داخل هاتف كل واحد منا، أو معظمنا، عددٌ لا يحصى من الصور لطفل ما، فنحن دائماً ما نسعى إلى توثيق كل حدث مهم وغير مهم، كل ابتسامة ووقفة وتصرف عفوي ولباس جديد وغير ذلك؛ وهو أمر مفهوم، فمَن منا لا يريد أن يخلّد أكبر عدد ممكن من اللحظات مع أطفال يكبرون بسرعة البرق؟ لكن ماذا عن التأثير النفسي لكثرة التصوير في الأطفال؟ هل فكرنا في كيفية تأثير هذا التوثيق المستمر في إدراكهم لذواتهم وخصوصياتهم؟
محتويات المقال
سنتعرف في هذا المقال إلى بعض المخاطر الخفية المترتبة على الإفراط في التقاط الصور للأطفال من وجهة نظر نفسية، بالإضافة إلى توضيح بعض النصائح التي ستساعد على الاستمرار في هذا التوثيق لكن بطرائق دعم نموهم العاطفي والنفسي.
اقرأ أيضاً: خطأ شائع في تربية الأطفال قد يضرهم دون أن تعرف
كيف تؤثر كثرة تصوير الأطفال في صحتهم النفسية؟
في حين أن التقاط صور لطفلك يعد وسيلة شائعة لتوثيق الذكريات، فإنه قد ينطوي على بعض الآثار النفسية المحتملة في بعض الحالات؛ مثل:
1. التأثير في كيفية نظر الطفل إلى نفسه وإحساسه بقيمته الذاتية
أشارت دراسة منشورة في دورية علم النفس التنموي (Developmental Psychology)، إلى أن الأطفال يطورون شعوراً بالذات وحساسية تجاه تصورات الآخرين في سن مبكرة جداً؛ إذ وجد الباحثون أن الأطفال يبدؤون بحلول الوقت الذي يبلغون فيه سنتين بإظهار حساسية تجاه تقييمات الآخرين، ويعدّلون سلوكياتهم على أساس اهتمام المراقبين والقيم المعبَّر عنها.
بكلمات أخرى: يبدؤون الاهتمام بما يفكر فيه الآخرون ويغيرون سلوكياتهم اعتماداً على إذا ما كان شخص ما يراقبهم، وكيفية تفاعل ذلك الشخص مع سلوكياتهم. على سبيل المثال؛ إذا رأى الطفل أن شخصاً بالغاً ينتبه إلى سلوك معين ويقدّره، فمن المرجح أن يكرر الطفل هذا السلوك.
لذلك؛ عندما يصور الأهل الطفل بكثرة، ويُثنون على هذه الصور أو يحكمون عليها، سواء كان ذلك شفهياً أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ مثل التعليق على ملابس الطفل أو حركاته أو مظهره في الصور، فإن ذلك قد ينقل رسالة مبطّنة إلى الطفل عما هو مهم في نظر والديه والآخرين؛ مثل أن المظهر أهم من الجوهر، وأن الأهل يحبونه ومعجبون به بسبب صورته تلك وليس بسبب حقيقته؛ ما قد يؤثر في كيفية وعيه بذاته وسلوكياته الاجتماعية حتى في سن مبكرة، وقد يجعله ذلك شديد الانتقاد لذاته في حال لم يُلبِّ معايير الجمال أو الأناقة التي يراها مهمة في نظر الآخرين.
اقرأ أيضاً: لماذا يكره البعض شكله في الصور؟
2. السعي المفرط نحو نيل قبول الآخرين
عندما ينشر الآباء صور أطفالهم على وسائل التواصل الاجتماعي على نحو متكرر، فإن هذه الصور غالباً ما تتلقى الإعجابات والتعليقات وأنواعاً أخرى من ردود الفعل. يلاحظ الأطفال هذا الاهتمام وقد يبدؤون في ربط قيمهم بعدد الإعجابات أو التعليقات الإيجابية التي تتلقاها صورهم.
وبدلاً من بناء الثقة بالنفس بناءً على قدراتهم أو شخصيتهم أو شعور كل منهم الداخلي بقيمته، فقد يبدؤون في الاعتماد على الموافقة الخارجية؛ أي بناءً على ما يعتقده الآخرون أو يقولونه عن مظاهرهم في الصور. وبمرور الوقت، قد يجعلهم هذا أكثر اهتماماً بإرضاء الآخرين وأقل ثقة بأنفسهم؛ ما قد يؤثر في تقديرهم لذواتهم وتطورهم الشخصي.
3. التركيز على توثيق اللحظات بدلاً من الاستمتاع بالتجربة
يوضح المعالج النفسي عبد الرحمن ذاكر الهامشي، إن كثرة تصوير الأطفال، بالإضافة إلى أنها تقلل عفويتهم وتزيد تكلُّفهم وتصنُّعهم، فإنها تغيّر مفهوم الطفل عن الاستمتاع والسعادة، فعندما يركّز الآباء دائماً على توثيق اللحظات من خلال الصور، سيبدأ الطفل أيضاً في إيلاء أهمية كبيرة للصور أكثر مما يولي أهمية للتجربة المعاشة نفسها.
