لماذا قد تُصاب المرأة الحامل بالقلق؟ وكيف تتعامل معه؟

7 دقائق
الحمل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الحمل حلم جميل بالنسبة إلى نساء عديدات؛ لكن الصورة المثالية التي تحملنها عنه سرعان ما تتلاشى بعد أن يتحقق ويتحوّل إلى حقيقة بمتاعبها ومخاوفها المختلفة. لماذا تشعر الحوامل إذاً بهشاشة نفسية وقلق دائم على الرغم من رغبتهن الشديدة في الإنجاب؟ في هذا المقال، يوضح خبراءُ في نفسية النساء الحوامل مختلف الهواجس التي تشغل أذهان النساء، ويقتفون آثارها في اللّاوعي وذكريات الماضي.

في جناح الولادة بأحد المستشفيات الرئيسة بمدينة الدار البيضاء، تجلس 15 امرأة في الشهر السابع من الحمل، اجتمعن في أول جلسة تدريب تحضيراً للولادة، وقد اتكأن على الوسائد ووضعن أيديهنّ على بطونهنّ.

أكّدن جميعهنّ في بداية الجلسة أن كل شيء على ما يرام، ثم بدأن يشتكين: تقول الأولى: "لم أحضّر أيّ شيء؛ لا غرفة الرضيع ولا حقيبتي الشخصية التي سآخذها معي يوم الولادة"، ثم تضيف الثانية: "كنت أشعر في حملي الأول أنني ضعيفة، والأمر مختلف تماماً في هذا الحمل الثاني"، وتزيد ثالثة: "لم أعد أفهم ما يحدث لي، أصبحت أخاف من كل شيء، ولم أعد أستطيع حتى سياقة السيارة".

ثم تقول أخرى: "زوجي يبتعد عنّي بينما أنا في حاجة ماسة إليه"، ثم تعلق التي إلى جانبها: "أعاني أرقاً رهيباً"، وتصرّح أخرى: "فقدتُ جنيني الأول، وأخبرني الطبيب أن هناك خللاً ما، وأنا خائفة على جنيني هذا"، ثم تكمل الأخيرة سيل الشكاوى: "زيادة على القلق الذي ينتابني، أشعر بالذنب بسبب احتمال إنجابي طفلاً يعاني القلق أيضاً".

تبكي إحداهن وتمسح أنفها بالمنديل، بينما تضحك الأخرى وهي تغالب دموعها لأنها اكتشفت أنها ليست الوحيدة التي لا تعيش تجربة الحمل المثالية كما يُحكى عنها؛ حيث تبدو المرأة الحُبلى جميلة مطمئنة جاهزة لاستقبال المولود الجديد. لماذا تشعر النساء الحوامل إذاً بهذا الضعف؟ ما التحوّل الذي يجعلهن حسّاسات إلى هذه الدرجة؟

ذكريات الماضي وصورة الطفل المتخيّل

تقول المحللة النفسية المختصة في دراسة الحالة النفسية للحوامل، مونيك بيدلوفسكي (Monique Bydlowski): "الهشاشة النفسية التي تعانيها الحوامل ناتجة من إيقاع الحياة المتسارع والتوتر بسبب العمل؛ لكن سبب قلقهنّ الأساسي، للمفارقة، هو رغبتهنّ في هذا الحمل". كأنهنّ يشعرن بالندم، أو يعتبرنه مغامرة! والسبب وراء هذا الشعور هو أن كل رغبة في إنجاب طفل تنطوي على مفارقة مربكة بسبب المسؤولية التي تترتب عنها.

وتوضح بيدلوفسكي ذلك قائلة: "الحمل الأول يمثل مناسبة لأزمة "نضج" شبيهة بأزمة المراهقة"؛ إنها تشبه تحولاً تعيش خلاله المرأة صراعات نفسية لم تُحلّ، بينما تستكشف في الوقت نفسه تحديات أخرى. وتقترح المحللة النفسية مصطلح "الشفافية النفسية" لوصف هذه الحالة التي تصل فيها ذكريات اللّاوعي الدفينة إلى مستوى الوعي. مِن هؤلاء النساء الحوامل مَن تسترجع عواطف المراهقة أو أحزان الصِّبا أو شعور الوحدة الذي انتابها خلال فترة الرضاعة، فتعبّر بذلك عن "حالة تعلّق خاصة وكأنها تطلق نداء استغاثة غير معلَن ومتواصل وتعلن حاجتها إلى سند آمن".

