ملخص: يسبّب الإجهاد والضغط الناتجان من فقدان العمل ما يُعرف بـ "اكتئاب البطالة"، وهو حالة قد يعاني بسببها الأفراد من ردود أفعال عاطفية مثل الغضب والإحباط، وأخرى جسدية مثل التعب والصداع. فما سبل التغلّب على تحدّيات هذه الفترة الصعبة؟
محتويات المقال
ويوضّح استشاري الصحة النفسية، أسعد صبر في حديثه عن البطالة وأثرها النفسي على الشباب، إنّ الإحباط والشعور بالفشل وضعف تقدير الذات والاكتئاب والإدمان هي من أكبر الآثار النفسية التي تسبّبها البطالة، وتؤثّر في الفرد وعلاقاته بأسرته والأشخاص في حياته.
لكن من الضروري أن نتذكر أن عدم الحصول على وظيفة على الفور لا يعني الفشل، فملايين الأشخاص يُبحرون في القارب نفسه، وبعض الأبواب المقفلة تكون له تأثيرات إيجابية أكبر من تلك الأبواب التي فُتحت في وجوهنا.
كيف يؤدّي التسريح من العمل والبطالة إلى الإصابة بالاكتئاب؟
يمكن أن تؤدّي تجربة فقدان الوظيفة إلى استجابة عاطفية عميقة، يُشار إليها غالباً بـ "اكتئاب البطالة" (Unemployment Depression). فالأفراد الذين يسرَّحون أو يفصَلون من العمل قد يعانون من إحساس بالخسارة وانعدام الهدف، أو الحزن العميق.
وتصف عالمة النفس الأميركية، كريستينا نيلسن (Christina Nelsen) هذه المشاعر بأنها: "اكتئاب موقفي" (Situational Depression) أو "اكتئاب البطالة"؛ لكنّ أعراضه تظهر أيضاً على الأشخاص الذين قرّروا ترك وظائفهم طواعيةً.
وقد يزيد نمط الحياة المستقل والمنعزل حدّة آثار البطالة؛ حيث يفقد الأشخاص إلى جانب مصادر دخولهم؛ المصدر الأساسي للتفاعل الاجتماعي، فيؤدّي ذلك إلى الشعور بقلق البقاء (Survival Anxiety)، ويزيد شعورهم بالوحدة، وبخاصة أولئك الذين يعيشون بمفردهم.
وترتبط البطالة الطويلة الأمد بارتفاع احتمالية الإصابة بالاكتئاب وفقاً لدراسة أُجريت عام 2017 في جامعة لايبزيغ (Leipzig) الألمانية؛ كما أوضحت نتائج دراسةٍ أخرى نُشرت عام 2015 إن البالغين العاطلين عن العمل الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة كانوا أكثر عرضة بـ 3 مرات للإصابة بالاكتئاب مقارنةً بنظرائهم العاملين.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثّر دخلك في صحتك النفسية؟ إليك الإجابة العلمية
الآثار العاطفية والجسدية لفقدان العمل
يمكن أن تسبّب تجربة التسريح من العمل العديد من ردود الأفعال العاطفية والجسدية نتيجة الإجهاد والشعور بالفقدان. وفي حين أن البعض قد يراها فرصة أو فترة للراحة من موقف عمل صعب، فقد يجد البعض الآخر أنها باعثة على الحزن الكبير. وعلى الصعيد العاطفي، قد يعاني الأفراد من القلق والصدمة أو عدم التصديق، إضافة إلى ما يلي:
- الغضب والإحباط والمقاومة.
- الشعور بالحزن والخوف.
- فقدان الاستمتاع أو التقدير.
- الشعور بانعدام القيمة، وفقدان احترام الذات، والعار.
كما يمكن أن يظهر الضغط الناتج من التسريح من العمل أو البطالة في ردود أفعال جسدية قد تختلف بين شخصٍ وآخر؛ متمثّلة في التالي:
- التعب والصداع.
- تقلّبات الوزن.
- اضطراب أنماط النوم.
