النرجسية في بيئة العمل: كيف أتعامل مع مديري النرجسي؟

4 دقائق
كيف أتعامل مع مديري النرجسي

تحفل بيئة العمل بعدد من التحديات التي يجب على الفرد أن يُحسن التعامل معها ويقوم بإدراتها بشكل صحيح، ذلك لأنها تؤثِّر على مدى الكفاءة في العمل، وكذلك الصحة النفسية بشكل عام. من ضمن هذه التحديات، علاقة الموظفين بمدرائهم؛ والتي إن كانت داعمةً كان لها أثر إيجابي على التقدّم في العمل، أما إذا نَقص هذا الدعم وحلَّ محلَّه الاستغلال وانعدام الثقة؛ يُشكِّل ذلك ضغطاً نفسياً ويجعل من الصعب التأقلم مع بيئة العمل.

إذاً ماذا لو كان هذا الأسلوب في التعامل؛ كالاستغلال ونقص الدعم، متأصِّلاً لدى مديرك نظراً لأنه شخصية نرجسية، تلك الحالة التي يتملّك الفرد فيها شعوراً مبالَغاً بأهميته، فضلاً عن حاجة عميقة إلى جذب الاهتمام والإعجاب، كيف ستتعامل حينها مع مديرك النرجسي؟

النرجسيون والإدارة

بحسب بحث هدف لدراسة مدى الارتباط بين بيئة العمل والصحة النفسية للموظفين، فإن أحد أهم أسباب ترك الموظفين لوظائفهم بشكل متكرر، بجانب عبء العمل الذي لا يمكن تحمّله، والمعاملة غير العادلة؛ هو مدراؤهم.

ولما كان هناك ارتباط وثيق بين الشخصية النرجسية والسعي نحو تقلُّد المناصب الإدارية العليا، لرغبتهم المُلحّة في إشباع ذواتهم التي يرونها عظيمةً، فكثيراً ما تعجّ تلك المناصب القيادية بالشخصيات النرجسية، لأنهم دائماً ما يسعون لتعزيز شعورهم بالإنجاز.

لماذا يعاني الموظفون من مدرائهم النرجسيين؟

تُشكِّل الميول النرجسية للمدراء مشكلةً رئيسيةً في علاقتهم بموظفيهم. من ضمن صفات المدير النرجسي التي تؤثِّر سلباً على علاقته بموظفيه:

  1. شعور كبير بأهمية الذات، فتجده يبالغ في إنجازاته ومواهبه، ويتوقَّع أن يعترف الآخرون بذلك دون أن تكون تلك الإنجازات على مستوىً عالٍ.
  2. الانشغال بأوهام النجاح اللامحدود، أو السلطة، أو التألُّق على حساب الآخرين.
  3. السعي الدائم للحصول على الإعجاب المفرط من الآخرين.
  4. الشعور المُتأصِّل بالاستحقاق؛ أي أنه يتوقع معاملةً تفضيليةً بشكل خاص، وامتثالَ الآخرين لتوقعاته.
  5. استغلال الآخرين لتحقيق أهدافه ومكاسبه الشخصية.
  6. إظهار سلوكيات أو مواقف مُتَعجرِفة ومُتَغطرِسة. 

على الرغم من ارتكاز الشخص النرجسي حول ذاته واعتبار نفسه أنه أكثر أهميةً وموهبةً وجاذبيةً من غيره؛ إلا أنه في حقيقة الأمر يفتقد الشعور بالأمان، ولديه حاجة قوية لرؤية إعجاب الآخرين به، لذلك فهو يسعى دائماً للتحقق من صورته الذاتية المتضخمة من خلال تأكيد الآخرين على ذلك.

ذلك النوع من الإدارة الذي يفرضه المدير النرجسي، يهدف في الأساس لخدمة أهدافه الشخصية، وتعزيز الصورة الذاتية، وإخفاء أوجه القصور الشخصية. أيضاً، تشمل تلك الإدارة إلحاق الضرر بالمرؤوسين، والتنمر عليهم، وإلحاق الأذى النفسي بهم، والمعاملة التعسُّفية لهم.

كذلك، فالإفراط في ممارسة السيطرة وكسر القواعد لخدمة أغراض المدير الخاصة هي أشياء متكررة تصف المدراء "السيئين" وتتوافق مع أنواع الشخصية النرجسية.

الافتقار لأساس العلاقات الجيدة 

يعتمد النرجسيون بشكل كبير على العلاقات الإيجابية مع بيئتهم لكي يستمدوا منها تأكيداً مستمراً على تفرّدهم؛ لكنهم في الوقت ذاته يفتقرون إلى الاهتمام بالآخرين من أجل الحفاظ على تلك العلاقات على المدى الطويل. فعلى الرغم من أنهم قد يتركون انطباعاً جيداً في البداية ويسعون لإظهار ميول لإدمان العمل ما يجعلهم يترقون في السلم الوظيفي سريعاً؛ إلا أنهم قد لا يكونون مناسبين للمناصب القيادية، ذلك لأن القيادة الفعًّالة تتطلب تطوير علاقات تعاونية ومتبادلة وموثوقة مع الآخرين.

