كيف تتنازل لشريكك دون أن تلغي وجودك؟

5 دقائق
التنازلات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: حتى تنجح العلاقات العاطفية، لا بُد من تقديم بعض التنازلات في مرحلة معينة؛ إذ يساعد التنازل على فهم وجهة نظر الشريك ويزيد التعاطف ويؤسس لعلاقة سعيدة وصحية. لكن كيف يمكن تقديم التنازلات بطريقة صحيحة ترضي الطرفين إلى حد ما؟ هذا ما سنعرفه في المقال.

في مرحلة ما في علاقتك العاطفية، تدرك أنك وشريكك تمتلكان رغبات أو آراء أو طرائق مختلفة في الحياة، وعند مفترقات الطرق هذه هناك نهجان؛ إما الخلاف والصراع الدائم لإثبات مَن هو الطرف الأصح، وإما العمل معاً من أجل التوصل إلى حل وسط، فإذا اخترتما الاختيار الثاني، فغالباً ما سيحتاج أحدكما أو كلاكما إلى تقديم بعض التنازلات.

ومن المعلوم أن هناك أزواجاً ينفرون من تقديم التنازلات ويعتبرونها شر لا بُد منه، ومنهم مَن يرفض التنازل رفضاً قاطعاً بحجة أنه لا يساوم على احتياجاته أو قيمه، وهنا لا بُد من توضيح أهمية التنازلات في العلاقة العاطفية، ومتى تقدمها، وكيف يمكن تقديمها بطريقة صحيحة.

لماذا من المهم تقديم بعض التنازلات في العلاقة العاطفية؟

التنازل هو: "أن تقبل تقليل مطالبك أو أن تغيّر آراءك من أجل التوصل إلى اتفاق مع شخص ما"، ويُعرَّف أيضاً بأنه: "قبول المعايير التي تكون أقل مما تطمح إليه"، ويمكن القول إن التنازلات جزء ضروري في أي علاقة ناجحة؛ لأن التوصّل إلى حل وسط يعني إقراراً بوجود اختلافات بين الشريكين، وأنهما يعملان معاً على إيجاد حل وسط دون التخلي عن القيم الفردية لأي منهما.

ويؤكد استشاري العلاقات الأسرية جاسم المطوع إن التنازلات في الحياة الزوجية تكون أحياناً إنجازات وليست خسارات، فالتمسك بالرأي والعناد قد يكون هو الخسارة بعينها؛ لذا ينبغي للزوجين التمرن على التنازل والتسامح في إطار الحب والوفاء.

ويمكن القول إن بعض التنازل مهم جداً ويزيد الشعور بالرضا ويجعل العلاقة أقوى؛ لأن عمل الزوجين معاً للتوصل إلى حل وسط هو فرصة لتعميق العلاقة بينهما، فتخصيص الوقت الكافي لاستماع كل منهما إلى مخاوف الآخر وفهمها، وإظهار الاهتمام المتبادَل لكل منهما بمشاعر الآخر وأفكاره، يبني أساساً أقوى للتواصل والثقة بينهما. وبالإضافة إلى ذلك، عندما ينظر الشخص إلى المشكلات والقضايا المشتركة من منظور شريكه، سيبدي تعاطفاً أكبر وفهماً أعمق لمشاعره؛ وهذا ما يقوي علاقتهما الزوجية.

فعندما تتنازل، تتقدم خطوة نحو شريكك وكذلك يفعل هو؛ أي بعبارة أخرى: تحصلان كلاكما على بعضٍ مما تريدان، فتفوزان بالقليل وتخسران القليل أيضاً؛ لكن أن تحصلا على القليل أفضل من عدم الحصول على شيء، خصوصاً عندما لا يكون هناك حل المشكلة بطريقة ترضي الأطراف جميعهم.

من الجدير بالذكر إن هناك شعوراً بالاستياء قد يتسلل إلى الكثير من العلاقات الزوجية والعاطفية، وهو شعور مزعج يختلط به الغضب وخيبة الأمل والازدراء والصدمة، وينتج من إحساسك أن شريكك عاملك معاملة غير عادلة، أو اتخذ قرارات لا تناسبك، أو اختلف معك في أهداف الحياة، أو لم ينفِّذ نصيبه الكافي من الأعمال المنزلية على سبيل المثال.