- اضطراب المعدة وآلام العضلات والغثيان.
كيف تحارب اكتئاب البطالة؟
قد يصعب التغلّب على الاكتئاب في أثناء التعامل مع البطالة؛ لكن ثمّة العديد من الاستراتيجيات التي يُنصح باعتمادها للمساعدة على إدارة الموقف وتعزيز الصحة النفسية خلال هذا الوقت الصعب.
- خذ فترة راحة للعناية بنفسك: يُضعف الاكتئاب قدرة الشخص على الاسترخاء بسبب الأرق وصعوبات التركيز. ويمكن أن يؤثر الإجهاد الناجم من البحث عن عمل، إلى جانب القلق بسبب البطالة وعدم الاستقرار المالي، سلباً في الصحة البدنية والنفسية. لذلك؛ من الضروري تخصيص وقت لأنشطة الرعاية الذاتية بهدف تصفية الذهن وتخفيف التوتر؛ مثل المشي أو مشاهدة برنامج تلفزيوني مفضّل.
- حسّن صورتك الذاتية: يمكن تحسين احترامك لذاتك وشعورك بقيمتك الذاتية من خلال التركيز على نقاط قوتك وإنجازاتك من وظيفتك السابقة. فقبل إجراء مقابلات العمل، تدرّب على إجابة السؤال الشائع: "لماذا أنت الشخص المناسب لهذا المنصب"؟ يمكن أن يؤثّر إظهار إحساسٍ قوّي بالقيمة الذاتية في أثناء المقابلة إيجاباً في تصوّر الشخص الذي يجري المقابلة معك.
- عزّز حالتك المزاجية: يحسّن الإندورفين الذي يُشار إليه باسم "هرمون السعادة"، مزاجك على نحوٍ ملحوظ؛ إذ يمكن أن يساعد الانخراط في الأنشطة الباعثة على البهجة، والقيام بالتمارين الرياضية المعتدلة، واستكشاف هوايات أو اهتمامات جديدة؛ على تعزيز مستويات الإندورفين.
- أعد تنظيم منزلك وأموالك ووقتك: يمكن أن تؤدي البيئة المعيشية غير المنظمة أو الوضع المالي الفوضوي أو عدم وجود روتين يومي، إلى تفاقم أعراض الاكتئاب. لذا؛ ابدأ باتخاذ خطوات صغيرة لتنظيم الجوانب التي يمكن التحكّم فيها من حياتك. ابدأ بهدف صغير يمكن تحقيقه، وبمجرد أن يكتمل، انتقل إلى الهدف التالي. فالتغييرات الصغيرة المتزايدة على نحوٍ تراكمي تتحوّل إلى تحسينات جوهرية؛ ما يخفّف الشعور بالإرهاق ويُحتمل أن يخفف أعراض الاكتئاب كذلك.
- تواصل مع الآخرين: يمكن أن تسهم الروابط الاجتماعية القوّية في تحسين الصحة النفسية على نحوٍ ملحوظ؛ لأنّها تساعد على مكافحة مشاعر الوحدة وتعزيز الشعور بالانتماء. فقد يكون من المفيد استكشاف مجموعات الدعم عبر الإنترنت للتواصل مع الأفراد الذين يمرون بتجارب مماثلة؛ كما يمكن أن تطلب الدعم والرفقة اللذَين تشتّد الحاجة إليهما في هذه الظروف من الأشخاص الموجودين في حياتك.
اقرأ أيضاً: لماذا تؤثر البطالة في نفسية النساء على نحو مختلف مقارنة بالرجال؟
وختاماً، يمكن أن يمثّل التعامل مع البطالة والاكتئاب في وقت واحد تحديّاً هائلاً. وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها الأشخاص الذين سُرّحوا من أعمالهم؛ لكن الاستراتيجيات الموضّحة في هذا المقال من الرعاية الذاتية، والحفاظ على الصورة الذاتية الإيجابية، وتعزيز الروابط الاجتماعية، تمثّل خطوات مهمّة نحو إدارة هذه المرحلة الصعبة.