يحدث التفكير الوهمي عادة حين تتملّك الشخص التخيّلات والهواجس غير الواقعية، بدون أعراض ذهانية أخرى، مثل الهلوسة أو الكلام غير المنظّم. أو أنه يحدث بالتزامن مع هذه الأعراض. وتتميّز تلك الأوهام بكونها معتقدات قوية طويلة الأمد، وهي أنواع؛ فمنها ما يرتبط بالقلق، أو الاضطهاد، أو العظمة.
وقد تتشابه الأعراض النفسية في التفكير الوهمي باضطرابات عقلية أخرى مثل الفصام (Schizophrenia) واضطراب جنون العظمة (Megalomania Disorder). ما يؤكد أن التشخيص الصحيح للمرض يحتاج لاستشارة طبية. إذ لا يمكن الاعتماد حصراً على المعلومات التي يقدّمها هذا المقال حول التفكير الوهمي و طرق علاجه.
ما هو التفكير الوهمي؟
يتميّز الأشخاص المصابون بالتفكير الوهمي (Delusional Thinking) بميولهم إلى إصدار أحكام مبكرة واتخاذ قرارات متسرّعة بناءً على القليل من الأدلة وفقاً للدكتور والأستاذ المساعد بجامعة إلينوي والمتخصّص في اقتصاديات الصحة للإدمان والسمنة، شهرام حشمت (Shahram Heshmat).
فهؤلاء الأفراد غالباً ما يقفزون إلى استنتاجات خالية من الصحة لأنهم يحتاجون بشدة إلى حل حاسم أو فهمٍ عاجل للموقف. ويضيف حشمت عن طبيعة الأفكار في التفكير الوهمي أنها عبارة عن معتقدات شخصية ثابتة وغير منطقية؛ لا تقبل التغيير في ظل الأدلة المتضاربة.
بينما يذهب الخبراء من كليفلاند كلينيك (Cleveland Clinic) إلى تعريف التفكير الوهمي بأنه نوع من الاضطراب الذهاني (Psychotic Disorder) الذي يتميّز بوجود اعتقاد أو مجموعة اعتقادات خاطئة. وهو اضطراب نادر يصيب ما يقرب من 0.05-0.1% من السكان البالغين. ويمكن أن يكون التفكير الوهمي عَرَضاً لاضطراب آخر أكثر شيوعاً مثل الفصام (Schizophrenia).
أعراض الاضطراب الوهامي
من الضروري معرفة أن الأوهام يمكن أن تظهر كتأثير جانبي نتيجة تناول بعض الأدوية، لذا يجب أن يكون ذلك مستبعداً تماماً حين الاطلاع على أعراض الاضطراب الوهامي (الضلالي) التي يحدّدها الخبراء من مستشفى ساوث كوست للصحة السلوكية (Southcoast Behavioral Health) في العلامات التالية:
- الأعراض النفسية: تتضمّن الصعوبات الاجتماعية التي يواجهها الشخص المصاب إضافة إلى التوتر الذي يمكن أن ينشأ داخل علاقاته العاطفية بسبب أوهامه.
- الأعراض السلوكية: وتتمثّل في السلوكات العدائية أو العدوانية مثل رفع دعاوى قضائية أو إرسال رسائل وخطابات للاحتجاج على أمرٍ ما. وتكون تلك السلوكات مبنية على الأفكار الوهمية، وهي تؤثّر في الأداء المهني للشخص وتثير توجسه تجاه كل شيء يحيط به.
- الأعراض المعرفية: حيث تطغى اللاعقلانية على المعتقدات الشخصية الغريبة؛ كأن يعتقد المصاب بأنه يتعرض للاضطهاد أو الخيانة من طرف الزوجة، أو يعاني من رائحة جسم كريهة، أو أن لديه تشوّهاً خلقياً معيناً. وقد يميل بعض المصابين إلى الاعتقاد الوهمي بأنهم يمتلكون مواهب عظيمة أو قدرات خارقة، أو أن شخصاً ما في محيطهم واقع في حبهم.
