ما سر إيذاء بعض الأشخاص أجسادهم وكيف يتوقفون عن ذلك؟

5 دقيقة
الإيذاء الجسدي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

البشر مبرمَجون بيولوجياً للبقاء على قيد الحياة، وعلى الرغم من ذلك، قد ينخرط بعضهم في سلوكيات تتنافى مع تلك البرمجة، على سبيل المثال، هناك الانتحار الذي يعد الحالة الأكثر تطرفاً، وهناك تعمّد بعض الأشخاص جرح أجسادهم باستخدام الأدوات الحادة، ويمكن القول إن الإيذاء الجسدي قد يجلب شعوراً قصيراً بالهدوء والتحرر من التوتر النفسي والعاطفي، لكن هذا الشعور سرعان ما يتبخر ليحل محله الإحساس بالذنب والعار، فلماذا يتعمد بعض الأشخاص إيذاء أجسادهم؟ وكيف يتوقفون عن ذلك؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هو الإيذاء الجسدي؟

الإيذاء الجسدي هو تعمد إيذاء الجسم عبر طرائق مختلفة، ويُطلق عليه أيضاً اسم "اضطراب إيذاء النفس غير الانتحاري" (Nonsuicidal Self-Injury Disorder)، وعادة ما يكون إيذاء الجسد وسيلة للتعامل مع الضيق العميق والألم العاطفي، وقد يساعد على التعبير عن مشاعر لا يمكن التعبير عنها بالكلمات، أو تشتيت انتباه بعض الأشخاص عن حياتهم، أو التخلص من الألم النفسي، وفور الإيذاء الجسدي ربما يشعر الأشخاص بالتحسن فترة قصيرة، ولكن فيما بعد تعود المشاعر المؤلمة، ويحسون بالحاجة إلى إيذاء أجسادهم مرة أخرى.

وفي الحقيقة، إن إيذاء الجسد يختلف عن محاولة الانتحار؛ فالانتحار هو وسيلة من أجل إنهاء الحياة، وإيذاء الجسد استراتيجية للتكيف، وفي هذا السياق يؤكد المعالج النفسي، مازن موسى، أن الإيذاء الجسدي هو طريقة من طرائق التأقلم مع الغضب الشديد أو الشعور بالخذلان، وعادة ما يشمل:

  • جرح الجسد.
  • الحرق.
  • الخدش.
  • ضرب الجسم.
  • خبط الرأس بقوة.
  • ثقب الجلد بالإبر أو الأشياء الحادة.
  • شد الشعر.
  • إدخال الأشياء تحت الجلد.

لماذا ينخرط بعض الأشخاص في إيذاء أجسادهم؟

هناك أسباب عديدة تدفع بعض الأشخاص إلى إيذاء أجسادهم، والسبب يختلف من شخص لآخر، وقد تشمل أسباب ذلك الإيذاء ما يلي:

1. التعبير عن المشاعر المؤلمة

تختلف طريقة كل فرد في التعامل مع أحداث الحياة المؤلمة، ففي بعض الأحيان ينتج عن تلك الأحداث مشاعر معقدة، وفي حال كان من الصعب التعامل مع تلك المشاعر بطريقة صحية، قد يلجأ بعض الأشخاص إلى إيذاء أجسادهم، على سبيل المثال، يمكن أن تكون مشاعر الوحدة أو الحزن الشديد هي سبب اندفاع الشخص لإيذاء جسده، وذلك من أجل صرف انتباهه عن الألم، علاوة على ذلك، قد لا يمتلك الشخص مهارات التأقلم للتعامل مع هذه المشاعر القوية أو تقليل شدتها؛ إذ يمكن لأي عاطفة تبدو صعبة في التعامل معها أن تؤدي إلى الرغبة في إيذاء النفس والجسد.

وفي أوقات أخرى لا توجد كلمات قادرة على وصف الألم النفسي، ولهذا قد يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى إيذاء أجسادهم للتواصل مع مشاعرهم العميقة، وأحياناً يكون إيذاء الجسد صرخة استغاثة من أجل طلب المساعدة دون الحاجة إلى التحدث إلى الآخرين.

2. التعرض للصدمات النفسية

يمكن أن يؤدي التعرض لصدمة نفسية إلى إيذاء الشخص لنفسه أو جسده، ويمكن القول إن بعض الأشخاص يلجؤون إلى إيذاء أجسادهم من أجل إبعاد أذهانهم عن الذكريات والمشاعر المؤلمة المرتبطة بالصدمات النفسية.

