نعلم بالفعل أن هناك ما يسمى بفرط الحساسية النفسية؛ لكن ما هو فرط الانفعال؟ فسّرت مختصة التحليل النفسي فيرجيني ميغالي ميل بعض الأشخاص لاختبار العواطف بقوة أكبر من المعتاد، ضمن كتابها "فرط الانفعال، النجاة من الإعصار الداخلي" (Hyperémotivité, survivre à la tempête intérieure)؛ إذ توضح سبل فهم هذه القدرة على الشعور بمشاعرَ شديدةٍ للغاية.
هل يمكن أن تشرحي لنا ما هو فرط الانفعال؟
إن فرط الانفعال هو تفاعل الشخص بقوة مع أحداث معينة؛ إذ يعيش العواطف التي تسبب له الضيق بطريقة مفرطة، وهو أمر يسبب له الإرهاق، بسبب حالة تقلب المشاعر المستمرة التي يعاني منها؛ حيث يتخيل وقوع الأسوأ، ويأمل بحدوث الأفضل، إنه في حالة قلق وتوتر مستمر.
ما هو الفرق بين فرط الانفعال وفرط الحساسية النفسية؟
هناك اختلاف كبير بين فرط الحساسية وفرط الانفعال. ففي الحالة الأولى "فرط الحساسية" يستجيب الشخص للأشياء من حوله بطريقة قوية جداً؛ مثل تفاعله مع مشهد غروب الشمس الجميل أو رائحة معينة، كما تترافق الحساسية المفرطة مع قدرة حدسية متقدمة في بعض الأحيان، فالحساسية المفرطة ليست حالةً مزعجةً، ويمكن أن تكون أمراً مستحباً تماماً. من جهة أخرى، فإن فرط الانفعال هو قدرة الشخص على الشعور بمشاعرَ قوية للغاية، تطغى عليه تماماً، ويُصدم الشخص مفرط الانفعال بما يحدث من حوله، ولا يؤدي تقديم أي تفسيرات له إلى تهدئته. ورغم أن لدى الأشخاص مفرطي الحساسية ميلٌ لأن يكونوا مفرطي الانفعال أيضاً، فإنه من الضروري عدم الخلط بين الحالتين، فالتشخيص الخاطئ قد يحول دون مساعدة الشخص الذي يعاني من فرط الانفعال.
تسمي فرط الانفعال في كتابك بالسلوك الاستبدادي، ما الذي يعنيه ذلك؟
يُعرّف الاستبداد بأنه تجاهل الشخص لحاجات الآخرين، وفرض سلوكه عليهم، وهذا ما يمكن أن نراه في حالة فرط الانفعال. إن العاطفة التي تجتاح الشخص مفرط الانفعال تهز كل ما حوله بعنف، ونجد أنه يصعب عليه احترام قواعد العيش المشترك. ويمكن مقارنة عواطفه هذه بالإعصار القوي الذي لا يمكن لشيء أن يقف أمامه؛ إذ إنه لا يحترم من حوله في ذروة انفعاله، فالانفعال المفرط هو عبارة عن ردود الأفعال التي تجعل الشخص يخرق القواعد الاجتماعية رغماً عنه.
ما الذي يؤجج فرط الانفعال؟
غالباً ما يظهر سلوك الانفعال المفرط لدى الشخص بعد تعرضه لحدث صادم، وعدم تعامله مع هذا الحدث على أنه كذلك. تؤثّر الأحداث الصادمة في الفرد جسدياً ونفسياً، وتستمر هذه الآثار لديه لفترة طويلة. ويمكن لبعض الأحداث التي وقعت مؤخراً؛ كالهجمات الإرهابية، الأزمات الصحية أو حالات الطوارئ المناخية، أن تُمثّل للبعض أحداثاً صادمةً تؤدي إلى تحفيز حالة فرط الانفعال لديهم.
ماذا يمكن لمن يدرك أنه يعاني من فرط الانفعال أن يفعل؟
يعتقد الأشخاص ذوو الانفعال المفرط أنه لا يمكنهم التعامل مع الأمور بأي طريقة أخرى؛ إذ تصبح عواطفهم المفرطة، المعيار الأمثل بالنسبة لهم لمعايشة ما يجري من حولهم.
إنهم لا يعرفون مشاعر الهدوء أو الطمأنينة، ولا يعتقدون أنه بإمكانهم التعامل مع الأمور من دون انفعال شديد. قد يصعب التعايش مع فرط الانفعال على المدى الطويل، فهو حالة مرهقة، ومصدر معاناة لصاحبها، ومن جهة أخرى، فإن إدراك الشخص لحالته هذه هو الخطوة الأولى نحو شعوره بالراحة. يحتاج الشخص الذي يعاني من فرط الانفعال كي يهدأ، إلى الحصول على مساحة يتحدث من خلالها عن معاناته بصراحة، وأن يلقى آذاناً صاغية، دون إطلاق أحكام مسبقة عليه.
أصبحنا نسمع كلمة "فرط" كثيراً؛ ما يعطي انطباعاً بالإفراط في كثير من الأمور، ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للمجتمع الذي نعيش فيه؟
نحن نعيش في مجتمع مثير للقلق للغاية. إنه سباق مجنون ومخيف نحو "الإفراط في كل شيء"؛ وهو ما يؤدي إلى حدوث اضطرابات "فرط" مثل فرط الانفعال أو فرط الحساسية النفسية، وهي حالات معاكسة تماماً لحالة التوازن، تثير مزيداً من مشاعر القلق بين أفراد المجتمع، في حين أن العيش بطريقة صحيحة يتطلب انسجام الفرد مع من حوله ومع رغباته.
أخيراً؛ هل حالة فرط الانفعال هي نتيجة منطقية لاختلال العلاقات الاجتماعية؟
بالضبط؛ إذ يعاني الكثير من الأشخاص من فرط الانفعال لكنهم لا يُظهرونه؛ بل يخفونه ويلومون الآخرين ممن يعانون منه. إن أخذ حالة الشخص الذي يعاني من فرط الانفعال بعين الاعتبار، قد يساعد في منحه شعوراً بالطمأنينة، ومن المهم عدم الرد على السلوك المفرط، بسلوك مماثل.