أي قد يُنظر إلى التجارب على أنها شيء يجب توثيقه بدلاً من لحظات ينبغي عيشها والاستمتاع بها. في الواقع، ذكرت دراسة منشورة في دورية ساجا (Saga Journals) أن كثرة التقاط الصور تؤثّر سلباً في القدرة على تذكّر تفاصيل الأحداث مقارنة بعيش التجربة دون تصويرها.
اقرأ أيضاً: لمَ يسعى أبناء الجيل زد إلى الظهور على الشبكات الاجتماعية بطريقة مختلفة عن الواقع؟
4. الشعور بانتهاك الخصوصية
يتطور عند الأطفال، حتى في سن مبكرة، شعور بالخصوصية، وقد لا يرغبون دائماً في التقاط صورهم أو مشاركتها، ومع تقدمهم في السن، قد يشعرون بعدم الارتياح تجاه البصمة الرقمية (أثر المعلومات التي تخص الطفل على الإنترنت مثل الصور ومقاطع الفيديو والمحتوى الذي يشاركه الآباء لهم فضلاً عن تفاعلات الطفل الشخصية) التي أُنشئت لهم. فلا يمكننا إنكار أن كل صورة أو مقطع فيديو منشور للطفل أو أيّ تعليقات عليهما ستجسّد جزءاً من هويته الرقمية بطرائق قد لا تسرّه عندما يكبر؛ بل قد تسبب له الاستياء منذ الآن؛ لذا من الضروري أن يحترم الآباء رغبات أطفالهم فيما يتعلق بالتصوير والمشاركة.
علاوة على ذلك، فإن صور الأطفال التي تُنشر عبر الانترنت قابلة للنسخ أو التنزيل أو المشاركة بوساطة أي شخص آخر، وقد تُعدَّل هذه الصور وتُستخدَم على نحو غير مناسب؛ ما قد يجعل الأطفال عرضة إلى التحرش أو الابتزاز أو التنمر؛ الأمر الذي قد ينعكس سلباً على صحتهم النفسية على نحو كبير.
اقرأ أيضاً: لماذا نرى أنفسنا في المرآة أجمل من الصور؟
5 نصائح لتصوير طفلك دون أن تضر بصحته النفسية
حسناً، من المفهوم أن يلجأ الأهل إلى تصوير أطفالهم، فهذا أمر تَصعُب مقاومته في هذا الزمن الرقمي؛ وهو نشاط ليس مضراً في حد ذاته؛ إذ يمكن أن يكون تصوير لحظات من حياة الطفل وسيلة مفيدة للحفاظ على الذكريات والاحتفال بالإنجازات.
علاوة على ذلك، يمكن أن يعزز التقاط الصور شعور الطفل بالانتماء والتقدير إذا ما حدث بعناية؛ إذ غالباً ما يستمتع الأطفال برؤية صورهم، ومن الممكن أن تكون هذه الصور أيضاً وسيلة لإجراء العديد الحوارات لاحقاً؛ ما يسمح للآباء والأطفال بالترابط من خلال الذكريات المشتركة.
اقرأ أيضاً: هل يفيدك الشعور بالحنين أم يضرك؟ العلم يجيبك
ومع ذلك، فإن تأثير التقاط الصور في صحة الطفل النفسية يعتمد على كيفية التقاطها والسياق الذي يحدث فيه، وإليك النصائح التي عليك مراعاتها لضمان توثيق حياة الطفل دون إحداث أثر سلبي في صحته النفسية:
- تجنب الهوس بالتوثيق: اعتدل في التقاط الصور ووازن بين توثيق اللحظة والاستمتاع بعيشها. عليك أن تشجع الطفل على الاستمتاع بالتجارب بدلاً من الوقوف دائماً أمام الكاميرا؛ ما قد يساعده على تطوير نهج أكثر صحة في العيش وبناء الذكريات.
- عزز الصورة الذاتية عند الطفل على نحو صحي: وذلك من خلال التركيز على التجارب والعواطف الكامنة وراء الصور بدلاً من التركيز على مظهر الطفل وحركاته.
- خُض مع طفلك محادثات تأملية: ناقش مع طفلك سبب التقاط الصور للحظات معينة؛ ما يساعده على فهم المغزى منها دون المساس بتقديره لذاته.
- احترم خصوصية طفلك: كن حريصاً على راحة طفلك عند تصويره ومشاركته عبر الإنترنت، واطلب موافقته دائماً لتعليمه احترام الخصوصية، وكيفية وضع الحدود الشخصية واحترامها.
- قلل النشر على وسائل التواصل الاجتماعي: شارك الصور على نحو انتقائي لحماية خصوصية طفلك وهويته الذاتية. ومن المفيد أيضاً أن تراعي النقاط التالية: اختر الصور التي تعرض النشاط أو اللحظة ولا تركز على الطفل. اختر الصور التي يكون فيها الطفل مرتدياً ملابسَ مناسبة، وتجنب الصور التي قد تكون عرضة إلى التفسير أو الاستخدام الخاطئ، واضبط إعدادات الخصوصية للتأكد ممن تُمكنه رؤية هذه الصور على وسائل التواصل الاجتماعي.