3. الحاجة إلى الشعور بالسيطرة

عندما يكون الألم النفسي ساحقاً للغاية، قد يشعر الشخص بأن أمور حياته خارج نطاق السيطرة، وفي هذه الحالة وبسبب التحديات ومواقف الحياة الصعبة، يحس بأنه لا يملك أي سيطرة على زمام حياته، ولهذا يلجأ إلى إيذاء الجسد لأنه يوفر له شعوراً بالقوة والسيطرة، ففي الوقت الذي تعم فيه الفوضى مناحي الحياة جميعها، ثمة ألم شديد ينبثق من إيذاء الجسد، وهو ما يدل على الإحساس بالسيطرة على ذلك الجسد.

4. معاقبة الذات

يمارس بعض الأشخاص إيذاء أجسادهم بصفتها وسيلة لمعاقبة أنفسهم، وهذا قد يحدث إما بسبب احترامهم الذاتي المنخفض أو لأنهم يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم أو لأنهم ينتقدون ذواتهم وأفعالهم بشدة، ومن خلال إيذاء الجسد، قد يعتقد هؤلاء الأشخاص أنهم يتعرضون لألم جسدي مستحق.

5. الإصابة بالاكتئاب أو أحد اضطرابات الصحة النفسية

توضح المعالجة النفسية، هيلاري فاندي ليندي (Hillary VandeLinde)، أن إيذاء الجسد قد يرتبط بالإصابة بالاكتئاب، لهذا تنصح بالتفتيش عن الأعراض الأخرى مثل نوبات البكاء، والابتعاد عن الأسرة والأصدقاء، وتضيف ليندي أن إيذاء الجسد عادة ما يقترن بتدني الذات، وإلى جانب الاكتئاب، هناك بعض الاضطرابات النفسية الأخرى ذات الصلة بإيذاء الجسد مثل:

  • اضطراب ثنائي القطب.
  • الوسواس القهري.
  • اضطراب الشخصية الحدية.
  • اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD).
  • اضطرابات الأكل.
  • اضطرابات القلق.

6. الرغبة في تخفيف حدة التوتر

يعتقد أستاذ علم النفس في جامعة روتشستر الأميركية (the University of Rochester)، جيريمي جاميسون (Jeremy Jamieson)، أن إيذاء الجسد قد يكون طريقة من أجل التعامل مع مشاعر التوتر، خاصة في حال كانت مستويات التوتر مرتفعة جداً ولا يمكن إدارتها بسهولة، ففي هذه الحالة يوفر إيذاء الجسم شعوراً بالراحة المؤقتة من إحساس التوتر الساحق.

اقرأ أيضاً: ما هي العواقب النفسية والجسدية للعنف المنزلي على الأسرة؟

9 علامات تؤكد الإيذاء الجسدي

عادة ما يخفي الأشخاص الذين يؤذون أنفسهم أجسادهم؛ حيث يرتدون أكماماً طويلة ويحكون قصصاً مختلقة عن إصاباتهم، لكن هناك بعض العلامات التي تؤكد الإيذاء الجسدي مثل:

  1. ندوب منتشرة في بعض أجزاء الجسم.
  2. حروق متعددة بالحجم أو الشكل نفسه.
  3. حوادث متكررة تدل على جروح أو علامات عضّ أو كدمات أو تورم.
  4. مواجهة مشاكل بالتحكم في الانفعالات، مثل عدم القدرة على التوقف عن خدش منطقة من الجلد.
  5. الاحتفاظ بأدوات حادة دائماً في متناول اليد.
  6. الحديث باستمرار عن العجز أو اليأس أو انعدام القيمة.
  7. السلوكيات والعواطف التي تتغير بسرعة وتكون مكثفة وغير متوقعة.
  8. الانطواء الشديد وعدم الرغبة في التحدث إلى الآخرين.
  9. تغير عادات الأكل أو التحفظ بشأن تناول الطعام.