وقد يجعلك الاستياء تعبِّر عن غضبك على نحو غير متوقَّع، أو يقلل تعاطفك مع مَن تحب، أو يدفعك إلى الانسحاب من العلاقة عاطفياً. وفي هذه الحالة، تكون إحدى النصائح الفعالة للتعامل مع الاستياء ومنعه من التراكم هي تعلُّم طرائق التنازل، ففي بعض الأحيان، كل ما يتطلّبه الأمر هو حل وسط حقيقي لجعل العلاقة أكثر توازناً.

كيف تتنازل بطريقة صحية؟

على الرغم من أهمية تقديم بعض التنازلات بين حين وآخر في العلاقة العاطفية، فإن لم نكن ماهرين في كيفية تقديمها، فإن "العلاقة قد تتدهور سريعاً ويتخللها الخلاف وعدم الرضا، فضلاً عن الشعور بخيبة الأمل والوحدة في هذه العلاقة" وفقاً لما ذكره الطبيب النفسي، ليون سيلترز (Leon Seltzer)؛ لذلك إليك كيفية تقديم التنازلات بطريقة صحيحة وصحية:

1. عبِّر عن احتياجاتك وأولوياتك

في أي مشكلة أو خلاف يظهر مع شريكك، خُذ بعض الوقت وفكِّر فيما ترجوه من النتيجة، ثم بمجرد أن تستجمع أفكارك، اشرح لشريكك وجهة نظرك وأخبِره بوضوح عما تحتاج إليه وتبتغيه حتى يدرك ما الحل الذي يرضيك إلى حدّ ما.

ومن المهم هنا أن تعبِّر عن نفسك ومشاعرك مستخدماً ضمير "أنا" وليس "أنت"؛ أي أن تجعل الأمر متعلقاً بك وبشعورك دون أن تلوم شريكك. على سبيل المثال؛ قُل: "أنا أشعر بالضيق لأني أتحمل مسؤولية تدريس الأطفال بمفردي"، ولا تقل: "أنت تجعلني أتحمل مسؤولية تدريس الأطفال بمفردي".

2. استمِع إلى احتياجات شريكك

عند الانتهاء من إيضاح وجهة نظرك، أعطِ شريكك الفرصة لمشاركة مشاعره ورغباته واحتياجاته، وأنصِت إلى ما يقوله بانتباه واهتمام واضعاً نفسك في مكانه، وحاوِل أن تشعر بما يشعر به حتى تفهم ما يريده حقّاً.

أما في حال كان شريكك لا يريد الانفتاح والمشاركة وشعرت أنه متشبّث برأيه، فشجعه وأخبره إن هذه الفرصة هي مساحة آمنة للتنفيس عما تشعران به، وجرب أن تمسك بيده وتتبسم وتتقبل ما سيقوله، ومن الضروري ألا تقاطعه عندما يتحدث وألا تتخذ موقفاً دفاعياً في حال انزعجت مما يقوله، فحتى لو لم تكن موافقاً، فإن احتياجات شريكك ورغباته مشروعة ومهمة وتستحق الاحترام.

3. وضِّح حدودك التي لا ترضى التنازل عنها لكن كُن مرناً

كُن صريحاً وصادقاً مع شريكك وأخبره بما لا ترضى به أو لا توافق عليه، فتقديم التنازلات لا يعني التنازل عن قيمك الأساسية التي لا ترضى المساومة عليها. وفي المقابل، عليك احترام الحدود التي يضعها شريكك أيضاً؛ لكن لا يعني ذلك أن تكون صارماً ومتشبثاً بآرائك بل كُن مرناً وعلى استعداد لتغيير رأيك وتحدي نفسك بقرارات جديدة؛ لأن المرونة في الحياة والانفتاح على المواقف المختلفة يجعل التنازل أكثر راحة.

4. ناقشا الحل الذي يناسبكما

الآن بعد أن وضحتما احتياجاتكما ورغباتكما وحدودكما، فكِّرا بصوت عالٍ بطريقة العصف الذهني بغية التوصّل إلى طرائق محتملة لحل المشكلة، وحاولا البحث عن طريقة للالتقاء في المنتصف حتى تحصلا كلاكما على بعض مما تريدان بينما تضحيان ببعض الجوانب الأقل أهمية.

