ملخص: الاكتئاب مشكلة نفسية خطِرة تؤثّر في العديد من المراهقين، لذا من المهم أن يكون الأبوان على دراية بالعلامات والأعراض عند المراهق المكتئب من أجل معرفة متى قد يحتاج ابنهما إلى المساعدة. ويمكن أن تشمل أعراض الاكتئاب عند المراهقين تغير عادات الأكل ومشكلات النوم، والشعور بالحزن واليأس وصعوبة التركيز وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي اعتادوا الاستمتاع بها. يجب أن يدرك الآباء أن الاكتئاب يمكن أن يؤدّي إلى نتائج مدمّرة مثل إيذاء النفس وحتى الانتحار، وما سيحول دون ذلك هو توفير بيئة داعمة لهم، وجعلهم يفصحون عن مشاعرهم بصراحة، وإحالتهم إلى طبيب متخصص إن لزم الأمر. فمن خلال الدعم والتوجيه المناسبَين، يمكن للمراهقين تعلّم كيفية إدارة اكتئابهم بشكل فعّال وعيش حياة أكثر صحة وسعادة.
يشكّل المراهق المكتئب تحدّياً من نوع خاص لكلٍّ من الأباء والأمهات، لأن اكتئابه يمكن أن يتداخل مع قدرته على التحصيل الدراسي والتعامل في مختلف الأوساط الاجتماعية الأخرى. يواجه المراهقون الضغوط في أثناء النمو ويحاولون التكيّف مع أقرانهم، ويمكن أن يجعل الاكتئاب هذه التحديات أكثر صعوبة أو تتطوّر أعراضه إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل تعاطي المخدرات أو إيذاء النفس.
تتميّز فترة المراهقة بشكلٍ عام بالتقلّب المزاجي لدى المراهق؛ ما قد يصعّب على الوالدين تمييز ما إذا كان ابنهما يعاني من اكتئاب حقيقي فهذا اضطراب نفسي يؤثّر في الحالة العاطفية والوجدانية للمصاب، ومعرفة ذلك قد تساعد الآباء والأمهات على فهم نوعية التحديّات التي يواجهها المراهق المكتئب ومن ثَمّ التعاون مع الطبيب المختص لتقديم المساعدة له.
أهم الأعراض لدى المراهق المكتئب
يؤكّد خبراء ميدلاين بلس (MedlinePlus) إن الاكتئاب عند المراهقين ممن تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة هو اضطراب خطِر يستلزم تشخيصاً وعلاجاً، فهو أكثر من مجرّد شعور بالحزن أو الأرق لعدة أيام؛ بل هو شعور بالحزن واليأس والغضب والإحباط المستمّر لفترة طويلة.
وتتمثّل أبرز الأعراض التي تظهر على المراهق المصاب بالاكتئاب في شعوره الحاد بالحزن والفراغ، مع حالة من اليأس والغضب العارم، أو الشعور بالإحباط بسبب أمور قد تبدو بسيطة. لا يُشترط ظهور هذه الأعراض كلها معاً؛ بل يمكن أن يظهر منها عرَض أو اثنين فقط كما قد تترافق هذه الأعراض مع أخرى مثل:
- فقدان الاهتمام بالأشياء التي كان يستمتع بها سابقاً.
- حدوث تغيّرات ملحوظة في الوزن؛ مثل فقدان الوزن (حتى دون اتباع أي حمية غذائية) أو زيادة الوزن الناتجة من الإفراط في تناول الطعام.
- مواجهة مشكلات في النوم، سواء كانت صعوبة النوم والإصابة بالأرق أو النوم لفترات طويلة أكثر من المعتاد.
- الشعور بالتعب الشديد وانعدام الطاقة.
- الشعور بتدني احترام الذات وانعدام القيمة الذي يصاحبه شعور شديد بالذنب.
- صعوبة التركيز وتذكّر المعلومات.
- صعوبة اتخاذ القرارات.
- التفكير في الموت أو الإقدام على الانتحار.