بعد 12 أسبوعاً من الحمل، يكتشف الآباء والأمهات صورة الجنين الذي ينتظرونه. "من الصعب تخيّل وجوده في بطني"، "يشبهك كثيراً!"، "يتحرك كثيراً وكأنه فرِح". هكذا يعلق الآباء والأمهات على الصور، فتتوالى الإسقاطات بفعل العواطف الجياشة حتّى قبل أن يُعرف جنس المولود. تصف بيدلوفسكي ذلك قائلة: "من المفترض أن يلبّي الطفل المتخيّل التوقعات كلها، ويصلح كل خلل، ويملأ كل فراغ؛ إنه يجسد كل ما كانت الأم تتمناه باستمرار".

ومن هنا، يأتي اندهاشها من رؤية هذا الجنين الذي لا يتجاوز حجمه 7 سنتيمترات لكنه يمثل كل شيء بالنسبة إليها. وعلاوة على ذلك، تستمد الأم تمثُّلها لصورة المولود من ذاكرتها الخاصة التي تشمل تجاربها مع والدتها عندما كانت رضيعة، فإذا كانت العناية التي تلقّتها من والدتها غير منتظمة أو غير كافية، فإنها تحتفظ في اللّاوعي بشعور النّهم والخوف. هذا الجنين الذي تشبّهه بعض النساء الحوامل بالكائن الفضائي الصغير الشّره الذي يهدد سلامتهن، يمثل إذاً تشخيصاً لذلك الرضيع النّهم الكامن في اللّاوعي.

في أول فحص بالموجات فوق الصوتية، يختبر الوالدان هذه التمثّلات المتخيَّلة التي تجسدها صورة الجنين الظاهرة على الشاشة. ويهتم المحلل النفسي الذي يعمل في مستشفى الولادة بفيرساي في ضواحي باريس، سيلفان ميسونييه (Sylvain Missonnier) منذ 25 عاماً بهذا "الطفل الافتراضي" الذي يصفه الآباء والأمهات؛ لأنه يمثل في نظره مؤشراً على شكل الأمومة والأبوة اللذين سيعبّرون عنهما لاحقاً. يقول ميسونييه: "من خلال تعليقات الأمهات والآباء على صور الجنين، نلاحظ تقسيماً مسبقاً للأدوار. تقول الأم: "إنه لا يُحتمل، يبدو أنه سيكون شقياً!"، فيرد عليها الأب قائلاً: "دعيه يلهو". هذا التقسيم الذي ظهر في جزء من الثانية أمام الشاشة، هو نفسه الذي سيُعاد تطبيقه مع الطفل الحقيقي".

ظروف الرعاية الطبية والحياة الجنسية

يُعدّ خبير الفحص بالموجات فوق الصوتية ومؤلف كتاب "من نحن قبل أن نولد؟" (?Qui sommes-nous avant de naître)، الأستاذ رودجر بيسيس (Roger Bessis) أحد رواد طبّ الأجنّة. ويدرك بناء على خبرته أن جملة عادية من قبيل: "إنه رضيع جميل" يمكن أن تفهمها الأم الحامل على نحو غير متوقع؛ وكأن المقصود من ورائها أن حجمه كبير، ولن يمر عبر الرحم بسهولة، فيولّد لديها ذلك خوفاً من عملية الولادة! ويلاحِظ أن هذه المخاوف تختلف وفقاً لسن المرأة (تشعر المرأة التي ستنجب لأول مرة في سن 25 عاماً مثلاً أنها قادرة على ذلك، بينما تعرف الحامل التي تبلغ 40 عاماً من العمر المخاطر التي قد تتعرض لها، وعدد حالات حملها (في الحمل الثالث، تخشى المرأة أن تكون قد عرّضت نفسها لخطر كبير)، وتجربة حياتها. ويأسف رودجر بيسيس على الخلط الحاصل في مجال الطب بين الأداء والسرعة؛ ما يؤدي إلى خلق ظروف موتِّرة في مجال العناية بالحوامل:

"بعد الفحص الأول بالموجات فوق الصوتية مباشرةً، يُطلب من النساء الحوامل اللواتي اكتشفن للتو حملهنّ أن يفكّرن فيما سيفعلنه إذا تبيّن مثلاً أن الطفل مصاب بمتلازمة داون. وكذلك، فإن قرارات فحص السائل الأمنيوسي لإجراء الاختبارات أو إنهاء الحمل تكون متسرعة، علماً أن بعض هذه الخيارات الذي يجب أن يتخذه الأزواج مصيري ويحتاج إلى وقت كافٍ للتفكير".

