لكي تتمكن من المضي قدماً بثقة في الحياة من الضروري استعادة ثقتك بنفسك والبدء باستعادة تركيزك، فنحن كثيراً ما نشعر بالهلع أمام المهام المتراكمة التي يجب علينا إنجازها، وعدم القدرة على التركيز على مسؤولياتنا والتشتت.
إذاً كيف تستعيد تركيزك وهدوءك وتعثر على ذاتك ومن ثم تتمكن من استعادة ثقتك بنفسك؟ يوضح لنا بعض المحللين النفسيين هذا الأمر، كما يقدم لنا خبير في اليوغا بعض تمارين التركيز التي ستساعدنا في ذلك.
ما أهمية التركيز؟
كم عدد الأنشطة التي قمتَ بها في وقت واحد منذ وصولك إلى المكتب هذا الصباح؟ كم عدد رسائل البريد الإلكتروني التي تحققت منها في أثناء الاستماع إلى بريدك الصوتي، وكتابة نص على لوحة مفاتيح الهاتف الذكي الصغيرة التي تذكرك في كل مرة بأن لديك أصابع ممتلئة؟
تعمل أنشطة حياتنا اليومية على تشتيتنا بصورة مستمرة. كما تؤكد مونيك ديفيد مينارد؛ الفيلسوفة ومختصة التحليل النفسي، أن هذا "التمزق" يؤثر سلباً في هويتنا، وتقول: "لقد أثرت سبل التواصل المعاصرة في ثقافتنا بطريقة جعلتنا نتمزق بين أعباء الحياة بهذا الشكل، وفي مواجهة الإغراءات المتعددة التي نخضع لها، فإننا نفقد حالة السلام الداخلي. إضافةً إلى تمزقنا بين المهام التي لا تُعد ولا تُحصى، فإنه يجب علينا أيضاً الاستجابة لمعايير الأداء المتعددة والموزعة على كل نواحي الحياة، فيجب علينا أن نكون فعالين في العمل، وجيدين بما فيه الكفاية في الحياة الجنسية والأسرية، وأن نظل جذابين مهما حدث. كما أننا نفصل كل جانب من جوانبنا عن الآخر؛ إذ يتم حثنا باستمرار على فصل العقل والعاطفة والجسد عن بعضهم البعض دون أن نعي أنه لا يمكن لأي من هذه الجوانب أن تؤدي دورها كما ينبغي بمعزل عن الأخرى.
يُضاف إلى هذه الخطابات والمطالب "الممزِّقة" تأثير الضائقة الاقتصادية التي تثير خوفنا من التعرض للتهميش وتهدد بإضعاف علاقاتنا الاجتماعية والمهنية، وهي مخاوف تهز دعائمنا النفسية بصورة أكبر. كما أن للتشتت الناجم عن هذه المخاوف تأثيرات أكبر أيضاً، فهو يشوه صورة المرء الذاتية ويدمرها. يقول الطبيب ومختص التحليل النفسي آلان فانيير: "عندما يواجه المرء صعوبات في المجال المهني بصورة خاصة، فإنه قد يميل بسهولة إلى التقليل من قيمة الذات، وذلك لأن الفرد لا يرتقي في عمله لمجرد كسب المال أو مدفوعاً بالروح التنافسية فقط؛ بل رغبةً منه أيضاً في الحصول على عائد يرضي نرجسيته؛ وهو ما يتمثل بثناء رئيسه في العمل عليه".
يمكن أن يكون للخوف والشعور بالفشل والعجز عواقب وخيمة على صورتنا الذاتية ونظرتنا لأنفسنا. على سبيل المثال؛ عندما يركز المرء على أجزاء مختلفة من جسده ويبدأ بالتمعن فيها فيرى بقع التقدم في السن على يديه، ويعاين ترهل ذراعيه، فإن ذلك يؤدي إلى تحطم دعائمه النفسية وتشتته، ويوضح مونيك ديفيد مينارد قائلاً: "بدافع القسوة على النفس، فإننا نركز غريزياً على هذا الجزء الذي نعتبره جزءاً بغيضاً من جسدنا".
ممارسة تأمل الزِن أو اليوغا
لاستعادة التركيز والتخلص من الأفكار التي تنهش أذهاننا، فإنه من الضروري أن نتمكن من استعادة هدوء النفس ولم شملها. وهذا ما تقدمه لنا بعض ممارسات الحكمة الشرقية مثل تأمل الزِن أو اليوغا (التي تعني "الاتحاد"). يوضح فائق بيريا؛ معلم الآينغار يوغا، قائلاً: "إن تكوين الإنسان يحتم عليه أن يكون قادراً على وضع أعضائه ووعيه وعقله معاً في الاتجاه ذاته عندما يرغب بتحقيق هدف ما. ونحن في معظم الأحيان لا نفتقر إلى الرغبة في ذلك؛ لكن ما نفتقر إليه هو التعاون بين أعضاء الجسد، فعندما يكون جسدنا مقيداً نعاني من التشتت الذهني؛ أي عدم التركيز. وللتعامل مع هذا الأمر نحن بحاجة إلى ركيزتين أساسيتين؛ وهما استخدام وضعيات معينة وممارسة التنفس.
التمرين الأول
عندما يكون العقل مضطرباً ومستثاراً، فإننا غالباً ما نشعر بحرارة في الدماغ، ويجب علينا "تبريده" لنتمكن من تهدئته.