اقرأ أيضاً: الإسعافات الأولية للصحة النفسية للمراهقين
ما الذي يسبب للمراهق الاكتئاب؟
الاكتئاب مشكلة خطِرة يمكن أن تصيب الأشخاص من الأعمار جميعها لكنها منتشرة بشكل خاص بين المراهقين. وهناك عدد من الأسباب وراء ذلك؛ بما في ذلك التغيّرات الهرمونية والضغوط الاجتماعية والضغط الأكاديمي.
ولا يرتبط الاكتئاب بعمر معين لكنه قد يبدأ في سن المراهقة أو مع بداية سن البلوغ؛ حيث يشير خبراء ميديكال نيوز توداي (Medical News Today) إلى أن هناك العديد من الأسباب المحتملة التي تؤدي إلى إصابة المراهقين بالاكتئاب وتشمل ما يلي:
- وجود تاريخ عائلي من الإصابة باضطرابات المزاج أو القلق والاكتئاب.
- التعرض لصدمات مثل الاعتداء الجنسي أو العنف.
- مواجهة صعوبات في البيئة المحيطة سواء في المنزل أو المدرسة؛ مثل الإساءة والإهمال والفقر وانفصال الوالدين وصعوبات التعلم والتأقلم.
- طبيعة دماغ المراهقين التي تختلف في بنيتها عن أدمغة البالغين؛ إذ يمكن أن تؤدّي التغيّرات في دوائر الدماغ لديهم واختلاف مستويات الناقلات العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين، إلى زيادة احتمالية إصابتهم بالاكتئاب بسبب عجزهم عن تنظيم حالتهم المزاجية وسلوكهم.
- تعاطي المواد المخدرة أو شرب الكحول.
- التغيّرات الهرمونية التي تترافق بشكل طبيعي مع هذه المرحلة العمرية؛ إذ يواجه المراهقون الذين يمرّون بمرحلة البلوغ تغيّرات جسدية كبرى قد تجعلهم يشعرون باختلافهم عن أقرانهم، ويزيد ذلك شعورهم بالضغط.
- تطوير أنماط التفكير السلبي الناتج من تفكير الوالدين السلبي في الغالب؛ ما يؤدّي بالمراهق إلى تكوين نظرة سلبية تجاه العالم مسبباً الإصابة بالاكتئاب.
كيف يجب أن أتعامل مع المراهق المكتئب؟
سواء كانت حياتكما أنت وابنك المراهق تسير بشكل جيّد أو كنتم تواجهون بعض التحديّات، من المهم للغاية إظهار حبّك ودعمك له وتذكيره بذلك من وقت إلى آخر. ويوصي خبراء اليونيسيف (Unicef) باتباع النصائح التالية عند التعامل مع مراهق يمر بوقت عصيب:
- شجّع ابنك المراهق على مشاركة مشاعره، واسأله عن يومه باستمرار، واجعله يشاركك بعض المهام مثل تحضير وجبة العشاء على سبيل المثال، حتى تتمكّن من استخدام هذا الوقت في إجراء دردشة معه.
- ذكّر ابنك المراهق أنك متاحٌ من أجله دائماً أيّاً كان ما يحدث في حياته، وأنك تريد أن تستمع إلى ما يفكّر فيه ويشعر به.
- أظهِر لابنك المراهق أنك تفهمه وتشعر بصعوبة ما يمر به، وأخبره أن ما يفكّر فيه يبدو منطقياً حتى لو لم تكن تشعر بهذا في الواقع.
- امدح ابنك المراهق على كل عمل يقوم به بشكل جيّد، حتى لو كان بسيطاً.
- أظهِر لابنك أنك تمنحه الوقت والمساحة المناسبَين ليكون بمفرده ويتحمل مسؤولية نفسه، لأنه في هذه السن يريد الشعور بالاستقلال.
- حاول حلّ الخلافات بينك وبين ابنك المراهق ولا تتركها تتراكم، واستمع إلى رأيه وحاولا إيجاد الحلول بهدوء، وتذكّر أنه يمكن للجميع -بما في ذلك ابنك- أن يشعروا بالتوتّر، وحاول ألا تحلّ أيّ مشكلة بينك وبينه عندما تكون غاضباً.
