ملخص: "في زمن آبائنا وأمهاتنا، لم يكن هناك شك في أن الحياة الزوجية هي النموذج الاجتماعي الأمثل، أمّا اليوم فقد تغيّر العالم، ولم تعد مؤسسة الزواج محل ثقة، فكيف نثق في الحياة الزوجية بعد الآن"؟ انظر حولك ولن تجد الكثير من الأزواج السعداء. صحيحٌ أن الجميع يحلم بأن يعيش الحب الحقيقي؛ لكن يبدو أن القليل فقط ينجح في هذا المسعى. لا شك في أننا نعيش حقبة لا تساعدنا على تكريس القدر الكافي من الوقت والطاقة اللازمَين للتخطيط للحياة الزوجية. كيف يمكننا تجاوز فشل العلاقة الزوجية والعمل على نجاح هذه العلاقة؟
يريد البعض أن تصبح حياة الزوجين شديدة المثالية لكنهم لا يدركون أنهم بذلك يجعلونها أكثر هشاشة. وبين الخوف من ذوبان الهوية الشخصية للمرء والرغبة في الكمال، ماذا نتوقع من الحب ومن حياتنا الزوجية؟ وما الذي يجب أن نتخلى عنه؟
انظر حولك ولن تجد الكثير من الأزواج السعداء. صحيحٌ أن الجميع يحلم بأن يعيش الحب الحقيقي؛ لكن يبدو أن القليل فقط ينجح في هذا المسعى.
مريم، 37 عاماً: "أسمع كثيراً عن السعادة؛ ولكن تولَّد لديَ انطباع دائم بأنني لم أُخلق لها. ارتبطتُ أكثر من مرة، وفي كل مرة تبدو العلاقة قوية ووطيدة لكن لا تلبث حياتنا معاً أن تصيبني بالاختناق. لا أعرف كيف ينجح البعض في حياته الزوجية".
كوثر، 46 عاماً: "لقد تزوجت منذ 12 عاماً وتربطني علاقة قوية بأسرتنا؛ لكن حياتنا العاطفية فقدت بريقها. أريد أن أشعر بقلبي ينبض حباً وشغفاً بالحياة، ولا أعرف كيف أجد هذا الشعور مع زوجي. ونتيجة لذلك؛ أحلم في بعض الأحيان بأنني أخوض مغامرات سرية"!
باسم، 43 عاماً: "في زمن آبائنا وأمهاتنا، لم يكن هناك شك في أن الحياة الزوجية هي النموذج الاجتماعي الأمثل، أمّا اليوم فقد تغيّر العالم، ولم تعد مؤسسة الزواج محل ثقة، فكيف نثق في الحياة الزوجية بعد الآن"؟
الهوس بالإنجاز الشخصي
في كتابها، "الحرية الفردية أم السعادة الزوجية، أي مستقبل ينتظر الزوجين؟" (Solo/No solo. Quel avenir pour l'amour)، تتناول المحللة النفسية فابين كرامير (Fabienne Kraemer) هذه الأزمة الجديدة قائلة: "في ثقافة تقدر الإنجاز الفردي، يبدو أن مكانة الفرد باتت محل اهتمام الجميع أكثر من ذي قبل".
ويرى أنصار الحرية الفردية أن المرء لن يستطيع تحقيق ذاته إذا أدت قيود الزواج إلى عرقلة حياته. وتشعر فابين بالأسف إذ تقول: "لا يفكر العُزّاب إلا في العثور على رفاق حياتهم، على الرغم من تظاهرهم بالسعادة في وحدتهم. لقد باتت الصعوبات التي يلاقونها مع رفاقهم المادة الرئيسية لأسمارهم مع أصدقائهم. وتقول الزوجات إن الرجال يحبون الهرب عبر انشغالهم بالعمل أو ألعاب الفيديو! وتدَّعين أن الرجال لا يبدون أي اهتمام بزوجاتهم ولا يهتمون بتحقيق التوازن بين حياتهم العملية والشخصية، ويمنحون أنفسهم فقط الحق في إعلان حبهم بصوت عالٍ وواضح؛ وكأن الإيمان بالحب بات دليلاً على السذاجة"!