وفيما يتعلق بموضوع الجنس، تلاحظ مونيك بيدلوفسكي أنه: "أمر ليس بالهين، مع أن النساء الحوامل لا يتحدّثن عنه كثيراً، فرغبتهن الجنسية تقلّ بسبب تركيزهن على الطفل الذي يحملنه في أحشائهنّ. وكذلك، يشعر الرجال بالانزعاج، ليس بالضرورة بسبب صورة الأم التي تحضر في أذهانهم؛ ولكن خوفاً من إيذاء الزوجة أو الجنين"، ناهيك بأن النساء الحوامل اللواتي سبق لهنّ الإجهاض يعتبرن ممارسة الجنس خطراً على الجنين على الرغم من تطمينات الأطباء! بهذا الجسد المثقل، تشعر النساء الحوامل وفقاً لمونيك بيدلوفكسي: "بالتماهي الحتمي مع أمهاتهنّ، وتدركن أن الإنجاب يعني تقدمهنّ في السن والتحاقهنّ بالجيل التالي" ما يقوّض ثقتهن في جاذبيتهنّ.

ومع نمو الحمل شيئاً فشيئاً، تثير فكرة ضرورة انفتاح الجسم للسماح بخروج الطفل تخيّلات النساء المفزعة عن التمزّق أو الموت خلال عملية الولادة؛ الذي على الرغم من نُدرته فإنه ما يزال حاضراً في الأذهان! لكنّ المحللة النفسية تلاحظ أن: "نظرة المجتمع المثالية إلى الأمومة تدفع النساء الحوامل إلى كتمان عدم اطمئنانهنّ".

كيف ينعكس القلق على المرأة الحامل؟

تتحمّل النساء الحوامل إذاً عبئاً مزدوجاً من القلق والشعور بالذنب بسبب إمكانية انعكاس حالاتهنّ النفسية على أطفالهنّ. وإذا كان احتمال نقل هذه "العدوى" النفسية إلى الجنين ما يزال لغزاً، فإننا متيقنون بالمقابل أن القلق الذي ينتاب النساء الحوامل دون أن تتجاوزنه يؤثر في مستوى الرعاية الذي يقدّمنه للأطفال عند الولادة، فتتزايد الأسئلة المشروعة بالنسبة إليهن على الرغم من تقليل مَن حولهنّ من أهميتها:

"هل أنا قادرة على العناية بهذا الطفل؟" و"هل سيساعدني والده؟" و"كيف يمكن أن أتحمّل حدوث مكروه لطفلي؟". فمع من ستناقش المرأة الحامل هذه الهواجس؟ ليس بالضرورة مع الزوج العالق أيضاً في دوامة نفسية. تشرح مونيك بيدلوفسكي هذه الدوّامة قائلة: "الحمل يمكن أن يولّد لدى الزوج غيرة طفولية كتلك التي يشعر بها الولد عند ميلاد شقيقه الأصغر، أو يذكّره بضعفه الجسدي ويخلّف عنده شعوراً بالعجز". لذا؛ عندما يسيطر القلق على الأذهان، يصبح من مصلحة الأب والأم استشارة الطبيب النفسي لمعالجة هذا الجانب الطفولي في شخصيتيهما من أجل استقبال المولود الجديد على نحو أفضل.

هذا ما يجعل القابلة مارين بييجو (Marine Piéjus) تتبنى مبدأ "الرعاية الشاملة"، فهي لا تفصل المتابعة الطبية للأم عن سيرتها الشخصية، عندما تكون في انتظار مولود ستستقبله بجسدها وحياتها الزوجية وفي بيتها وبالموازاة مع حياتها المهنية.

وتؤكد ذلك قائلة: "بناء على اعتبارات عملية، فإن هذا النوع من الرعاية يسمح بتحضير نفسيّ لممارسة الأبوة والأمومة، فالإفراط في العناية الطبية بالحمل يقوّض ثقة الأمهات في أنفسهن، فلا ينظرن إلى أنفسهن إلا باعتبارهن حوامل؛ بينما يعدّ الإنجاب مسألة انفتاح، فالأم يجب أن تفتح رحمها لخروج الرضيع، ويجب قبل ذلك أن تنفتح نفسياً على هذه التجربة، وتستعد لتقبّل أيّ مفاجأة".

