كيف يؤثر الصوم في الصحة النفسية؟

3 دقيقة
الصوم

لطالما كان الصوم يُمَارس كنهج بشري يتمحور الغرض منه في أغلب الأحيان حول تعزيز مهارات الانضباط الذاتي، أو تهذيب النفس، أو حتى التعبد في ديانات عديدة.
فعلى سبيل المثال؛ ينتظر ما يزيد عن نحو مليار وستمائة مليون مسلم صوم شهر رمضان -الشهر التاسع من السنة الهجرية- في كل عام، حسب إحصاءات ستاتيستا (Statista) المنشورة نهاية عام 2020.

وفي نفس الوقت، فذلك الشهر المليء بالروحانية يتسم بانتشار التراحم والعطاء ومشاعر الإخاء. وتتفق مع ذلك أيضاً إحصاءات "ستاتيستا" ذاتها؛ حيث يشعر نحو 20.7% من المسلمين بأنهم أكثر سخاءً في أثناء شهر رمضان.

ولا يفوتنا ذكر أن الصوم يُمثِّل جانباً مهماً من الثقافات القديمة والحديثة؛ حيث يمارسه ملايين البشر سنوياً بأساليب متنوعة، ولذا، فمن المتوقع أن العلم الحديث لم يخلُ من التجارب البحثية التي درست أثر الصوم في الصحة عموماً والصحة النفسية على وجه الخصوص.

دعونا نتعرف معاً على الصوم وبعض أنواعه المنتشرة، وأثرها في الصحة النفسية، وكيفية تحسين تجربة الصوم لتُعزّز صحتنا العامة وتجعلنا قادرين على تحقيق أعلى مستويات النفسية.

ماهية الصوم وأنواعه

عَرَّف الباحثون الصوم في دراسة أميركية حديثة نُشِرَت عام 2018 لصالح دار "سبرنغر نيتشر" (Springer Nature) الرائدة في البحث العلمي؛ حيث يشمل كل تلك الممارسات التي يتم فيها تقييد استهلاك الطعام أو الامتناع عنه لفترة زمنية محددة.

وحسب وصف العلماء في الدراسة ذاتها؛ تُعزِّز هذه الممارسات توجيه الجسم إلى استخدام احتياطياته من الطاقة كمصدر أساسي للقيام بأداء وظائفه دون التسبب في حالات من الجوع أو سوء التغذية.

ويشتهر الصوم في العادة بالتناوب بين فترات من الأكل وفترات من الامتناع عنه، وهو ما قد يسميه بعض المختصين بالغذاء والتغذية "الصوم المتقطع"، نتيجة تضمّن هذه الممارسات على دورات متكررة متتابعة من الصوم.

بعض أنواع الصوم الصحي

بحسب كليفلاند كلينيك، فقد تكون تجربة الصوم مستدامة للبعض منّا، وقد لا تكون كذلك على حد وصف مختصة التغذية آنا تايلور. ومن الممكن تقسيم بعض من ممارسات الصوم المنتشر في الوقت الحالي على النحو التالي:

  • الأكل المقيَّد بوقت محدد مثل طريقة 16/8 أو 14/10: بحيث يمتنع الصائم 14 ساعة أو 16 ساعة في اليوم عن الأكل، وتكون لديه نافذة لتناول الأكل محددة بـ 8 ساعات أو 10 ساعات فقط. وتُعتبر هذه الطريقة شائعة، لأن معظم الناس يصومون بالفعل في أثناء نومهم.
  • طريقة الصوم مرتين في الأسبوع أو ما يسمى "طريقة 5/2": حيث تُقيَّد عدد السعرات بنحو 500 سعرة حرارية لمدة يومين في الأسبوع، مع المحافظة على نظام غذائي صحي وطبيعي خلال الأيام الخمسة الأخرى.

وبطبيعة الحال؛ تختلف ممارسات وأساليب الصوم حسب المدة والكيفية وعدد السعرات الحرارية ونوع الأكل والنشاط البدني المصاحب له.

أثر الصوم في الصحة النفسية

في دراسة حديثة نُشِرَت عام 2019 بالتعاون بين جامعة الكويت وكلية كينغز لندن البريطانية، لاحظ الباحثون انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الاكتئاب بين مرضى السكري المشاركين في الدراسة، وذلك حسب ما أظهرته درجات استبيان صحة المرضى (PHQ-9)، والتي سُجِّلت قبل وبعد شهر رمضان.

كما وجدت دراسة أخرى نُشِرَت عام 2021 أن تقييد فترة التغذية اليومية يرتبط بانخفاض علامات اضطراب الصحة النفسية والعقلية لدى الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 70 عاماً، حسب وصف فريق بحثي من جامعة كاتانيا الإيطالية.

فوائد الصوم للصحة النفسية

في حديثه لمنصة ويب إم دي (WebMD)، يخبرنا الدكتور دان برينان أن للصوم فوائد من شأنها تعزيز الصحة النفسية؛ ومنها:

  • تحسين أداء الوظائف النفسية والعقلية -لدى بعض الأشخاص: فعندما يصوم الإنسان يوفر بعضاً من طاقة الهضم، وأيضاً يقل تُدفُّق المواد السامة عبر الدم والجهاز الليمفاوي؛ ما يسهل من عملية التفكير. فبعد أن يتخلّص الجسم من السموم، يستطيع العقل الوصول إلى مجرى دم أنظف؛ ما يؤدي إلى أفكار أوضح وذاكرة أفضل وزيادة في حدة الحواس جميعها.
  • زيادة قوة الإرادة الشخصية، حيث يتطلب الصوم من الإنسان قوة ذهنية وقدرة على مقاومة إشباع الغرائز والرغبات قصيرة المدى لتحقيق بعض الأهداف طويلة المدى، وذلك الاختيار من شأنه أن يُشعِر الصائم بمشاعر مرتفعة من الرضا والإحساس المتجدد بالإنجاز.
  • يعزز عمليات التشافي المختلفة، فالصوم يضع الجسم في حالة تَجدُّد تذوب فيها الخلايا المتهالكة في حين تحصل الأنسجة السليمة على كل الاهتمام.

ماذا عن صوم رمضان؟

في المجمل؛ عندما يرتبط الصوم بتجارب روحانية ومعتقدات دينية قوية، فيمكن ملاحظة عدد من التغيرات الإيجابية التي تشمل زيادة في التحكم بالحالات المزاجية والإرادة الشخصية، حسب وصف دراسة صينية حديثة نشرتها جامعة بيهانق مطلع العام الجاري.

ومن الدراسة ذاتها؛ يستدل العلماء بإحدى الدراسات التي حللت بيانات الصائمين في رمضان مع آخرين؛ حيث تشير النتائج إلى أن هناك تأثيراً إيجابياً لصوم رمضان على الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق والتوتر.

في الختام؛ يدفعنا الصوم إلى تحويل تركيزنا نحو التفكر والتعمق في النفس أكثر مع تقوية الإرادة الشخصية والانضباط الذاتي؛ بحيث نُحجِّم الرغبات والغرائز وأهمها الرغبة في الأكل أو الشرب، ويرتبط الصوم عادةً بعدد من العوامل التي تثري تجربته وتجعل له أثراً إيجابياً على النفس والجسد!

المحتوى محمي