متلازمة ويندي: لماذا يُرضي البعض الآخرين على حساب نفسه؟ وكيف يتغلب على ذلك؟

5 دقائق
متلازمة ويندي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: من المهم أن نعتني بأنفسنا حتى نتمكن من رعاية الآخرين، فإذا لم نفعل ذلك، يمكن أن تتأثر صحتنا النفسية وسعادتنا. والحقيقة أن هناك أشخاصاً يمنحون الآخرين كل ما لديهم ويضعون احتياجات الآخرين قبل احتياجاتهم الشخصية، وهؤلاء الأشخاص مصابون بمتلازمة ويندي؛ بطلة فيلم الكارتون "بيتر بان" الذي يحكي قصة الطفل بيتر بان الذي يستطيع الطيران ويحب المغامرات ولديه عصابة من الأطفال الضالة، ويقرر بيتر بان الذي لا يكبر أبداً أن يأخذ ويندي معه إلى أرضه نيفرلاند حيث تقوم برعايته ورعاية عصابته من الأطفال الصغار، وإليكم تفاصيل تلك المتلازمة من خلال هذا المقال.

هل تتذكرون شخصية ويندي دارلينغ من الكارتون الشهير "بيتر بان"؟ بيتر صبي صغير يرفض أن يكبر، لا يريد أن يتحمل المسؤوليات لأنه يسعى إلى حياة المغامرة دون الاضطرار إلى دخول عالم الاستقرار والنضج، فماذا عن ويندي؟ إنها الفتاة الصغيرة التي تدعم بيتر وتعيد ظله إلى مكانه حتى لا يخاف من فقدانه مرة أخرى، وتتولى مسؤولية تنظيف المنزل ورعاية الأولاد الصغار؛ إنها تعطي كل شيء للآخرين لأن هذا ما يجعلها سعيدة، وتستمر ويدني في وضع الآخرين في المقام الأول حتى عندما تكون حياتها على المحك. والآن بعد أن عرفنا مَن هي ويندي، ماذا تعني الإصابة بمتلازمة ويندي؟ إليكم الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هي متلازمة ويندي؟

صاغ أستاذ علم النفس، دان كيلي (Dan Kiley) مصطلح "متلازمة ويندي" (Wendy syndrome) خلال عام 1983، وهو أيضاً الذي صاغ مصطلح "متلازمة بيتر بان" (Peter Pan syndrome) وأطلقه على الأشخاص الذين يرفضون أن يكبروا.

وبالنسبة إلى متلازمة ويندي، فإنها تُطلق على الأشخاص الذين يسعون دائماً إلى إرضاء الآخرين ليحظَوا بالتقدير ممَّن حولهم ويتمكنوا من مواصلة حيواتهم، وتقوم الشخصية المصابة بمتلازمة ويندي بكل ما يلزم من أجل أن تصبح جيدة بما يكفي في عيون الآخرين.

ومتلازمة ويندي ليست تشخصياً نفسياً رسمياً، ناهيك بأنها غير مُدرجة في الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (DSM-5) ولم يُعترَف بها بصفتها اضطراباً نفسياً من قبل منظمة الصحة العالمية. ومع ذلك، فإن هناك علماء نفس يدركون وجود هذا النمط من الشخصيات، وعادة ما تصيب متلازمة ويندي النساء بنسبة أكبر من الرجال.

ما أسباب الإصابة بمتلازمة ويندي؟

وفقاً لأستاذ علم النفس جون كيلي؛ يجب توفر شروط معينة قبل أن يتحول أي شخص إلى ويندي؛ حيث يجب أن يكرس حياته من أجل الآخرين إلى درجة أنه يفشل في عيش حياته الخاصة. وفي أعماقه، هناك صوت داخلي يملك عنه صورة ذاتية سلبية تحكمه الدونية، ويخاف كثيراً، فلماذا يمكن أن يتحول الفرد إلى ويندي؟ وما أسباب الإصابة بتلك المتلازمة؟

  1. التأثير الثقافي: قد تُصاب النساء بمتلازمة ويندي لأن ثمة ثقافات ومجتمعات عدة تقوم بتثقيف النساء على اتباع أدوار محددة للغاية بين الجنسين، وهذا يعني أن هذه متلازمة شائعة إلى حد ما في تلك المجتمعات.
  2. الخوف من الرفض: هذا هو السبب النفسي الرئيس الذي يحكم متلازمة ويندي؛ ولهذا إذا نشأ أي شخص مع فكرة الهجر المستمر أو الخوف غير العقلاني من الوحدة، فقد تجده مصاباً بتلك المتلازمة؛ حيث يعتقد أن إرضاء الآخرين دائماً سيضمن ألا يرحلوا بعيداً عنه. ومع ذلك، فإنه يخشى فكرة رحيلهم دائماً.

