ملخص: بمناسبة حملة أكتوبر/تشرين الأول الوردي للتوعية بسرطان الثدي، إذا كان السرطان يولّد معاناة نفسية فمن المهم أن يحافظ المريض على معنوياته كي يتمكّن من هزم هذا المرض. تكشف مؤلفة كتاب "تباً للسرطان" (Fucking Cancer)، فلور هانا، أن روح الدعابة هي سرّ معنوياتها العالية، فكيف نصمد عندما نمرّ بتجربة صعبة مثل تجربة المرض؟
على الرغم من صعوبة الحفاظ على الثبات والمزاج الجيد عندما نتعرّض إلى الإصابة بالسرطان، فإن الجانب النفسي يمثل شقاً مهماً من عملية التعافي. بعد تشخيص إصابتها بسرطان الثدي في سنّ الثانية والثلاثين، نجحت مؤلفة كتاب "تباً للسرطان"، فلور هانا (Fleur Hana)، في الحفاظ على حماسها ورغبتها في الحياة بفضل روح الدعابة التي تتميز بها. وتمثّل السخرية من النفس والتهكم اللذين وظّفتهما كثيراً في كتابها، سرّ انتصارها على مرض سرطان الثدي. في هذا الحوار، تكشف هانا جوانب مهمة من تجربتها وصراعها مع مرض السرطان، وقصة الانتصار الذي حقّقته على هذا المرض الخبيث.
نفسيتي: وظّفتِ في كتابك الكثير من أساليب السخرية من النفس والتهكّم عليها. ما الدور الذي لعبته روح الدعابة في معركتك ضد السرطان؟
فلور هانا: أدّت روح الدعابة دوراً كبيراً في شفائي، وساعدتني بصفة يومية على صياغة المنشورات التي كنت أشاركها مع القرّاء في مدونتي. لقد سمح لي ذلك بالتأمل قليلاً وتجنّب الشعور بالأسف، ولا سيّما أن بعض القراء الذين عاشوا التجربة نفسها كانوا يبعثون إليّ رسائل شكر لأنني أعدت الابتسامة إلى وجوههم. وعلى الرغم من أنها ابتسامة ناتجة من سرد بعض المواقف السخيفة، فإن الهدف تحقّق في نظري.
نحن في حاجة إلى الضحك وتأمل الموقف، وعندما اكتشفت ذلك التفاعل اعتقدت بأنه من المهم تحويل المدونة إلى مشروع أكبر؛ أي إلى هذا الكتاب الذي ألّفته. فكلما زادت الشهادات المماثلة لتجربتي، زادت فرصة تبادل النصائح المفيدة للمرضى مثل نصيحة ارتداء السراويل اللاصقة خلال الخضوع إلى فحوص الرنين المغناطيسي.
وأود أن أشيد بالعمل الذي أنجزته الرسامة التي عملت معي؛ حيث ساعدتني على توظيف الجانب الفكاهي كما كنت أتصوره. لقد ركزتْ على المواقف التي تقلّ فيها الجدية في موضوع غير سهل لكننا نجحنا في تحويله إلى مادة سخرية، ونحن نعرف فوائد الضحك في حياتنا اليومية ودوره في إفراز هرمونات مفيدة، وتزيد أهمية الضحك عندما نعاني المرض.
تساعد روح الدعابة، في اعتقادي، على التمتع بمعنويات جيدة بنسبة 50%، ودُونها لم أكن لأتمتع بهذه المعنويات العالية التي شعرت بها خلال العلاج. لقد ساعدني ذلك على وضع الأمور في سياقها، صحيح أنني "واجهت وقتاً عصيباً؛ لكنني ما زلت على قيد الحياة".
نفسيتي: حتّى إذا كانت روح الدعابة قد ساعدتك كثيراً، هل استفدت من متابعة نفسية؟
فلور هانا: خلال جلسات العلاج اليومية، ولا سيّما بالأشعة، اقترح عليّ مسؤولو المستشفى الخضوع إلى متابعة نفسية. التقيت بالطبيبة النفسية التي رأت أن العلاج النفسي غير مفيد في تلك المرحلة، ونصحتني بالعودة لرؤيتها لاحقاً. وكانت على صواب لأنني كنت في هذه اللحظة على ما يرام، ولم تبدأ نوبات الذعر التي شعرت بها إلا فيما بعد. شعرت بالقلق بسبب الأعراض، فاستشرت طبيباً عاماً أخبرني بأن الحاجة إلى المتابعة النفسية أمر شائع بعد الإصابة بالسرطان. ومرة أخرى، بحثت شخصياً عن طبيبة نفسية مناسبة أعطتني أدوية مضادة للاكتئاب.
نفسيتي: ما الذي ساعدك على التحسن أكثر خلال هذه الجلسات العلاجية؟
فلور هانا: ساعدني بعض التمرينات العلاجية المستخدَمة لتجاوز حالات الحداد والحزن؛ مثل البرمجة اللغوية العصبية والتنويم اللذين يؤثران في اللّاشعور. وركّزنا كثيراً على فكرة تقبّل المرض. كنت أردّد: "صحيح أنني أصبت بالسرطان لكنه لن يحدد مستقبل حياتي كلّها".
ثم إننا نعتقد أحياناً بأن السرطان سيظل جزءاً من حياتنا، فنراه مثل سيف مسلَّط على رقابنا (بالإضافة إلى الخوف من الموت الذي نشعر به جميعاً). ونشعر أننا في حالة تأهب مستمرة بسبب الخوف الذي يلازمنا؛ الخوف من عودة السرطان حتّى عندما تكون الأمور على ما يرام.