اقرأ أيضاً: 3 تمارين يومية تخلّصك من التفكير الزائد
أسباب التفكير الوهمي
يربط الخبراء من كليفلاند كلينيك أعراض الاضطراب الوهامي بعدم توازن بعض المواد الكيميائية في الدماغ والتي تسمى أيضاً بالناقلات العصبية. وكما هو الحال بالنسبة إلى اضطرابات ذهانية أخرى؛ لا يعرف الباحثون سبباً واحداً محدداً وراء الإصابة بهذا الاضطراب بالتحديد ولكنهم يعزونه إلى عدة عوامل من شأنها الإسهام في تطوّره.
- العوامل الوراثية: يكون الاضطراب الوهامي أكثر شيوعاً لدى أفراد عائلة المصاب به أو باضطراب الفصام؛ ما يؤكّد تأثير العامل الوراثي في احتمالية الإصابة به.
- العوامل المحيطة والنفسية: يشير الباحثون إلى أن عوامل مثل الإجهاد وتعاطي الكحوليات يمكن أن تسهم في الإصابة بالاضطراب الوهامي. كما أن العزلة الاجتماعية وانعدام الثقة في النفس والشك وتدني احترام الذات كلها أسباب نفسية قد تدفع الشخص لتطوير أفكار وهمية تفسّر مشاعره.
طرق علاج التفكير الوهمي
يرى الخبراء من جامعة تكساس (Texas A&M University) أن علاج الاضطراب الوهامي صعب بسبب معتقدات المريض الوهمية؛ إلا أن العلاج النفسي بالتزامن مع الأدوية المضادة للذهان هو أكثر أشكال العلاج فعالية.
العلاج المعرفي السلوكي
يتطلّب العلاج المعرفي السلوكي (CBT) إقامة نوعٍ من التحالف العلاجي القوي مع المريض من طرف الطبيب المعالج، لأن معظم مرضى الاضطراب الوهامي لا يثقون في عائلاتهم وأصدقائهم ومقدمي الرعاية الصحية.
بعد ذلك يتم تحدي المريض تدريجياً في معتقداته الواهمة وقوة تصديقه لها، وتشجيعه على تفكيك المواقف التي تحفّز ظهور الأفكار الوهمية لديه؛ والتي تكون مرتبطة بمشاعر القلق والتوتر غالباً. ويهدف هذا العلاج إلى الوصول بالمريض إلى مرحلةٍ يكون تعلّم فيها كيفية اختبار الواقع من دون أوهام.
العلاج المعرفي السلوكي للقلق
يعاني المصابون بالاضطراب الوهامي من اضطرابات نفسية مرضية مصاحبة تظهر عادةً لدى الأشخاص الذين يعانون من أوهام العظمة مثل القلق، فيقدم العلاج المعرفي السلوكي للقلق تطبيقات عملية حول مراجعة المعتقدات الإيجابية والسلبية وتحديد المحفزات وتعلم تقنيات الاسترخاء لتقليل حدة أعراضه.
الفرق بين التفكير الوهمي واضطراب الفصام
في مراجعة قصيرة للفروقات بين الاضطراب الوهامي واضطراب الفصام، يؤكّد الباحث من قسم الصحة العقلية بمستشفى جامعة برشلونة ألكسندر غونزاليس رودريغيز (Alexandre González-Rodrígue)، والباحثة من قسم الطب النفسي بجامعة تورنتو ماري سيمان (Mary V Seeman)، أن كلا الاضطرابين من النوع غير العاطفي على عكس اضطراب الاكتئاب أو القلق لكن أعراضهما قد تتداخل فيما بينها من حيث وجود الأوهام؛ غير أن الفصام يتميّز أكثر بوجود أعراض مثل الهلوسة والعجز المعرفي واللامبالاة والعزلة الاجتماعية.
وأخيراً؛ التفكير الوهمي هو عرض واضح للاضطراب الوهامي الذي قد يعاني منه العديد من الأشخاص دون أن تتم ملاحظة ذلك من قبل المحيطين بهم كالعائلة والأصدقاء. لكن يكون من الواضح أن الأوهام تعيق الحياة الاجتماعية والشخصية للمرضى؛ إذ تتدخّل أفكارهم ومعتقداتهم الوهمية في كلّ علاقاتهم، وحتى علاقتهم بأجسادهم.