ملخص: لا أذكر عدد المرات التي قرأت فيها هذا السؤال في المجموعات المغلقة؛ إحداهن على علاقة عاطفية بشخص نرجسي وتسألنا هل يمكن أن يتغير الشخص النرجسي؟ تحاول بالطرائق كافةً أن تجد سبيلاً حتى تظل معه، وفي الوقت عينه، لا تخسر نفسها. وأحياناً، تتساءل أخرى السؤال ذاته لأن والدتها نرجسية، والحقيقة أني حاولت، من خلال هذا المقال، الإجابة عن السؤال السابق.
محتويات المقال
هل هناك شخص مهم في حياتك نرجسي؟ سواء أكان شريكك أم أحد والديك أم رئيسك في العمل، إذا كان الأمر كذلك، فمن المؤكد أنك تتساءل على نحو مستمر: هل يمكن للشخص النرجسي أن يتغير؟ الحقيقة أننا نستخدم مصطلح "نرجسي" على نحو عَرَضيّ لوصف الأشخاص الذين يحبون أنفسهم على نحو مفرط أو مهتمين بحياتهم الخاصة جداً. ومع ذلك، من المهم أن نفهم أن هناك فرقاً كبيراً بين الشخص الذي لديه ميول أو سمات نرجسية عرضية، وبين المصاب باضطراب الشخصية النرجسية (NPD)، فما الفرق بينهما؟ وهل يمكن أن يتغير النرجسي؟ الإجابة في هذا المقال.
ما هو اضطراب الشخصية النرجسية (NPD)؟
ثمة شخصية في الأساطير اليونانية القديمة اسمها "نرجس" (Narcissus)، وهو شاب جميل ومغرور وقع في حب انعكاس صورته على المياه وأهدر حياته بسبب التحديق في نفسه. ومن اسمه، جاء مصطلح "النرجسية" الذي يشير إلى الاستغراق في حب الذات، وعُرّفت النرجسية لأول مرة على أنها اضطراب نفسي في عام 1898 من قبل الطبيب البريطاني هافلوك إليس (Havelock Ellis).
واضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic personality disorder NPD) هو حالة نفسية معقدة تؤثر في شخصية الفرد طوال حياته؛ حيث تجعله يسعى إلى جذب اهتمام الآخرين ونيل إعجاب الناس كلهم، وعادة ما يفتقر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب القدرةَ على فهم مشاعر الآخرين أو الاهتمام بها.
13 علامة لاضطراب الشخصية النرجسية
وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الصادر عن الجمعية الأميركية للطب النفسي (DSM-5)؛ هناك بعض العلامات التي تظهر على الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية النرجسية وهي:
- تضخُّم الشعور بقيمة الذات.
- الرغبة المفرطة في الحصول على إعجاب الآخرين.
- الشعور المبالغ فيه بالاستحقاق.
- الاعتقاد بأنهم متفوقون على الآخرين ولا يمكنهم قضاء الوقت إلا مع أشخاص مميزين.
- الإحساس بأنهم يستحقون معاملة خاصة من الآخرين.
- استغلال الآخرين للحصول على ما يريدون.
- عدم القدرة أو عدم الرغبة في التعرف إلى احتياجات الآخرين ومشاعرهم.
- عدم التعاطف مع الآخرين وانتقادهم على نحو مستمر.
- الشعور بالغضب عندما لا يلبي الناس احتياجاتهم أو يسترضونهم.
- تكوين صداقات أو علاقات مع الأشخاص الذين يعززون احترامهم لذواتهم أو مكانتهم.
- الشعور بالحسد تجاه الآخرين، وبخاصة عندما يكون الآخرون ناجحين.
- تضخيم إنجازاتهم والتقليل من إنجازات الآخرين.
- فرط الحساسية للنقد أو الرفض أو الفشل.
اقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية النرجسية: 9 علامات تحذرك من الوقوع ضحية للمصابين به
هل يمكن أن يتغير الشخص النرجسي؟
لا توجد إجابة بسيطة بـ "نعم" أو "لا" عن هذا السؤال؛ حيث يعتمد الأمر على المكان الذي يقع فيه هذا الشخص بالضبط في طيف النرجسية؛ أولئك الذين يقعون ضمن النطاق الخفيف إلى المعتدل في طيف اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) يكونون أكثر تقبلاً للتغيير؛ أما الذين يملكون أعراضاً شديدة من أعراض هذا الاضطراب فعادة ما يكونون أقل عرضة إلى الاستجابة للعلاج على نحو إيجابي، فكل حالة فريدة من نوعها، ومن الضروري تقييم رغبة الفرد وقدرته على التغيير. والحقيقة أن هناك بعض العوامل التي يمكن أن تؤثر في قابلية الشخص النرجسي للتغيير؛ وهذه العوامل هي:
- النرجسية والإساءة النفسية: اكتشاف الشخصية النرجسية التي تتعامل معها على نحو مستمر أمر بالغ الأهمية؛ وذلك لأن الشخصيات النرجسية يمكن أن تستخدم الإيذاء العاطفي أو الجسدي أو المالي للتلاعب بضحاياها من أجل الحفاظ على السيطرة في العلاقة. لذلك؛ لن تنجح أساليبك المنطقية أبداً في إقناع الشخص النرجسي المسيء بالتفكير في التغيير، ومن غير المرجح أن يؤدي التوسل إلى النرجسي من خلال إخباره بمدى تسبب سلوكه في الألم إلى أي تغيير.