ادفع راحتيّ يديك بقوة على الأرض وافرد ساقيك جيداً مع رفع عظام الألوية الصغيرة نحو الأعلى، ويمكن رفع الكعبين قليلاً. أرخِ عنقك وبطنك ووجّه نظرك نحو السرة. يمكن وضع الجبهة على لبنة لتسمح لدماغك بأن يسترخي بصورة أفضل. في هذه الوضعية عليك أن تتنفس بهدوء (خلال ممارسة اليوغا نتنفس من الأنف فقط) مع البقاء على هذا النحو لمدة دقيقتين إلى ثلاث دقائق.
تأثير هذا التمرين: التهدئة والاسترخاء، وإطالة عضلات الظهر والرقبة والأضلاع.
التمرين الثاني
اجلس جلسة القرفصاء مع إبقاء ظهرك مستقيماً واخفض رأسك باتجاه صدرك وأبقِ عينيك مغمضتين. ضع راحتيّ يديك فوق بعضهما البعض ثم ضع إبهاميك على عظمة القص. أرجع كتفيك إلى الخلف لتشد جذعك مع بقاء البطن والحوض في حالة ارتخاء. قم بالشهيق عبر الأنف والصدر دون نفخ البطن بحيث يبقى مرتخياً تماماً، ثم ازفر لثانية وتوقف لثانية، وكرر هذه العملية حتى تشعر أن البطن سيبدأ في الانقباض، وتوقف عند هذه النقطة؛ إذ يجب ألا تتوتر المعدة أبداً. بعد ذلك خذ 3 أنفاس طبيعية وكرر هذه الدورة. يجب أن تستغرق العملية 5 دقائق، وبالنسبة لأولئك المعرضين للاكتئاب أو الافتقار إلى قوة الإرادة أو الثقة بالنفس، فيُنصح بتأدية التمرين ذاته مع استبدال الزفير بالشهيق.
تأثير التمرين: يزيد النشاط ويؤدي إلى تحسين الدورة اللمفاوية، وأكسجة الدماغ والأنسجة والعضلات، ويسمح لك بإدراك أنفاسك وجسمك وحركاتك وأفكارك.
التمرين الثالث
استلقِ على ظهرك، مع وضع بطانية تحت رأسك، وأرجع كتفيك إلى الوراء بعيداً عن أذنيك، واسحب ذراعيك بعيداً عن صدرك حتى يتجه الجانب الداخلي من ساعديك نحو الأعلى دون الضغط على الكتفين. مد الجزء الخلفي من رجليك على البساط وباعد بين قدميك حتى تشعر بأصابعهما تلامس الأرض. يجب أن تكون عظمة عجب الذنب مائلة باتجاه الكعبين والكاحلين، كما يجب أن يكون اللسان والحلق في حالة استرخاء تام، وكذلك العينان؛ حيث يمكن تغطيتهما بوشاح للمساعدة على ذلك. يُعتبر استرخاء العينين أحد مفاتيح الاسترخاء التام، فنحن نقول في ممارسة اليوغا أنه كما أن الجلد هو مرآة لحالة الجسم، فإن العينين هما مرآة الروح. حافظ على هذه الوضعية وتنفس خلالها تنفساً طبيعياً وهادئاً ولطيفاً.
تأثير التمرين: يتيح لك هذا التمرين الوصول إلى حالة السلام الداخلي، ويزيل التوترات العصبية والعضلية والذهنية، ويُشعرك بالخفة، ويحرر الجسد ويوحده بالعقل.
أساليب أخرى
هنالك العديد من التقنيات التي تسمح لك باستعادة التركيز، والجمع بين الوضعيات الجسدية والحالات التأملية، ونقدم لك 4 من هذه التقنيات التي أثبتت فعاليتها.
التأمل
في حين أن هناك عدة أنواع من أساليب التأمل كالزِن، والتبت، وفيباسانا وغيرها، فإن الهدف الرئيسي لها هو جعل الممارس على دراية بتدفقات الأفكار التي تثيره باستمرار وتوجيهها توجيهاً أفضل. مع تقدم تمارين التركيز والتنفس، فإن العقل يتحرر من الأفكار الطفيلية ويصل تدريجياً إلى حالة من الوعي الكامل، وهي حالة مثالية لإعادة الاتصال بالنفس.
ممارسة كيغونغ
تتمحور هذه الممارسة الصينية البالغة من العمر خمسة آلاف عام حول جعل الطاقة الحيوية تشي (qi) تنتشر بحرية في داخلنا ومن حولنا عبر القيام بسلسلة من الحركات البطيئة. يسمح لنا هذا الفن باستعادة التماسك بين جميع أبعاد النفس والبيئة المحيطة بنا.
ممارسة رولفينج
طورتها إيدا رولف؛ عالمة الكيمياء الحيوية الأميركية، وتجمع هذه الممارسة بين اليوغا والمعالجة العظمية، وهي عبارة عن تدليك عميق يُجرى في عيادة المختص. نظراً لأنها تهدف إلى إعادة الجسم إلى محوره المركزي؛ تسمح لك هذه الممارسة بالوصول إلى حالة من الرفاهية الجسدية والعقلية.
طريقة ألكسندر
تحمل هذه الطريقة اسم مخترعها، وهو ممثل أسترالي أدرك أن وضعيات الجسم السيئة كانحناء الظهر والأكتاف لها تأثير سلبي في الحالة الجسدية والذهنية أيضاً. تقترح هذه التقنية التخلص من الإيماءات التلقائية، واستبدالها بالحركات والوضعيات المناسبة، وهكذا يصبح الممارس أكثر وعياً بصورة جسده.