستها في أي مكان، وهناك بعض الاقتراحات المميزة من أجل الاستمتاع بتلك الممارسة في المترو، على سبيل المثال، يمكن مراقبة الطبيعة بعناية، أو التفكير في أهمية خمسة أشياء لا تُلاحظ عادة.
8. الرد على رسائل البريد الإلكتروني
إذا كان العمل يتطلب الرد اليومي على الكثير من رسائل البريد الإلكتروني فقد يشعر الموظفون بالتوتر والقلق، وإذا تجاهلوا تلك الرسائل سوف يشعرون بالضغط وتشتيت الانتباه، ولكن في حال جدولة تلك الرسائل والرد عليها بانتظام على مدار اليوم يمكن أن يصبح العمل أقل إجهاداً.