الاستعداد للأمومة والأبوة

يرى سيلفان ميسونييه أن جلسات "الاستعداد للولادة والأمومة والأبوة" التي تقدمها القابلات في مستشفيات الولادة أو في المستشفيات العامة، تسهم في تقليل مخاوف الولادة وآلامها لكنها تسمح أساساً "بالتعوّد على هذا التناقض المتأصل في معنى الأبوة والأمومة؛ أي الحاجة إلى الثقة في الحياة من جهة، والوعي أن كل شيء ممكن الحدوث من جهة أخرى.

هذا القلق يعزّز "إبداع" الوالدين؛ لأنه يدفعهما إلى التعمّق في فهم مخاوفهما ويحفزهما على إيجاد الموارد التي يمكن أن يعتمدا عليها لتجاوز ذلك. لذا بدلاً من المسارعة إلى طمأنتهما، يجب أن يُترك لهما الوقت لممارسة هذا الاستبطان؛ أي ذلك التفكير العميق في مشاعرهما، وتقديره من خلال ملاحظاتنا الإيجابية: "أنتما على حق، وهذا القلق لم ينتهِ بعد، فهذه هي الأبوة والأمومة".

تجربة شخصية: "لم أعد كما كنت"!

تقول ميسون التي تبلغ 37 عاماً من العمر، وتعمل موظفة في إحدى الإدارات، وهي في الشهر الرابع من حملها الأول:

"عرفت بسرعة أنني حُبلى، لقد شعرت بذلك. كانت علاقتي الحميمية مع زوجي مفعمة بالمشاعر، ثم انتابني شعور خاص وتلقيت الخبر بسعادة بالغة، واليوم أجد صعوبة في متابعة التحولات التي تطرأ على جسمي، أشعر بالنعاس والجوع ثم فجأة أشعر بالغثيان. يقول لي الناس إنه أمر طبيعي؛ لكن عندما ينتابني ذلك لا أستطيع التريث للتفكير فيما يحدث لي. حكت لي والدتي إنني عندما كنت رضيعة لم يكن لديها ما يكفي من الحليب لترضعني وكنت أصرخ من الجوع. أشعر وكأنني أعيش هذا المشهد من جديد. الجوع يخيفني، والطعام يطمئنني. لا أنام جيداً بالليل، وتنتابني أفكار سوداء. لم أعد كما كنت؛ لم أعد تلك المرأة التي عرفتها منذ 37 سنة. أشعر أحياناً وكأنني كائن متحول يضمّ في أحشائه كائناً فضائياً. صور الفحص بالموجات فوق الصوتية تبعث الطمأنينة في نفسي".

"أتذكر أنني اندهشت في البداية عندما شاهدت الجنين وخاطبته في نفسي: "ها أنت ذا!". وجدته جميلاً جداً، ومجسداً لروعة الخلق في صورة مصغّرة. عندما أضعف قليلاً فإن صورة الجنين تقوّيني، وفي بعض الأحيان ألوم نفسي على الشعور بعدم الارتياح، ولا أرى نفسي مرحّبة بما يكفي بمولودي، وكذلك فإن مظاهر السمنة في جسدي تذكّرني بعُقدي النفسية في المراهقة. زوجي يعجبه جسمي وهذا جيد لي؛ بينما يخيفني منظر البطن المشدود والمزرقّ لدى النساء اللواتي تَقدّمن أكثر في حملهن. لا يمكنني التفكير بعد في عملية الولادة لأنها ما زالت بعيدة، وأنا ما زلت لم أصدق بعد أنني حُبلى، كثيراً ما أنظر إلى زوجي وأقول له: "هل تصدق هذا؟ سننجب طفلاً!"، وعلى الرغم من ذلك تغلبني عواطفي ثم تجتاحني مخاوف أخرى لأنني أريد أن أكون أكثر تفوقاً من الناحية المهنية. أحسّ كما لو أن هذا الحمل يدفعني أكثر لمواجهة تلك الشخصية البالغة التي كنت أحلم بها، وأن كل شيء يتجدد باستمرار".

المحتوى محمي