وحتّى عندما يخبرني الطبيب بتقدّم إيجابي في العلاج بعد المراقبة الطبية، أقول في نفسي: "هذا صحيح، ومع ذلك فقد يعود السرطان من جديد". لكن في لحظة من اللحظات، يجب أن نطوي الصفحة ونؤمن بأن خطر احتمال عودة السرطان أقلّ ربّما من احتمال الموت بسبب حادثة سير.
بعض التمرينات الأخرى مثل الانفصال والتصور المرئي، أدت دوراً مهماً في تقبّل المرض. في تمرين الانفصال مثلاً، كان عليّ أن أتدرب على محاسبة شخصية فلور التي أُصيبت بالسرطان وفلور التي لم تعد مصابة به، وقد كان تمريناً ممتعاً.
وفي تمرين التصور المرئي، كان عليّ أن أتخيل صورتي في المستقبل وأنا بصحة جيدة دون خوف.
وقد انتهت المشكلة بمجرد أن تقبّلت فكرة خوفي المستمر من أن يكون السرطان جزءاً من حياتي. لم أكن أفهم أنني سأشعر بذلك باستمرار، فلا أحد نبّهني إلى هذا الأمر.
نفسيتي: هل استخدمت علاجاً بالأدوية إلى جانب العلاج النفسي؟
فلور هانا: نعم، استخدمت الأدوية المضادة للاكتئاب التي كانت مثل العكاز الذي أتكئ عليه. تناولتها مدة سنتين نظراً إلى نوبات الذعر التي كنت أشعر بها بسبب توهّم المرض، فقبل أن أدرك مثلاً أن ما أشعر به في ركبتيّ سببه التهاب المفاصل، كان الألم يدفعني إلى الشعور بالهلع ويذكّرني بالسرطان.
لذا؛ تناولت هذه الأدوية ثم توقفت عن استخدامها بعد ذلك، عندما اعتقدت أنني بخير. لكنه كان توقّفاً فجائياً مضراً، فاضطررت إلى تناولها من جديد مؤخراً بعد أن طويت صفحة الماضي. واليوم دخلت مرحلة التخلّص من إدمان هذه الأدوية. بدأت أتناول كميات أقلّ من مضادات الاكتئاب لأنها تساعدني على النوم مساء،
وأودّ أن أؤكد شخصياً إنه يجب ألّا نخاف إدمان مضادات الاكتئاب؛ يجب فقط أن نعتبرها عاملاً مساعداً ما دمنا نفعل ما يلزم كي نحسّن حالتنا الصحية. هذه الأدوية تمكّن المريض من رفع معنوياته لمكافحة المرض، وقد أخبرني الأطباء المختصون في السرطان إن التعافي من هذا المرض يعود بنسبة 50% إلى الجانب النفسي.
نفسيتي: ما الذي أضافته إليك تجربة الإصابة بالسرطان؟
فلور هانا: أولاً التقيت بنساء أثّرن في تجربتي. المرأة الأولى لم أعد على اتصال بها اليوم لكنّ دورها كان مهماً بالنسبة إليّ حينها. كنّا في العمر نفسه ونعاني نوعية السرطان ذاتها وكانت أيضاً أماً لطفل في سنّ ابني. عندما التقيتها كانت قد أنهت علاجها بينما كنت قد بدأته للتو، وقد أفادتني كثيراً بعد أن طرحت عليها الكثير من الأسئلة وتحدثت إليّ بانفتاح عن تفاصيل العلاج كلّها، ولا سيّما أننا كنّا نعاني المرض نفسه. تعرفت أيضاً إلى سيدة أخرى وصديقة وكاتبة مثلي.
كانت علاقتنا مفيدة للغاية لأننا بُحنا بكلّ شيء دون محرمات. كنّا نمرّ بالتجارب نفسها ونخضع إلى الفحوص ذاتها في التوقيت نفسه تقريباً. وكان من المفيد أيضاً التحدّث عن الإجراءات الطبية كلّها دون حاجة إلى شروح لأننا كنّا مطلعين عليها معاً. لقد كانت هذه المرأة صمام أمان بالنسبة إليّ.
وعلاوة على هذه اللقاءات مع هؤلاء النسوة، فإن المرض أضاف إلى حياتي رؤية مختلفة إلى الحياة. أصبحت أكثر اهتماماً بما يجري من حولي وأكثر جرأة على تجربة أشياء جديدة، وهناك فعلاً فرق بين ما قبل السرطان وما بعده. لقد أسهم السرطان في بناء الشخصية التي أتمتع بها اليوم، وأنا أفضّلها على شخصيتي السابقة.
نفسيتي: هل من المهم أن يكون المريض محاطاً بأشخاص يعانون المرض نفسه أم إن ذلك يزيد الضغوط عليه؟
فلور هانا: هناك مزيج من الأمرين. من المهم أن يكون حول المريض أشخاص يساعدونه؛ لكنني شخصياً لم أكن مثلاً أتصفح المنتديات أو مجموعات الدردشة للالتقاء بالمزيد من الأشخاص المرضى مثلي. يقترح بعض الجمعيات على مرضى السرطان دروساً رياضية؛ لكنّني لم أشارك فيها أبداً لأنني كنت أرغب في الابتعاد عن أجواء المرض وعيش حياة يومية بعيدة عن السرطان.
كان المرض يحتلّ أصلاً مساحة كبيرة في حياتي ورفضت أن أظل عالقة في هذا الموقف أو تُختزل حياتي كلّها في معاناتي مرض السرطان. في المقابل، أقدّر صمّام الأمان الذي مثّله تواصلي المنتظم مع أصدقائي؛ هذا التواصل الذي كان يضبط إيقاع حياتي.