القلق مرض نفسي يؤثر علينا جسدياً أيضاً، فما هي أعراض القلق النفسوجسدية؟
كلنا نصاب بالقلق، وهو شيء طبيعي؛ كرد فعل تجاه متغيرات الحياة، أو نتيجة فقد وظيفة، أو بسبب الذهاب لأداء امتحان، وقد يكون التهديد فعلياً أو مُتخَيلاً. والقلق هو استجابة الجسم الطبيعية للتوتر. وهناك فرق بين القلق الطبيعي والقلق المرضي؛ القلق الطبيعي يحفزكم لمواجهة التحديات اليومية، أما القلق المرضي فهو مستمر ومفرط، وقد يُعطلكم عن ممارسة تفاصيل الحياة اليومية، وقد تتجنبون بسببه أنشطةً وفرصاً جيدةً، والقلق غير المعالَج له تكلفة على كافة الأصعدة، فقد تظهر التكلفة الجسدية على هيئة مشاكل واضطرابات مثل القولون العصبي والصداع وصرير الأسنان، وقد يؤثر القلق على حياتكم وجودتها، فقد تضيع الكثير من الفرص الاجتماعية والمهنية بسبب القلق المفرط. وفقاً لجمعية القلق والاكتئاب الأميركية؛ يعاني 6.8 مليون أميركي من اضطراب القلق العام، وقد بلغت نسبة الإصابة بالقلق في دولة الإمارات عام 2018 ما بين 6 و8%.
أحياناً تنتابكم حالة من القلق، تتزامن مع شعوركم بآلام جسدية؛ مثل الشعور بأوجاع في المعدة، وآلام في الظهر والأطراف، أو الإصابة بالصداع، والخمول والتعب. هذه الحالة لا تحدث مصادفةً أو بلا سبب؛ إذ أن الأمراض النفسية لها تأثير جسدي أيضاً، فالمرض النفسي ليس شيئاً مجرداً موجوداً في المخ فقط؛ لكن أثره يمتد أيضاً إلى الجسد، فإذا كنتم تشعرون بآلام جسدية غير مبررة؛ يُحتمل أن يكون السبب نفسياً. لكن مع ذلك لا داعي لمزيد من القلق، فهناك الكثير من العلاجات التي من شأنها أن تقلل القلق، ولكن البداية هي طلب الدعم النفسي.
ما هي الأعراض النفسوجسدية؟
كارلا مانلي؛ مختصة علم النفس وكاتبة، تقول إن المصابين بأمراض نفسية يختبرون أعراضاً جسديةً مثل التوتر العضلي، والشعور بألم جسدي، والصداع، والأرق والشعور بعدم الراحة، ومن الممكن أن تصابوا أيضاً بحالة تشوش ذهني، وحالة من ضعف التركيز.
هل سبق وأن سمعتم عن فراشات البطن؟ قد تنتابكم أوجاع بالبطن قبل الذهاب لاختبار ما، أو لمقابلة عمل، أو قبل موعد عاطفي. السبب في ذلك الشعور هو القلق، وقد تتطور الأعراض إلى إسهال، أو صداع نصفي، وتوصف هذه الأعراض بالأعراض النفسوجسدية، أو "النفس جسمانية".
وتعتبر الأعراض الجسدية المرتبطة بالقلق شائعة، لكن لا ينبغي التعامل معها باستهانة، لأن التقديرات تشير إلى أن 90% من زيارات المرضى للأطباء تكون نتيجة أمراض تتعلق بالقلق. لذلك تعتبر الأمراض النفسوجسدية منتشرة أكثر مما يعتقد الناس.
كيف تؤثر الأمراض النفسية علينا جسدياً؟
على مدى 3 سنوات، أُجريت إحدى الدراسات على 1000 مريض ظهرت عليهم 567 شكوىً جديدة تتمثل في 14 عرض؛ مثل ألم الصدر، والتعب، والدوار، والصداع، وألم الظهر، وضيق التنفس، والأرق، وآلام البطن. كان سبب هذه الأعراض جسدياً في 16% من الحالات فقط؛ لكن هذا لا يعني أن 16٪ فقط من كل هذه الشكاوى كانت لأسباب جسدية، و84٪ أخرى كانت لأسباب نفسوجسدية؛ يعني أن 84٪ من الأعراض ليس لها سبب جسدي معروف.