الخوف من الالتزام
لم تعد مقابلة أحدهم اليوم أمراً صعباً بفضل المواقع المتخصصة في ترتيب المقابلات الشخصية؛ وبالتالي يستطيع الجميع الخروج من عزلته بسهولة. غير أن باسم يلفت النظر إلى جزئية مهمة معلّقاً: "ولكن بعد اللقاء الأول وتناول العشاء معاً، يجد الطرفان صعوبة حقيقية في اتخاذ الخطوات التالية؛ حيث يتوخى الجميع أقصى درجات الحذر خوفاً من الانجراف في علاقة غير مأمونة العواقب. وهكذا يبقى الأشخاص إلى أجل غير مسمى فيما يُسمّى "الفترة التجريبية" ليتحوّل كل شيء بينهم إلى علاقة باهتة". وتعترف مريم قائلة: "فكرة الالتزام ذاتها تخيفني، ويبدو لي الأمر كما لو كان عليّ التنازل عن حريتي. وأتساءل عمّا إذا كانت النساء من جيلي ما يزال بإمكانهن العيش بأسلوب الحياة الذي عاشته أمهاتهن وجداتهن".
وعلى أي حال، فإن الحياة الزوجية تصل إلى مرحلة الاستقرار العاطفي على الرغم من كل شيء؛ لكن شريكيّ الحياة يجدان صعوبة بالغة هذه الأيام لتحرير نفسيهما من المخاوف؛ كالخوف من اتخاذ القرار الخاطئ والتخلي عن حريتهما، والأهم من ذلك، الخوف من تلاشي الحب بينهما. وتعلّق فابين كرامير على هذه النقطة قائلة: "قد تدفعنا هذه المخاوف إلى تجنُّب الاندماج في أجواء اللقاء الأول، ونسعى بدلاً من ذلك إلى محاولة تقليل حجم معاناتنا قدر الإمكان؛ ونرفض بالتالي تحمُّل المخاطر اللازمة لنعيش قصص حب رائعة".
لكن لماذا أصبحت العلاقة الزوجية بهذا التعقيد؟ هل يرجع هذا إلى ارتفاع سقف توقعاتنا أكثر من اللازم؟ تجيب المحللة النفسية قائلة: "لا أعتقد ذلك؛ بل على العكس من ذلك، فإنني مقتنعة تمام الاقتناع بأن السبب في هذه الظاهرة يرجع إلى انخفاض سقف طموحاتنا في هذا الجانب. ومن ناحية أخرى، فإننا نتوقع الكثير من الآخرين ولا نتوقع الكثير من أنفسنا، فنحن نبحث عن الشخص المناسب لنا دون أن نحاول أن نكون الشخص المناسب للآخر! نتوقع منه أن يبعث فينا الشعور بالطمأنينة، وأن نجد عنده علاجاً لأمراضنا كلها من خلال رسم صورة خيالية له في أذهاننا كما لو كان الفارس الذي سيأخذنا إلى عالم الأحلام"!
وتضيف مستطردة: "لكن الحب يكمن في التغاير ذاته؛ في اختلاف الآخر عنا بصورة جذرية وفي جوانبه التي تظل غامضة علينا. يؤدي هذا التغاير إلى إضفاء ميزة مهمة على الحياة الزوجية لأنه يضفي على الآخر هالة من الاختلاف تجعلنا نرغب في اكتشاف ذوقه ولغته وطريقة تفكيره، ومن هنا يجب أن نحرص كل الحرص على ألا نفقد هذا الفضول المشترك أبداً".