- كن صريحاً مع ابنك المراهق المكتئب، فلا مشكلة في إخباره أنك تعاني من ضغوط أو مشكلات تُشعرك بالخوف والضياع أيضاً إذ يمكن أن تساعد هذه الطريقة على تقبّل المراهق لمشاعره المتوتّرة والمضطربة.
- لا تتردّد في طلب المساعدة من الآخرين إذا شعرت أنك تحتاج إليها، سواء من دائرة الأسرة والأصدقاء أو من مقدمّي الرعاية الصحية.
كيف أساعد ابني المراهق على التخلص من الاكتئاب؟
أول خطوة يمكنك القيام بها لمساعدة ابنك المراهق على تخطّي هذه الفترة الصعبة والتخلص من الاكتئاب، هي أن تنجح في اكتشاف إصابته بالاكتئاب في أقرب وقت. قد يكون هذا صعباً في بعض الأحيان بسبب التقلبّات المزاجية التي يمرّ بها المراهقون عادة كما أشرنا سلفاً؛ لكن إذا شككت في إصابته بعد ملاحظة عرَض أو أكثر من الأعراض سابقة الذكر، فلا تتردد أبداً من مشاركة مخاوفك على الفور مع الأطباء ومختصي الرعاية الصحية.
ويؤكّد الخبراء من معهد تشايلد مايند (Childmind) إن العلاج الأكثر شيوعاً للاكتئاب عند المراهقين هو العلاج المعرفي السلوكي، أما إذا كان الاكتئاب متوسطاً إلى شديداً فقد يحتاج أدوية مثل مضادات الاكتئاب. وعادةً، يعمل الجمع بين العلاج النفسي والأدوية بشكل أفضل من استخدام كلٍ منهما على حدة.
بصرف النظر عن العلاجات الدوائية والعلاج بالكلام، يمكنك مساعدة ابنك المراهق المصاب بالاكتئاب أيضاً من خلال الخطوات التالية:
- تشجيعه على ممارسة الرياضة معاً حتى لو كان ذلك يتمثّل في المشي لبعض الوقت يومياً.
- تشجيعه على قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة.
- مساعدته على إدارة مهامه وتقسيمها لمهام أبسط وأصغر لإنجازها بسهولة.
- تشجيعه على الالتزام بجدول نوم منتظم.
- التأكّد من أنه يحصل على نظام غذائي صحي ومتوازن.
ويؤكّد الاختصاصي في علم النفس العيادي الأردني أحمد حمدان ضرورة المتابعة الطبية للمراهقين الذين يعانون من اعتلالات في الصحة النفسية. ويعتبر الاكتئاب من أسهل الاضطراب النفسية التي يمكن علاجها بمساعدة الأدوية والعلاج المعرفي السلوكي. كما يوضّح أيضاً إنه يمكن للأهل والمجتمع العمل على تعزيز الصحة النفسية للمراهقين والتخفيف من الضغوط الاجتماعية.
اقرأ أيضاً: القلق الاجتماعي عند المراهقين: الأسباب وطرق العلاج
هناك العديد من الأسباب المحتملة وراء معاناة المراهق المكتئب؛ بما في ذلك العوامل الوراثية والتعرّض للصدمات وطبيعة الدماغ والبيئة المحيطة وسيطرة الأفكار السلبية وغيرهم. وقد تتمثّل أعراض الاكتئاب لدى المراهقين في انخفاض الطاقة وقلّة الاهتمام بالأمور التي اعتادوا الاستمتاع بها واضطرابات النوم والإصابة باليأس؛ لكن العلاج المتخصّص يأتي بنتائج جيّدة للغاية، ولا سيما العلاج بالكلام مع الأدوية.
وبصرف النظر عن العلاج الطبّي، قد تتحسّن حالة المراهق وتقل أعراض الاكتئاب لديه من خلال ممارسة الرياضة، وتحسين مهارات التواصل الاجتماعي لديه، وعدم تردّد الوالدين في طلب المساعدة من الآخرين عند الحاجة.