وفي هذا السياق، تؤكد أستاذة علم النفس في جامعة بامبلونا، باولا بيكو (Paola Pico) إنه وإلى جانب التجارب العاطفية والأساليب التعليمية لطفولتنا، ثمة عوامل أخرى تسهم في تطور هذه المتلازمة؛ مثل تدني احترام الذات والبحث الرسمي عن القبول الاجتماعي، ناهيك بالافتقار إلى الهوية الذاتية.

6 أعراض للإصابة بمتلازمة ويندي

يبدأ كارتون "بيتر بان" ونحن نشاهد ويندي وهي تقرأ القصص لإخوتها الصغار، وبعد ذلك يأتي بيتر بان لزيارتها ويحكي لها عن مغامراته ورغبته في البقاء طفلاً، ثم يعرض بيتر بان على ويندي أن تسافر معه إلى أرض الأحلام نيفرلاند (Neverland) لتتولى مسؤولية أمومة عدد كبير جداً من الأطفال الضائعين الذين يعيشون دون عائل على جزيرة لفترة غير محددة من الوقت، ولا يتوقف الأمر حتى عندما تعود إلى المنزل في نهاية القصة؛ حيث توافق بكل لطف على العودة إلى هناك مرة واحدة سنوياً من أجل تأدية مهمات النظافة لبيتر بان، والحقيقة أن الشيء نفسه يحدث للمصابين بمتلازمة ويندي؛ إنهم يتولون المهمات المعقدة جميعها ويشعرون بالسوء حيال ما لا يمكنهم القيام به، وهذه أهم أعراض الإصابة بهذه المتلازمة:

  1. وضع احتياجات الآخرين قبل احتياجاتك: يجد الأشخاص المصابون بمتلازمة ويندي أنه من الضروري الاهتمام باحتياجات الآخرين باستمرار، ووضعها فوق احتياجاتهم الشخصية، ويضحون بما يريدون حتى يشعر الآخرون بالرضا.
  2. الاعتقاد بأن إسعاد الآخرين هو هدفك: إذا كنت مصاباً بمتلازمة ويندي، فمن المحتمل أن تعتقد أن الاعتناء بالناس يشبه الحب وأنه يجعلك تشعر بالارتياح؛ ولهذا تجعل إسعاد الآخرين هدفك الأهم في الحياة.
  3. تأدية الأعمال كلها: يعتقد المصاب بمتلازمة ويندي أنه شخص خارق؛ ولهذا يقوم بالأعمال المطلوبة منه كلها بغض النظر عن مدى شعوره بالإرهاق؛ بل وعلى الرغم من ذلك، يستمر في مساعدة الآخرين والمبادرة إلى تأدية أي شيء يطلبونه.
  4. العيش في حالة مستمرة من الخوف: على الرغم من أن المصابين بمتلازمة ويندي يقومون بالكثير من الأعمال، فإنهم يعيشون في حالة دائمة من الخوف؛ ولهذا يحاولون عدم إزعاج الآخرين وكبت أي مشاعر أو أفكار مثيرة للخلاف قد تكون لديهم وذلك حتى لا يتعرضوا للرفض.
  5. محاولة السيطرة على الآخرين والاعتماد عليهم: حتى تتمكن من الاستمرار في الحياة، تسعى الشخصية المصابة بمتلازمة ويندي إلى التحكم في علاقاتها؛ إنه شعور جيد ولا غني عنه يشبه الإحساس الأمومي بأن الآخرين كلهم مسؤولين منها ولا يمكنهم التصرف من دونها.
  6. امتلاك فكرة خاطئة عن الحب والعلاقات: في عقل ويندي، يسير الحب والتضحية جنباً إلى جنب؛ إنها  تعتقد أن التعرض للأذى والتخلي عن الأشياء التي تهمها أمران ضروريان من أجل الحب والعلاقات بالآخرين؛ ولهذا فإن ويندي تسمح بحدوث الكثير من التجاوزات.