روتين حياتنا وعلاقته بفشل العلاقة الزوجية
لا شك في أننا نعيش حقبة لا تساعدنا على تكريس القدر الكافي من الوقت والطاقة اللازمَين للتخطيط للحياة الزوجية. تقول فابين كرامير: "أدّت ضغوط العمل إلى ترتيب الأولويات بطريقة معكوسة جعلتنا نقدّم الحياة المهنية على الحب، فبعدما تصل المرأة إلى الثلاثينيات من عمرها تحاول اختيار شريك حياتها على عجل، قبل فوات أوان إنجاب الأطفال، ويزداد الأمر سوءاً حينما تكون العلاقة غير مُرضية. وفي مواجهة هذا المستقبل المشوب بالضبابية، فإن محاولات "تحقيق مكاسب سريعة" تلقي بظلال كئيبة على الحياة الزوجية". وتابعت: "لم يعد الأزواج يخططون لمستقبلهم الأسري على مدى 10 أعوام أو 20 عاماً، ويؤدي غياب الرؤية المشتركة للحياة الزوجية إلى حرمان الزوجين من الموارد التي من شأنها أن تسمح لهما بالتغلب على الاضطرابات التي تصادفهما".
أضف إلى ذلك الحاجة إلى الشعور بوجود شريك حياتنا من حولنا في كل لحظة، وهي الحاجة التي تغذيها المطالب المستمرة التي يفرضها النمط الاستهلاكي وتطبيقات التواصل؛ ما يؤدي إلى الفشل المحتوم للحياة الزوجية بسبب الانشغال بالروتين اليومي. وتؤكّد المحللة النفسية: "لكن لحظات الملل تلك ثمينة للغاية، فهي تسمح لشركاء الحياة بتجديد إبداعهم؛ ولكن عندما تلوح في الأفق فإننا غالباً نكون في عجلة من أمرنا؛ حيث يكون كل واحد منا بمفرده ويسعى إلى الترفيه عنه نفسه في مكان آخر". وأخيراً، فإنها تشير إلى أن الأزواج اليوم يولون أهمية أكبر لدورهم كآباء وأمهات أكثر من الماضي، ولا يسمحون لأنفسهم بالوقت الكافي للاعتناء بأنفسهم كأزواج، وقد أثبتت الإحصائيات أن النتيجة الحتمية لهذا السلوك هي وصول معدلات الانفصال إلى ذروتها بعد ولادة الطفل الثاني.
الحياة الزوجية أحد أهم مسببات السعادة بصورة لا مثيل لها
على الرغم من المخاطر التي تحيق بالعلاقة الزوجية هذه الأيام، فإن المحللة النفسية لا تزال ترى أن الحياة الزوجية أحد أهم مسببات السعادة بصورة لا مثيل لها، بشرط أن تعرف ما يمكنك توقعه. وتضيف فابين كرامير: "لا شك في أن حالة الحب المتأجج في بداية العلاقة أكثر إثارة؛ لكنها لا تدوم إلى الأبد وقد تُغرقنا في عذاب متواصل. وحينما نحاول تغيير شريك حياتنا بمجرد أن يتبدد هذا الحب، فإن هذا يجعلنا كمَن يجلس على طاولة الطعام ليأكل الأطباق الفاتحة للشهية فقط، دون أن يتذوق الطبق الرئيسي ممثلاً في الحب الحقيق الذي يزداد عمقاً واستقراراً بمرور الوقت، عندما يتمكن المرء من حب شريك حياته على حقيقته. هذا هو الحب الذي نجد فيه المودة وننعم فيه بالسَّكينة، ويجعلنا ندرك نعيم الحياة مع أقرب إنسان إلينا ونثق في وجود شخص إلى جانبنا يمنحنا المساحة لنتصرف على سجيتنا، وعندئذ سنشعر بأننا أقوى وأكثر حرية معاً. فقط أولئك الذين لم يتذوقوا هذه المرحلة الثانية من الحب هم مَنْ يتخيلون أن مذاقها أقل حلاوة من العاطفة الأولية".
وترى فابين كرامير أنه يمكن تلخيص سر الحب الدائم في 4 مبادئ: التآزر والحب والاحترام والالتزام. ولكي تعيش هذا الحب؛ عليك أن تتخلَّص من وهم العلاقة المثالية وتشمر عن سواعدك حتى تحقق هذه المبادئ الأربعة.