ومرة أخرى: كُن منفتحاً على اقتراحات الشريك؛ لكن دون أن تتردد في التعبير عن رأيك في حال لم تشعر بالارتياح تجاه هذه الاقتراحات، وتأكد أن تتنازلا على نحو متوازن وعادل إن صح التعبير، حتى لا يشعر أي منكما أنه يستسلم أكثر من شريكه أو أن الحل الوسط يجور عليه أكثر.

5. عدِّل التنازلات عند الحاجة 

بعد اتخاذ القرار بخصوص التنازلات التي ينبغي تقديمها، يجب تنفيذ هذه الوعود والالتزام بالقرارات على نحو إيجابي، وتخصيص بعض الوقت يومياً أو كل حين للتحدث بصراحة عما تشعران به. أخبر شريكك بأي تغييرات تطرأ على احتياجاتك أو رغباتك أو توقعاتك للتأكد من أن الحل الوسط ما يزال معمولاً به وموافَقاً عليه، وفي حال حدوث أي تغييرات فينبغي العمل معاً من أجل إجراء تعديلات والتوصل إلى حل جديد.

ما الموضوعات التي يمكن أن تقدم التنازلات بخصوصها؟ 

إليك بعض القضايا التي ينبغي تقديم بعض التنازلات بخصوصها عندما تقتضي الضرورة:

  • الأمور المالية: إذا امتلكت وشريكك عادات مختلفة فيما يتعلق بادخار المال أو إنفاقه، فلا بُد من التوصل إلى حل وسط بشأن المبالغ المالية التي يجب ادخارها أو إنفاقها وعلى ماذا.
  • الأعمال المنزلية: قد يشعر أحد الزوجين بالاستياء عندما لا تُوزَّع الأعمال المنزلية توزيعاً عادلاً، وهنا لا بُد من التوصل إلى حل وسط وتقسيم هذه الأعمال فيما بينكما.
  • قضاء الوقت مع الأهل والأصدقاء: إذا كنت شخصاً انطوائياً لا يحب الخروج كثيراً، في حين كان شريكك على العكس منك، فمن الضروري أن تجلسا وتتفاهما وتتوصلا إلى صيغة عادلة لكيفية قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء.
  • الهوايات ووقت الفراغ: قد يحب أحدكما قراءة كتاب في أحد زوايا الغرفة، في حين يريد الآخر أن تقضيا هذا الوقت معاً في نزهة على الأقدام، فهل ينبغي التخلي عن الاهتمامات الخاصة احتراماً لرغبة الشريك؟ ليس تماماً؛ إذ يمكن إيجاد حل وسط حول كيفية قضاء وقت الفراغ مع بعضكما بعضاً لكن دون التخلي تماماً عن الأنشطة التي يفضلها كل منكما.
  • رعاية الأطفال: كثيراً ما يختلف الزوجان عندما يتعلق الأمر برعاية الأطفال وتربيتهم؛ لكن حتى لا يشعر أي منكما بالظلم أو الاستياء أو نقص الدعم الذي يحتاج إليه، فلا بد من الصبر والتعاون والنظر إلى هذه المشكلات من وجهة نظر الشريك.

باختصار، إن التنازلات تعني الأخذ والعطاء، فعلى الرغم من أنك قد لا تحصل على كل ما تريده هذه المرة أو من هذا الموقف، تذكّر أن شريكك يقدم التضحيات أيضاً. ومع ذلك، ينبغي ألا تتنازل أو تطالب شريكك بالتنازل عندما يتعلق الأمر بالحقوق والاحتياجات الأساسية أو الاحترام أو القيم والمعتقدات الشخصية.

ختاماً، لا تنسَ أن الالتزام بعلاقة عاطفية أو زوجية يعني أن عليك التفكير في احتياجات شريكك ورغباته وسعادته، فالتنازلات بين حينٍ وآخر ليست ضعفاً بل دليل على أن علاقتك العاطفية أهم عندك من إثبات أنك على حق أو أنك الأصح، وإشارة إلى أنك وشريكك قادران على مواجهة مصاعب الحياة مثل فريق متعاون وليس مثل شخصين منفردين.