ثنائية ويندي وبيتر بان في العلاقات

تشير الطبيبة النفسية ناتاشا ديوك (Natacha Duke) إلى أن الأشخاص المصابين بمتلازمة بيتر بان عادة ما يفشلون في الالتزام بمسئولياتهم، ولا يتحملون أبداً مسؤوليات الآخرين، ويرفضون القيام بالأعمال المنزلية. وبسبب عدم قدرتهم على القيام بمهمات الأشخاص البالغين؛ فإنهم غالباً ما يبحثون عن الشخصيات المصابة بمتلازمة ويندي.

تضيف ديوك إنك في البداية قد تعتقد أن هذا الثنائي عظيم في العلاقات؛ حيث لديك شخص مصاب بمتلازمة بيتر بان مرح ويحب القيام بالمغامرات ولديه كاريزما هائلة تجذب إليه الآخرين، ولدينا شخصية مصابة بمتلازمة ويندي قادرة على أن تكون إلى جانبه باستمرار من أجل دعمه والوقوف إلى جواره.

تنجح هذه العلاقة في الأفلام الخيالية والكارتونية لكنها تنهار في الواقع؛ حيث تؤكد ديوك إن الشخصية المصابة بمتلازمة ويندي ستشعر بالاستنزاف والإرهاق العاطفي لأنها تعطي باستمرار، وهذا أيضاً ما يراه أستاذ علم النفس الإكلينيكي، محمد سالم القرني حيث يشير إلى أن المبالغة في إرضاء الآخرين تؤدي إلى الشعور بالاستنزاف العاطفي والقلق والتوتر.

وفي الوقت نفسه، لن يقبل بيتر بان؛ الشخصُ الحر المحب للمغامرات، أن تتحكم به ويندي وتحاول السيطرة عليه، وإليكم عواقب هذه العلاقة على الشخصية المصابة بمتلازمة ويندي:

  1. الشعور بالحزن والوحدة.
  2. الإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب.
  3. معاناة الإرهاق.
  4. الشعور بالسخط.

اقرأ ايضاً: ما هي متلازمة الفتاة الطيبة وكيف يمكن التعافي منها؟

كيف يمكن التعافي من متلازمة ويندي؟

يقوم المصابون بمتلازمة ويندي بكل ما يلزم للحصول على التقدير من الآخرين؛ لأن لديهم صورة سيئة عن أنفسهم ولكنهم لا يحصلون على أي شيء في النهاية. ولهذا؛ يجب على الأشخاص المصابين بتلك المتلازمة التركيز على التخلص منها من خلال اتباع الطرائق التالية:

  1. قبول وجود مشكلة كبرى: من خلال إدراك أن الإرضاء المستمر للآخرين يمكن أن يكون مؤشراً إلى ضعف نفسي، وسوف يؤثر فى صحتك النفسية والعقلية؛ وذلك وفقاً لما ذكره الطبيب النفسي محمد الغامدي.
  2. تعزيز احترام الذات: يجب تعزيز القيم الشخصية حتى لا يكون استحسان الآخرين أولوية ضرورية لسعادتك.
  3. وضع حدود للعلاقات: يجب على المصابين بمتلازمة ويندي تعلم كيفية التواصل مع الآخرين، وإعطاء الأولوية لاحتياجاتهم والحد من متطلبات الآخرين.
  4. التدرُّب على الحزم: وذلك من خلال تطوير مهارات التواصل من أجل تعلُّم قول "لا" والتعبير عن الآراء بطريقة محترمة، دون مهاجمة الآخرين، والأهم من ذلك، دون أن يُسَيطَر عليك.
  5. تغيير الأفكار: تعلم كيفية تغيير أنماط تفكيرك، وبخاصة تلك المتعلقة بقيمة الذات والتخلي والشعور بالذنب.
  6. تذكُّر أنك تستحق أن تشعر بالحب: يمكنك الاهتمام بشريك حياتك أو الأشخاص الذين تحبهم؛ لكن ضع في اعتبارك أنك تستحق أيضاً الاهتمام والحب والتقدير.

في النهاية، إذا كنت أحد هؤلاء الأشخاص الذين يشعرون بالسعادة عند الاهتمام بالآخرين، فتذكر أنه يجب عليك أن تبدأ العناية بنفسك. وإذا لم تستطع القيام بذلك، فلا تتردد في طلب المساعدة من الطبيب النفسي المتخصص، وهو سيعطيك الإرشادات اللازمة لفهم المحفزات وإدارة المهارات اللازمة لمواجهة الخوف من الهجر والتغلب عليه.