ألصَقَت سكاكِرُ لعبة "كاندي كراش" (Candy Crush) أيادي ملايين النّاس بشاشات هواتفهم، فلا يرفعون أعينهم عنها سواء كانوا يستقلون وسائل النقل العامة أو في أثناء ساعات العمل في مكاتب عملهم أو حتى في أسِرَّتهم قبل أن يخلدوا إلى النوم. فهل يتعلق الأمر بإدمان جديد يدق ناقوس الخطر؟
لماذا يلعب البعض كاندي كراش؟
هوَسُها بالسكاكر لم يؤذِ أسنانها إذ يتعلق الأمر بنوعٍ آخر من الحلويات، فكوثر البالغة من العمر 25 سنة والعاطلة عن العمر تنتمي لجيش "كاندي كراش" (Candy Crush). وحسب إحصائية من صحيفة "الأصداء" (Les Echos)، فهي واحدة من 93 مليون مُستخدِم آخر غيرها لهذه اللعبة يتوزعون على كل بقاع العالم. فما تكون هذه اللعبة يا ترى؟ مهمتك الوحيدة في هذه اللعبة هي صفّ قطع الحلوى كي تصير مستويات اللعبة الـ 450 طَوْع لمسةٍ من يدك. هي لعبة قابلة للتثبيت على الأجهزة الإلكترونية بداية من الحاسوب الثابت وليس انتهاءً بالهاتف الذكي. تؤكد كوثر: "هي بالنسبة إليّ طريقة ممتعة لقتل الوقت إذ بمجرد أن ينتابني الملل أبدأ اللعب. إنها مُسلّية حقاً كما أن واجهتها المبهرجة تدخل السرور إلى قلبي".
استراحة من التفكير
تقدّم هذه اللعبة عالماً مزركشاً ومبهجاً يحقق لكل مَن يدخله المتعة والرضا؛ إذ يرى الاختصاصي والمُحلل النفسي المشارِك في تأليف كتاب "مخاطر العالم الافتراضي على الأطفال" (L'Enfant au risque du virtuel)، ميكائيل ستورا أن كاندي كراش شبيهة بالدِّبَبة المحشوّة، ويشرح بتفصيل أكثر قائلاً: "تساعد هذه اللعبة مُستخدميها على مواجهة التوتر الناتج من الشعور بالوحدة"، ولهذا تجدهم غالباً يلوذون بها وهم يستقلّون وسائل النقل؛ ذلك أن هذه الأخيرة كما يصفها الاختصاصي والمحلل النفسي يان لورو "فضاءات اجتماعية دون علاقات اجتماعية". في المقابل نجد أنفسنا ونحن داخل اللعبة في مكان مألوفٍ يقطع الطريق على كل فكرة سوداء قد ترغب في الاستحواذ على أذهاننا. تقرّ كوثر: "تسمح لي كاندي كراش بأن أُفْرِغ رأسي وأنْعَم باستراحةٍ من التفكير".
كائن اجتماعي
يوضّح ميكائيل ستورا بقوله: "لكاندي كراش ومثيلاتها من الألعاب كالمزرعة السعيدة، بُعد آخر غير التسلية وهو خلق نوع آخر من الدّعم بين مستخدميها، فهي في حد ذاتها تجربة مشتركة بينهم إذ تخلق رابطةً خاصّة بين لاعبيها، ففي مشاركتهم الصعوبات التي تواجههم للعبور من مستوىً صعب إلى آخر على مواقع التواصل الاجتماعي، نوع من التواطؤ الخفي". إذ بمجرد انخراطنا في اللعبة، نُرسي بيننا مبدأ "العطاء " ويصير بوسعنا أن نطلب من الآخرين أن يرسلوا لنا رصيداً من "المُحاولات" يسمح لنا بالاستمرار في اللعب. ويشرح ميكائيل ستورا كيف من شأن لعبة كهذه تعزيز تقدير الذات بقوله: "في الحياة العادية، قد يستغرق الحصول على ترقية وقتاً طويلاً لكن ليس في مثل هذه الألعاب التي تجعل صاحبها يُحرز تقدّماً بسرعةٍ وهو ينتقل من مستوىً إلى آخر". كما أن هذا التقدم يُشعرنا بالفخر، فنسارع إلى نشره ومشاركته على صفحاتنا في وسائل التواصل الاجتماعي كي يرى الجميع إنجازاتنا.