- درجة النرجسية: يمكن للأشخاص ذوي الميول النرجسية ممّن ليس لديهم اضطراب الشخصية النرجسية، أن يتغيروا باستخدام نهج العلاج النفسي الصحيح. وفي هذه الحالة، التغيير ممكن طالما أنهم يستطيعون التفكير خارج نطاق ذواتهم ويشعرون بالتعاطف مع الآخرين.
- إدراك الشخص نرجسيته: من أجل تغيير سلوكه، يجب على النرجسي أولاً أن يعترف بنرجسيته. ولكن في كثير من الحالات، لا يعتقد الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية بأن هناك شيئاً خاطئاً بهم؛ إنهم راضون تماماً عن الطريقة التي يتصرفون بها، وغالباً ما يعزون المشكلات في حيواتهم أو علاقاتهم، ليس إلى سلوكهم؛ ولكن إلى تصرفات الأصدقاء والأحباء أو مواقفهم.
كيف تعرف أن الشخص النرجسي منفتح على التغيير؟
غالباً يكون الشخص النرجسي غير قادر على رؤية سلوكياته المؤذية، وهذا يمكن أن يجعل التغيير الحقيقي مستحيلاً، فلكي يتغير الشخص، عليه أن يدرك أن لديه مشكلة تحتاج إلى حل. وفي هذا السياق، تؤكد الطبيبة النفسية إلينور غرينبيرغ (Elinor Greenberg) إنه ليس بالضرورة أن يكون النرجسيون كلهم قادرين على التغيير، وفيما يلي بعض الإشارات التي يمكن أن تخبرك بأن النرجسي منفتح على التغيير:
- المبادرة بعملية التغيير: يجب على النرجسي أن يأخذ زمام المبادرة لتغيير سلوكه السلبي، ويجب عليه أن يعترف بأن سلوكهم المختل أو المسيء هو مصدر المعاناة وأن يُظهر الدافع إلى التغيير؛ كما يجب أن يختار بوعي دون أي ضغوط لأنه يعتقد بأنه قادر على تغيير سلوكه.
- الاعتراف بأخطائه: عادة لا يعترف النرجسي بأخطائه أبداً، وفي الكثير من الأحيان، قد يقلل من مدى الأذى الذي يسببه للآخرين أو يبرره أو ينكره تماماً. ولذلك؛ إذا حدث وتحمل الشخص النرجسي مسؤولية أفعاله واعترف بخطئه فهذه علامة جيدة؛ حيث يتطلب الاعتراف بالخطأ التواضع ومراعاة مشاعر الآخرين.
- الاستماع إلى تعليقاتك: كثيراً ما يبالغ النرجسيون في ردود أفعالهم تجاه ردود الأفعال السلبية، الحقيقية أو المتصوَّرة. ونتيجة لذلك؛ قد يصبحون مسيئين لفظياً، أو عنيفين، أو عدوانيين. فإذا كان الشخص النرجسي يستمع حقاً إلى تعليقاتك دون اتخاذ موقف دفاعي، فهذه علامة إيجابية على التغيير.
- إبداء اهتمام حقيقي بالآخرين: يُعد الإنصات مهارة أساسية لبناء العلاقات مع الآخرين، ومع ذلك، غالباً ما يبني النرجسيين علاقات أحادية الجانب؛ حيث إنهم يقضون وقتاً مع الأشخاص الذين يقدرون احتياجاتهم أو يمنحونها الأولوية. ويحدث التغيير بمجرد أن يتمكنوا من الابتعاد عن الشعور بأنهم مركز العالم، فإذا لاحظت أنهم يبذلون جهداً حقيقياً في الاهتمام بالآخرين فهذه علامة إيجابية.
- تحسن مهاراتهم في التنظيم العاطفي: يتفاعل النرجسيين مع مشاعرهم من خلال النوبات العاطفية أو الغضب النرجسي؛ قد يصرخون ويبكون أو يصبحون عدوانيين من أجل لفت الانتباه والحصول على احتياجاتهم. وفي بعض الأحيان، ينخرطون في سلوكيات التدمير الذاتي؛ ومن ثَمّ إذا لاحظت قدرتهم على تحسين مهاراتهم في التنظيم العاطفي من خلال التسامح مع المشاعر الغير مريحة فقد يكون التغيير ممكناً.