اقرأ أيضاً: ذاكرة الجسد: كيف تؤثر معاناتنا النفسية في صحتنا الجسدية؟

6 نصائح تساعد الأشخاص على التوقف عن إيذاء أجسادهم

الأشخاص الذين ينخرطون في إيذاء أجسادهم يحسون بالكثير من الألم النفسي والمشاعر المعقدة، ولهذا عليهم التعامل مع تلك المشاعر أولاً من أجل تفادي الإيذاء الجسدي، وإليكم أهم النصائح للتوقف عن ذلك الإيذاء:

1. التعبير عن المشاعر

في الكثير من الأحيان، قد تكون المشاعر مؤلمة جداً بحيث يصعب التعامل معها، لكن عوضاً عن إيذاء الجسد يمكن تجربة التعبير عن المشاعر بالكلمات، وإذا واجه بعض الأشخاص صعوبة في التعبير بالكلمات يمكن استخدام بعض الأدوات مثل الرسم أو العزف على آلة موسيقية، أو الكتابة، أو حتى التحدث إلى صديق مقرب.

2. تخفيف حدة التوتر

ذكرنا آنفاً أن بعض الأشخاص يلجؤون إلى إيذاء أجسادهم من أجل تخفيف حدة التوتر، لكن يجب الاستعانة ببعض الأنشطة المهدئة الأخرى التي تساعد حقاً على تقليل التوتر، على سبيل المثال، يمكن ممارسة اليوغا أو تمارين التنفس العميق أو ممارسة اليقظة الذهنية.

3. تشتيت الانتباه عن الرغبة في الإيذاء

إن تشتيت الانتباه عن الرغبة في إيذاء الجسد يمكن أن يمنح مساحة للتنفس ويقلل شدة الرغبة، على سبيل المثال، يمكن الذهاب في نزهة على الأقدام، أو أخذ حمام دافئ أو مشاهدة المسلسل المفضل، أو الاستماع إلى الموسيقا، أو إنجاز أحد الأعمال المنزلية، وإذا لم تنجح هذه الأنشطة في تشتيت الانتباه، يمكن الذهاب إلى مكان يصعب فيه إيذاء الجسد، وذلك مثل غرفة المعيشة بصحبة العائلة أو السوبر ماركت.

4. تأجيل الإيذاء الجسدي

يمكن القول إن التوقف عن إيذاء الجسد لن يحدث بين عشية وضحاها، ولا يوجد حل سحري للتوقف عن هذا الأمر، ولذلك يجب محاولة التعافي بالتدريج، وإذا واجه الشخص صعوبة في تشتيت انتباهه أو التعبير عن مشاعره بوسائل أخرى، يمكنه تأجيل الإيذاء الجسدي مدة 10 دقائق، وفي كل مرة عليه أن يزيد هذه المدة، وفي أثناء التأجيل عليه أن يراقب ندوب جسده، ثم يسأل نفسه "هل يستحق هذا الأذى؟" في البداية ربما يجد نفسه يستحق ولكن مع مرور الوقت سوف يتعلم أن يتوقف عن أذية جسده.

5. التعاطف مع النفس

قد يكون التعاطف مع نفسك أمراً صعباً، وخاصة أن الأشخاص الذين يؤذون أجسادهم يفتقرون إلى الاحترام الذاتي والثقة بالنفس، ولكن يمكن البدء بخطوات صغيرة ومن ثم البناء عليها، على سبيل المثال يمكن أن يقول الشخص لنفسه: "على الرغم من أنني أشعر بالرغبة في إيذاء جسدي، سأجد طريقة أخرى للتعبير عن مدى انزعاجي"، كما يمكن أن يكتب هذا الشخص 3 أشياء يقدرها في نفسه، وإذا واجه صعوبة في سرد تلك الأشياء يمكنه الاستعانة بصديق أو أحد أفراد الأسرة.

6. طلب المساعدة من الطبيب النفسي المختص

في حال لم يستطع الشخص التغلب على رغبته الشديدة في إيذاء جسده، عليه طلب المساعدة من الطبيب النفسي المختص في أسرع وقت حتى يصف له الأدوية مثل مضادات الاكتئاب ومثبتات الحالة المزاجية ومضادات القلق التي قد تخفف المشاعر المؤلمة التي يحاول المريض التعامل معها من خلال إيذاء الجسد، علاوة على ذلك، قد يلجأ الطبيب إلى العلاج المعرفي السلوكي (CBT) محاولاً استبدال أنماط تفكير إيجابية بتلك السلبية.

المحتوى محمي