لماذا يكتم الرجال معاناتهم النفسية؟ وكيف يشاركونها؟

3 دقيقة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

"يتلقى الرجال زهورهم الأولى في جنازاتهم".

قرأت هذه المقولة بالإنجليزية منذ عدة أيام، وشاركتها مع أحد أصدقائي في سياق حديثنا عن ميل الرجل إلى كتمان مشاعره وعدم التعبير عن معاناته النفسية مهما بلغ ثقلها وتأثيرها في حياته؛ نتيجة أسباب معقدة في مقدمتها أن المنتظَر منه تقديم الدعم لمن حوله؛ ما يجعله يرى في إخبارهم بألمه خروجاً عن الدور المُسنَد إليه؛ الذي غالباً ما يكون قد رُسِّخ في ذهنه منذ الصغر.

الملاحَظ أن نتيجة هذا الكتمان غالباً ما تكون شديدة السوء، فالكثير من الرجال يلجؤون إلى علاج اضطراباتهم النفسية في مراحل متأخرة منها؛ ما يجعل رحلة العلاج طويلة ومجهدة. لذا؛ من الضروري التعرف إلى تحليل خبراء علم النفس لهذه الظاهرة، والبحث عن الطرائق التي يمكن للرجل باتباعها أن يشارك معاناته النفسية ويعالجها، وهذا ما يستعرضه مقالنا بالتفصيل.

5 أسباب تدفع الرجل إلى كتمان معاناته على الرغم من آلامه

الرجل مسيطر على مشاعره وكَتوم؛ لذا إن انفجر ستنتج عن ذلك ظهور مشكلات نفسية بالغة.

يؤكد ذلك الطبيب النفسي، إبراهيم حمدي، في سياق حديثه عن ميل الرجل إلى كتمان مشاعره؛ بينما تتميز المرأة بقدرتها على التعبير عن مشاعرها، ويمتد كتمان الرجل إلى عدم تصريحه بمعاناته في كثير من الأحيان، ويرجع ذلك إلى أسباب مختلفة؛ أهمها:

  1. شيوع فكرة أن الرجل القوي صامت: على الرغم من جهود التوعية بأهمية علاج المشكلات النفسية كلها، فما زالت صورة الرجل الصامت تعكس القوة في الكثير من المجتمعات؛ وهذا يعني أن على الرجل التعامل مع مشكلاته في صمت، وأن يواصل حياته ويحقق المزيد من النجاحات، حتى يظهر في النهاية بأنه قد انتصر على العراقيل التي واجهته جميعها بمفرده.
  2. غالباً لا يجد الرجل آذاناً مُصغية: أجرى الطبيب النفسي روب وايلتي (Rob Whitley) دراسة علمية للوصول إلى أسباب عدم تفضيل معظم الرجال الحديث عن صحتهم النفسية، وكان في مقدمتها أن الكثير منهم عندما حاولوا التحدث عن معاناتهم النفسية، لم يجدوا ترحيباً من جانب الأشخاص في محيطهم؛ الذين رَأَوا أن هذا الحديث لا يتسق مع الرجولة، أو يدل على شخصية شكّاءة؛ ويؤدي هذا التجاوب الضعيف إلى تفضيل الصمت لاحقاً.
  3. عدم قبول فكرة انهيار الرجل: يشير وايلتي إلى أن الصورة النموذجية للأسرة هي التي يكون الرجل فيها العائلَ المسؤول عن توفير مصدر الدخل؛ وهذا يعني العمل ساعات أطول والسعي إلى نيل رضا المدراء بهدف الترقي وزيادة الراتب والحفاظ على الأمن الوظيفي.

يتوازى ذلك مع ميل الرجال إلى عدم أخذ إجازة من العمل لأسباب متعلقة بتراجع الصحة النفسية؛ لأن هذا الفعل قد يؤدي إلى نظرة أصحاب العمل إليهم كما لو أنهم أشخاص غير جديرين بالثقة؛ وهو ما قد يؤثر في مستوى دخل كل منهم ويؤدي إلى تراجع استقراره الوظيفي.

  1. يرى أحياناً أن مشكلته غير قابلة للحل: اعتادت المرأة منذ صغرها مشاركة مشكلاتها؛ وهذا يؤدي إلى تشارك وجهات النظر ومن ثم الوصول إلى حلول مجدية؛ لكن الرجل الذي لم يمر بخبرة مماثلة قد يظن مشكلته غير قابلة للحل؛ وهذا يجعل مشكلاته تتراكم حتى تستنزف طاقته، وربما يترافق هذا السلوك مع تطور أنماط خاطئة للتفكير مثل التفكير الكارثي، أو التفكير بطريقة "كل شيء أو لا شيء".
  2. لا يجيد التعامل مع مشاعره: يؤدي كتمان الكثير من الرجال مشاعرَهم إلى الانفصال عنها بمرور الوقت؛ وهو ما يُفقدهم القدرة على معرفة ماهيتها أو الوصول إلى أسبابها والتعبير عنها والتعامل معها. فعلى سبيل المثال؛ قد يخلط بعض الرجال بين الحزن والخوف والغضب، وينظرون إلى هذه المشاعر كلها على أنها شعور بالضيق.

اقرأ أيضاً: لماذا يطيل بعض الرجال الجلوس في دورة المياه؟

كيف يمكن أن يتخلص الرجل من كتمان معاناته النفسية؟

يوجد العديد من الإرشادات الفعالة التي تساعد الرجال على أن يتغلبوا على كتمان معاناتهم النفسية؛ مثل:

  1. ابحث عن شخص تثق به لتشاركه معاناتك: ربما تعتقد أن الأفضل لك عدم إخبار من حولك بمعاناتك النفسية لأنهم لن يفهموك أو لن يستطيعوا مساعدتك؛ لكن التفكير بهذه الطريقة غير صحيح، فربما ستجد صديقاً مقرباً منك يهتم لأمرك أو يشاركك المعاناة نفسها. وفي حال تعذر ذلك، فلا تتردد أن تلجأ إلى استشارة المعالج النفسي؛ حتى يقدم لك حلولاً فعالة لمشكلاتك التي سيؤدي كتمانها إلى تفاقمها.
  2. أعد بناء علاقتك بذاتك: يشمل ذلك إجراء عدة خطوات في مقدمتها معاملة نفسك بإيجابية والتخلي عن السعي نحو الكمالية، وأيضاً التمرس على مهارات إدارة الغضب والتوتر، بالتوازي مع صناعة دائرة مجتمعية تقدم لك الدعم المعنوي وتخفف عنك الضيق.
  3. جرب اللجوء إلى استراتيجيات التأقلم: تتنوع هذه الاستراتيجيات بين تمارين الاسترخاء التي ستساعدك على تخفيف قلقك، وممارسة الرياضة لتعزيز حالتك المزاجية، والامتناع عن ممارسة العادات غير الصحية، واكتشاف هوايات واهتمامات جديدة.