كذلك، فعامل الثقة الذي يُشكِّل محوراً أساسياً للعلاقات الجيدة والمستدامة، يكون منتزعاً من العلاقة مع المدير النرجسي، فسلوكه الأناني وتجاهل الآخرين واحتياجاتهم يدفعه لعدم الوثوق بهم؛ ما يؤثر سلباً على أساس علاقته بموظفيه.   

في دراسة حديثة نُشرت نتائجها في مجلة علم النفس المهني والتنظيمي، حول نرجسية المدير وتأثيرها السلبي على بيئة العمل وكفاءة عمل المؤسسة، توصّل الباحثون إلى أن المدراء ذوي المستوى العالي من النرجسية، يخلقون ظروفاً تدفع الموظفين للتغاضي عن المخالفات بشكل غير مباشر، وتؤثر سلباً على صحتهم النفسية.

إن تفضيل المدراء النرجسيين لمصالحهم الخاصة على حساب مصالح الآخرين، يجعل الموظفين يشعرون بعدم الأمان، والخوف من التعبير عن أنفسهم علانيةً؛ ما قد يدفعهم لالتزام الصمت؛ الأمر الذي يؤدي بدوره لنتائجَ سلبية مثل انخفاض التزام الموظف والرضا الوظيفي، وزيادة معدلات التوتر والاكتئاب. وذلك الصمت حول أمور هامة في العمل ربما يضر بكفاءة العمل والمؤسسة.

هنا يتجلّى تناقض آخر في الشخصية النرجسية، فعلى الرغم من أنهم يعيشون بافتراض أنهم لا يستطيعون الاعتماد بشكل موثوق على حب أي شخص أو ولائه؛ إلا أنهم في نفس الوقت يحتاجون إلى الآخرين لتأكيد شعورهم بـالسلطة، والمكانة، والهيبة والتفوق.

كيف أتعامل مع مديري النرجسي؟

على الرغم من وجود بعض الصعوبات في التعامل مع المدير النرجسي؛ إلا أن الأمر ليس مستحيلاً. في البداية؛ يجب أن تضع في اعتبارك أنه إذا لم تتم تلبية توقعات مديرك النرجسي، فستبدأ في ملاحظة الحالة المزاجية السيئة، والانفعالات، وربما الغضب تجاه أي شخص يعتبره مرؤوساً.

مع أن هذا الغضب المفرط يكون غير مُبَرّر؛ إلا أنه قد يُضعف من تركيزك في العمل وكذلك إنتاجيتك، ويجعلك تبدأ في الشك في عملك وقدرتك في الحصول على ترقية أو حتى الحفاظ على المنصب الذي تشغله.

حتى تستطيع أن تتعامل مع مديرك النرجسي بصورة إيجابية، مع تجنب التساؤلات والشكوك حول كفاءتك في العمل؛ إليك بعض النصائح:

  1.  ركِّز على منظورك الشخصي لإنجازاتك وكن دليل نفسك لتقييم عملك.
  2. احتفظ بالوثائق والبيانات التي تدعم إنجازاتك وتوثيقها كي ترد على أية انتقادات تجاه عملك بشكل تفصيلي. سيساعدك ذلك في عدم التراجع عن الأهداف المستقبلية.
  3. حاول أن تُجري اتصالاتك الخاصة مع القادة الآخرين في مكان العمل دون إطلاع مديرك النرجسي على ذلك، فهو قد يشعر سريعاً بالإهانة والغضب؛ إلا أن ذلك الأمر شديد الأهمية لتحقيق أهدافك.
  4. كن على يقين أنك حين تقوم بالعمل الجاد سيؤمن الآخرون بك أيضاً؛ حيث يخلق ذلك جوّاً من الثقة بالنفس يلاحظه الآخرون ويعزز احترامك لذاتك.
  5. شارك مع أحبائك أو آخرين ممن تثق بهم ما تمر به؛ حتى تتعرَّف على وجهات نظر صحيحة حول عملك وشخصيتك وأهدافك المستقبلية. ستساعد كلماتهم على مواجهة ما تسمعه من تعليقات غير حقيقية من مديرك النرجسي في العمل.
  6. حافظ على احترامك لذاتك، فأنت لا تحتاج إلى التقليل من نفسك وأخذ تعليقات مديرك ومعاملته كما لو كانت مُستَحَّقة.

وأخيراً؛ تذكر دائماً أنك تتعامل مع مدير ضعيف، يحمل دون وعي الكثير من مشاعر الدونية التي يقاومها بانتظام بهذا السلوك السُلطوي والمُتَعجرِف. إن معرفة أن رئيسك في العمل هو بطبيعته أكثر ضعفاً مما أنت عليه، سوف يعيد ضبط فهمك لما يجري مع مرور الوقت.

المحتوى محمي