لماذا ينجح المتسول الأنيق في جني المزيد من الأموال؟

2 دقيقة
المتسول الأنيق
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: مهدي أفشكو)

قرار تقديم المساعدة إلى الآخرين أو التبرع إليهم ببعض المال يخضع في كثير من الأحيان إلى ضوابط المعتقدات والأعراف الاجتماعية، ونميل فيه عادة إلى التعاطف مع المحتاجين. ومن المؤكد أن صورة الشخص المتسول الذي يستحق هذه المساعدة ترتبط في الغالب بمظهر غير مرتب، أو هندام يعكس علامات الفاقة والحاجة. لكن لماذا نختار أحياناً مساعدة المتسول الأنيق الذي لا تظهر عليه أيّ علامة من هذه العلامات؟ إليك الإجابة في المقال التالي.

كشفت دراسة نشرتها مجلة فرونتيرز إن سايكولوجي (Frontiers in Psychology) أن الإنسان يميل إلى تقديم المساعدة إلى الشخص الذي يبدو من طبقة اجتماعية أعلى. إنها مفارقة مدهشة تكشف الكثير حول الأحكام المسبقة وأشكال التعاطف التي نعبّر عنها. ترتكز مفارقة المتسول الأنيق على ملاحظة منافية للمنطق مفادها أن العلامات المرئية الدالة على المكانة الاجتماعية تؤثر كثيراً في استجابتنا التعاطفية.

المتسول الأنيق يحصل على ضعف ما يتلقاه المتسول غير الأنيق

درست تجربتان ميدانيتان أُجريتا في مدينتين أميركيتين كبيرتين استجابة المارة إلى طلب متسول أنيق ومتسول غير أنيق. وكانت النتائج مثيرة للاهتمام؛ إذ حصل المتسول الأنيق على مال أكثر من الذي حصل عليه المتسول غير الأنيق بمعدل 2,55 مرة في المتوسط.

لماذا حدث هذا التحيز؟ تكمن الإجابة في نظرتنا إلى الآخرين؛ إذ تولّد العلامات الدالة على الطبقة الاجتماعية العليا نظرة تنطوي على الكفاءة والثقة والتشابه مع الذات. بعبارة أوضح: نحن نرى المتسول الأنيق شخصاً أكفأ وأجدر بالثقة ويشبهنا كثيراً، وتعزّز هذه النظرة الإيجابية ميلنا إلى مساعدته.

حكم متحيز

أظهرت الدراسة أن علامات المكانة الاجتماعية لا تؤثر في سلوكياتنا فحسب، بل في أحكامنا أيضاً، فقد أفاد المشاركون بعد اطلاعهم على صور متسولين بهندام مختلف أن المتسول الأنيق يبدو أكثر إنسانية وجدارة بالتعاطف. وتشير هذه النتائج إلى أن عقولنا تربط بين الكفاءة والكرامة الإنسانية والرموز الدالة على الطبقة الاجتماعية الأعلى؛ ومن ثمّ فإنها تؤثر في رغبة كل منا في الاستجابة إلى احتياجات هؤلاء المتسولين استجابة إيجابية.

وأظهرت أبحاث لاحقة أن علامات المكانة الاجتماعية مثل طريقة الكلام أو السلوكيات غير اللفظية قد تؤثر أيضاً في أحكامنا وسلوكياتنا. على سبيل المثال؛ يميل الناس أكثر إلى إرجاع المال الذي يجدونه في الطريق إلى الأشخاص ذوي الهندام المرتب، أو تقديم التنازلات في المفاوضات التي تجمعهم بأشخاص أنيقين.

مؤشرات المكانة الاجتماعية

يُظهر هذا التحيز أن ميلنا إلى تقديم المساعدة لا يرتكز على الحاجة الملحوظة لدى الآخر فحسب؛ بل يتأثر كثيراً بمؤشرات المكانة الاجتماعية أيضاً. ويثير هذا الأمر أسئلة مهمة حول مدى فعالية أنظمة الدعم الاجتماعي والخيري، فإذا كان الأشخاص الذين يبدون أقل احتياجاً يحصلون على المساعدة، فمن المحتمل ألّا يحصل الأشخاص الأكثر احتياجاً على الدعم الضروري.

نستنتج إذاً أن مفارقة المتسول الأنيق تكشف أن أحكامنا وسلوكياتنا الإيثارية تتأثر تأثّراً عميقاً بنظرتنا إلى المكانة الاجتماعية. ويدفعنا هذا الاكتشاف إلى التفكير في كيفية إعادة هيكلة أنظمة المساعدة كي تصبح أكثر إنصافاً وفعالية.

المحتوى محمي