- الاعتذار بصدق عند الانزلاق إلى السلوكيات القديمة: لسوء الحظ، الانتكاس أمر شائع مع أي مشكلة تتعلق بالصحة النفسية، فالإجهاد، والتغيرات في الروتين؛ عوامل يمكن أن تؤدي إلى مثل هذه الانتكاسات. ومع ذلك، فإن النرجسيين الذين يريدون التغيير لديهم نظرة ثاقبة إلى أنماطهم وتُمكنهم بسهولة معرفة ما إذا كانوا ينزلقون إلى سلوكيات غير مرغوب فيها، ونتيجة لذلك؛ سوف يعتذرون عن أخطائهم ويحاولون تصحيح عاداتهم بسرعة.
اقرأ أيضاً: النرجسية في بيئة العمل: كيف أتعامل مع مديري النرجسي؟
4 إرشادات عملية للتعامل مع الشخص النرجسي
يوضح استشارى الاضطرابات النفسية، عبد الله أبو عدس، إن الشخصية النرجسية لديها 3 محاور رئيسة وهي: التكبر والتعجرف، وقلة التعاطف مع الآخرين، والرغبة الملحة في الحصول على الثناء والإطراء من المحيطين على نحو متواصل؛ وهو ما يجعل العلاقة معهم مرهقة للغاية ويمكن أن تستنزفنا نفسياً. ولهذا؛ يجب التعامل بحرص مع هذا النمط من الشخصيات، وإليكم كيفية التعامل مع الشخص النرجسي:
- حافظ على حدود صحية ثابتة: وفقاً لما ذكره الطبيب النفسي كيتان بارمار (Ketan Parmar)؛ فإن الشخص النرجسي عادة ما يكون لديه شعور كبير بالاستحقاق ويتوقع معاملة خاصة من الآخرين، ولحماية نفسك من هذا الاستغلال فأنت بحاجة إلى وضع حدود صحية واضحة وثابتة. على سبيل المثال؛ يمكنك تحديد الوقت الذي تقضيه معه، أو رفض طلباته غير المنطقية.
- مارس الانفصال العاطفي: عند التعامل مع شخص نرجسي، قد تكون ممارسة الانفصال العاطفي مفيدة؛ وهذا يعني عدم السماح لسلوك النرجسي بالتأثير في مشاعرك. على سبيل المثال؛ لا تدع كلماتهم أو أفعالهم تؤثر في إحساسك بقيمتك الذاتية أو احترامك لنفسك.
- كن واقعياً بشأن توقعاتك: حين يكون لديك أصدقاء نرجسيون، من الضروري أن تكون واقعياً بشأن توقعاتك، فإذا كنت تتوقع التعاطف أو التفاهم فإنك تعرض نفسك إلى خيبة الأمل. ولذلك؛ اعترف لها بأنهم غير قادرين على تلبية هذه الاحتياجات وابحث عن طرائق لتحقيقها في مكان آخر.
- تجنب الصراع معهم تماماً: يحب النرجسيون الفوز بشدة؛ ولذلك لن يدعوك أبداً تتفوق عليهم في أي نقاش، وأحياناً قد يجرونك إلى صراعات غير ضرورية فقط من أجل الفوز. ولذلك؛ حاول تجنب الدخول معهم في أي نقاشات أو صراعات.
هل يمكن علاج اضطراب الشخصية النرجسية؟
عندما يتعلق الأمر باضطراب الشخصية النرجسية، فإن أنماط التفكير والسلوك المرتبطة بهذه الحالة تكون متأصلة بعمق وتشكل جزءاً مهماً من هوية الشخص، وعادة لا يمكن التخلص من هذه الأنماط بسهولة. هذا لا يعني أنه لا يوجد أمل في التغيير أو التحسن؛ حيث يمكن للنرجسي الذي يريد التغيير بصدق وعلى استعداد لبذل الجهد أن يتعلم طرائقَ صحية من أجل التعامل مع الآخرين؛ ومن أهمها:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): وهو مفيد للأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية النرجسية لأنه يعالج أنماط التفكير المشوهة على نحو مباشر، ويهدف إلى معرفة تلك الأنماط مثل الشعور بالاستحقاق والتفوق واستبدال أفكار وسلوكيات صحية بها.
- العلاج بالمخطط (Schema Therapy): يهدف هذا العلاج إلى الكشف عن المعتقدات الراسخة لدى النرجسيين حول الذات والآخرين؛ التي غالباً ما تكون غير واعية وتدفع النرجسيين إلى أغلب سلوكياتهم.
- العلاج السلوكي الجدلي (DBT): يستخدم المعالجون النفسيون هذا العلاج للأشخاص الذين يعانون التنظيم العاطفي؛ حيث يزودهم بمهارات جديدة لإدارة المشاعر المؤلمة وتقليل الصراع في العلاقات.
في النهاية، يمكن للأشخاص ذوي السمات النرجسية أن يتغيروا؛ ولكن سواء أكان الشخص مصاباً باضطراب الشخصية النرجسية أم لا، فلا يمكن للناس أن يتغيروا إلا إذا قرروا ذلك، فعادة لا يحدث التغيير لأن أحباءَنا أو أصدقاءَنا يرغبون في حدوثه، وإذا حاول الشخص النرجسي بالفعل أن يتغير علينا أن ندعمه ونساعده ونشجع خطواته.