العودة إلى الطفولة
يسهب يان لورو في تحليله لكاندي كراش قائلاً: "اللعبة نفسها قائمة على العودة إلى الوراء، فهي تقتلعنا من الواقع وتُمهّد لنا الطريق لنعيش في عالمٍ مُتخيّل"؛ وكأننا نكرر أفعال الطفولة نفسها حين كنا نرتمي في أحضان عوالم من صنع خيالنا. رحلة عودة قطعت تذكرتها "الحلويات" التي لطالما اعتبرها الراشدون "مضرة بالصحة". لكن أليس في غرقنا في عالم مصنوع بالكامل من السكر، محاولة للثأر من "معايير القوام الرشيق والصحة الجيدة" التي يفرضها علينا المجتمع؟ على صعيد آخر يسجل عالم النفس ميكائيل ملاحظة أخرى بقوله: "تعلّمنا كاندي كراش كيف نتعامل مع الإحباط" إذ إن رصيد "المحاولات" المسموحة لنا في كل جولة محدود من جهة، فيما صعوبة اجتياز المستوى كبيرة من جهةٍ أخرى. لكن يبقى من الممتع أن يعود المرء طفلاً في السادسة من عمره من جديد ولو لدقائق معدودة كل يوم.
كيف نتعامل مع كاندي كراش؟
أخذ الأمر ببساطة
يتفق كلّ من يان لورو وميكائيل ستورا على عدم وجود أي داعٍ لتهويل الأمور، فالحديث عن "إدمان" كاندي كراش أو أي لعبة تندرج ضمن هذه النوعية حديث في غير محلّه، ويقول يان لورو مُطمئِناً: "كل ما تفعله وسائل الترفيه هذه هو تحقيق بعض المتعة". فيما يرى ستورا أن أفضل ما في هذه اللعبة هو استحالة بلوغ نهايتها ما يعلّمنا في النهاية تقبُّل الهزيمة.
التسامح
يوجه يان لورو دعوة مفتوحة إلى كل رؤساء العمل الذين تغيظهم رؤية موظفيهم يختلسون بضع دقائق للعب كاندي كراش بقوله: "التحلي بالتسامح إزاء هذا النوع من تبديد الوقت مطلوب، ذلك أن استقطاع وقت قصير للعب من شأنه أن يرفع من إنتاجية الموظفين، فما من أحد بوسعه العمل لثماني ساعات متصلة دون أن يسمح لنفسه باستراحاتٍ متفرقة".
وقفة مع النفس
ينصح ميكائيل ستورا قائلاً: "إذا تسبّب الانغماس في هذه الألعاب في قطيعة تامّة للعلاقات الاجتماعية وأضر بالحياة الاجتماعية للمرء؛ يصير من اللازم أخذ وقفةٍ مع النفس ومساءلتها: مِمَّ نهرب حين نتخذ من العالم الافتراضي ملاذاً لنا؟ فإفراطنا في اللعب حدّ انزعاج شريك حياتنا مثلاً يُعَدّ بمثابة إشارةٍ واضحة لنا كي نتوّقف ونتحاور حول ما أصاب علاقتنا كي تصل إلى هذه المرحلة. ينبّه ميكائيل ستورا إلى أن بعض الحالات المتطرفة التي ترجح فيها كفة اللعب على كفة النشاطات الأخرى المهمة والحيوية في الحياة، قد تخفي خلفها بوادر اكتئاب.
شهادات
نور حقوقية تبلغ من العمر 38 سنة
اعتدتُ الانغماس في لعبة كاندي كراش وأنا أستقلّ وسائل النقل العامة، وأنا في انتظار قدوم شخصٍ ما، وأنا أجلس في غرفة الانتظار في عيادة طبيب. باختصار: كلما وجدت وقتاً فارغاً! لكني بدأت أنتبه بعد مضي وقتٍ ليس بالقصير إلى أني لم أعد أفتح أي كتاب وأقرأ كما كنت أفعل في السابق، وصارت السّطور الوحيدة التي تستحوذ على تفكيري هي تلك التي أصفّ فيها قطع الحلوى! انزعجتُ لهذا الاكتشاف، وصحيح أني لم أقلع عن اللعب إذ لا أزال من مُستخدمي كاندي كراش لحد الساعة؛ لكن الفرق اليوم أني صرت أسأل نفسي قبل أن أبدأ أي جولة إذا لم يكن هناك شيء أهم أرغب في القيام به، وما إذا كانت رغبتي في اللعب نابعة من أعماقي، فكاندي كراش في النهاية ليست حلوى أتسلى بتناولها!