ما هي أبرز أعراض القلق النفسوجسدية؟
القلق ليس في الدماغ فقط، بل يصيب الجسد أيضاً، ومن الأعراض الجسدية للقلق:
1. زيادة ضربات القلب
عندما يخيفكم شيء ما، صوت عالي مثلاً، يستثير ذلك هرمونات القلق لديكم، الأدرينالين، والنورأدرينالين، والكورتيزول، وذلك يجعل ضربات قلوبكم أسرع. إذا تكرر ذلك كثيراً وأُهمل العلاج ستكونوا أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، وتصلب الشرايين، وارتفاع الكوليسترول، والسكتة الدماغية والنوبات القلبية.
2. زيادة نسبة السكر في الدم
هرمونات التوتر تكون بمثابة الوقود لتواجهوا موقفاً تشعرون فيه بالخوف، أو القلق، وهو شيء مفيد لمواجهة الخطر، لكن ذلك ليس كل شيء، فيجمع الجسم السكر الزائد، والقلق الشديد، والمستمر يمكن أن يحافظ على نسبة السكر في الدم مرتفعة جداً لمدة طويلة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة بمرض السكر، وكذلك أمراض القلب، والكلى، والسكتة الدماغية.
3. اضطراب في المعدة
يمكن أن يشعركم القلق باضطراب المعدة، ويشعر بعض الناس بالغثيان، والقلق، ويمكن أن تتطور مشاكل الجهاز الهضمي إلى الإصابة بمتلازمة القولون العصبي (IBS) وهي اضطراب شائع يصيب الأمعاء الغليظة، وتشمل الأعراض التقلصات، وألم البطن، والانتفاخ، والغازات، والإسهال، والإمساك أو كليهما.
4. زيادة الوزن
جزء من مشكلة القلق أنه أحياناً يجعلكم تقبلون على الأكل أكثر من المعتاد، خاصةً السكريات، والدهون، وهي أطعمة تحتوي على الكثير من السعرات الحرارية، وتبدي هذه الأطعمة إحساساً بتحسين أعراض القلق، وهو ما يجعلكم تقبلون على مزيد منها. ويمكن للقلق أن يفسد استجابة أجسامكم للضغط، ويتسبب في زيادة أوزانكم.
لماذا يسبب المرض النفسي أعراضاً جسديةً؟
عندما تتعرضون للخطر -أو عندما تتخيل أدمغتكم أنكم تتعرضون للخطر- فهناك استجابة طبيعية تقوم بها أجسادكم؛ وهي ردة فعل معروفة باسم "الكر أو الفر"، وتستعد أجسادكم حينها إما للقتال أو الهرب، ويؤدي التوتر إلى زيادة هرمونيّ الأدرينالين والكورتيزول؛ واللذان يسببان زيادة ضغط الدم وتثبيط نشاط الجهاز الهضمي، و يؤثران على الجهاز المناعي. هذه الاستجابة ليست سيئةً؛ بل على العكس، فهي تساعدكم على تجنب الخطر، والتعامل معه.
كيف يمكن علاج الأعراض النفسوجسدية؟
هناك عدة طرق لعلاج أعراض القلق النفسوجسدية؛ أولها الوعي بالمرض ذاته. يمكنكم الاستعانة بطبيب نفسي؛ والذي بدوره قد يكتب لكم الدواء المناسب لحالتكم، وقد ينصح بالعلاج السلوكي المعرفي. وهناك طرق أيضاً يمكن اتباعها لتقليل التوتر والأعراض الجسدية له؛ مثل:
- تقليل القلق؛ بأن نعرف حدود ما يمكننا عمله وما لا يمكننا، فلا تحملوا أعباء العالم فوق أكتافكم.
- حاولوا ممارسة الرياضة بانتظام.
- يمكنكم كتابة أفكاركم اليومية لتتبّع مشاعركم.
- احرصوا على تجنب التدخين.
- حافظوا على نظام غذائي صحي.
- مارسوا التأمل وتمارين التنفس.
- اطلبوا الدعم من المحيطين.
- ضعوا حدوداً لتقليل الضغط على أنفسكم.
- مارسوا اليوغا لتقليل القلق.
- ابتعدوا عن محفزات القلق.
وفي الختام؛ يجب ذكر أن القلق ليس سيئاً في كل الأحوال، فهناك حد أدنى من القلق يجب أن ينتابكم كي تمتلكوا دافعاً يجعلكم تهتمون بإنجاز المهام اليومية؛ لكن تعدي المستوى الأمثل من القلق؛ وهو القلق الطبيعي المفيد الذي يدفعكم لإنجاز المهام -وليس الذي يجعلكم تهابونها وتخشون تنفيذها، يصبح مرضياً ويستلزم طلب الدعم النفسي.