ما الذي يجعل الصداقة بين النساء أقوى من الصداقة بين الرجال؟

الصداقة بين النساء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أصبحت الصداقة بين النساء تتناغم اليوم أكثر من أيّ وقت مضى مع قيمتّيّ الأصالة والتضامن، بعد أن أضحت علاقاتهن أكثر صدقاً واتحاداً في مواجهة شدائد الحياة، وهذا تحليل للتحديات التي تختبر هذا النوع من روابط الصداقة القوية.

تتطور الصداقة بين النساء منذ الطفولة المبكرة التي يتبادلن فيها قطع الحلوى، وحتى سنّ النضج حيث يتسامرن لتشارك حكاياتهن وتجاربهن. عندما تختلين إلى بعضهنّ البعض تضحكن على كل شيء، ودون أيّ شيء، تسترجعن ذكريات الطفولة، تضمدن جراحهن البسيطة أو أحزانهن العميقة، تتحدثن عن مغامراتهن العاطفية، وتُعدن تصور العالم من جديد.

“الصداقة بين النساء مهمة إلى هذا الحد لأن النساء يكتشفن بفضلها، وبأنفسهن، هوياتهن وطموحاتهن” وفقاً لما كتبته شير هايت (Shere Hite) (كاتبة تقرير يحمل اسمها حول موضوع الجنس في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1977) في كتابها الأخير “منافِسات أم صديقات؟” (الصادر عن دار ألبان ميشيل سنة 1999). والأهم من ذلك أنهن يتواصلن دون خوف من تجاوز الحدود، ويتّحدن في مواجهة الشدائد، فتكون العزلة غالباً هي الثمن الذي يدفعنه مقابل الحصول على استقلاليتهن.

صداقات النساء أكثر وطادة

في سن السادسة عشرة، كانت وئام أفضل تلميذة في فصلها الدراسي؛ لكن قِصر النظر الذي ألمّ بعينيها كان حاداً إلى درجة أنها لم تكن تستطيع تمييز الحبل الذي يفضل بين عمودَيّ جهاز الوثب الطولي في حصص التربية الرياضية، ففكرت صديقتها فادية في تعويض الحبل بمجموعة من الأوشحة، ومنذ تلك اللحظة أصبحتا صديقتين لا تفترقان، في علاقة صداقة تتواصل منذ 30 عاماً. والتقت سناء وعُلا أيضاً أول مرة في المدرسة قبل 20 عاماً؛ أما سهام فقد أحبّت صديقتها فريدة منذ أن خلعت نظارة شخص كان يشتمها على الملأ ثم داستها بقدميها، وقد حدث ذلك قبل 18 عاماً.

بعد تحليلها “منحنى العلاقات الاجتماعية” للنساء، لاحظت عالمة الاجتماع ومؤلفة كتاب: “الصداقة، رابطة اجتماعية” (L’amitié, un lien social) (دار النشر لاديكوفيرت سنة 1997)، كلير بيدار (Claire Bidart) أن هذا المنحنى أقل استقراراً من نظيره عند الرجال؛ إذ يصل عدد صداقات النساء في سن 20 عاماً إلى ذروته، ثم ينحدر المنحنى بسبب الانشغال بالعمل، ويعود إلى الاستقرار في سن الثلاثين عاماً قبل أن ينحدر مجدداً عند سن الأربعين الذي يمثل فترة تركيز على العلاقة الزوجية وتربية الأطفال، ويتصاعد من جديد عند سن الخمسين.

وغالباً ما تغيب الصداقات عندما تنشغل النساء “بالأمور الجدية”، حتّى لو أقسمن على غير ذلك. تقول فريدة: “نبّهت زوجي إلى أنني لن أتخلّى أبداً عن صديقاتي! وقبِل ذلك؛ لكن المعاملة بالمثل لم تكن أبداً سهلة عليّ لأنك إذا أردت أن تعيش هذه الحرية باطمئنان، فيجب أن تصل العلاقة الزوجية إلى مستوىً معين من النضج”.

اقرأ أيضاً: كيف تميز بين الصداقة الحقيقية والصداقة الزائفة؟

الحرية والصراحة مضمونتان في الصداقة بين النساء

ترى 83% من النساء أن “أفضل صديق” هو المرأة وفقاً لما تؤكده كلير بيدار. تتحدث عُلا بحماس قائلة: “عندما أكون مع سناء أشعر بكينونتي الكاملة. إنها تعزز ثقتي بنفسي، وتصغي إليّ وتتركني أقول ما أريد، وأشتكي مما أريد. بينما عندما أكون مع زوجي، فإنني أميل إلى التحفظ قليلاً في كلامي”.

كيف تتفاهم الصديقات هكذا إذاً؟ تعترف كلهن أنهن لا تتشدّدن في مواقفهن أو تتعنّتن في التشبث بآرائهن، ولا توظفن ذلك في السيطرة على بعضهن البعض. تؤكد سهام ذلك قائلة: “نستطيع أن نكون حرات وصريحات ونحن معاً”، ثم تضيف فادية: “نتحدث دون محرّمات، ونزيل أيّ لُبس عن مشكلاتنا الصغيرة، فنعيد بذلك الأمور إلى نصابها”، وهذا ما لا يحدث دائماً في العلاقة مع الرجال. “هل أفتح قلبي لزوجي؟ إنه لا يحب ذلك، ويشعر بنوع من الإحراج”.

تؤكد شير هايت إن: “النساء يصفن مشاعرهن بالتفصيل، ويولّد هذا الجدل المنفتح والحر وغير الخاضع لأيّ تراتبية أفكاراً جديدة وفهماً متبادلاً لا يخلو من العناصر الإبداعية”. تحتاج النساء إلى نظرة مختلفة إلى أحاديثهن التي غالباً ما يقلل الآخرون من قيمتها أو يحتقرونها أو يعدّونها مجرد قيل وقال؛ ولهذا تؤكدن جميعهن البُعد المرِح لعلاقاتهن. تضيف فادية: “عندما نلتقي نصبح طفلات صغيرات من جديد، نعبّر عن جانبنا الخيالي واللامعقول، ونقارن ما تقوله العرّافات عن مستقبلنا، ونلعب لعبة التنكر بالملابس”،

ولا مجال في ذلك للخداع أو الغش. تقول عُلا: “تستطيع سناء أن تعرف بنظرة واحدة وزني، أو تقيّم درجة تعبي”. وتقول فريدة: “لا تتردد سهام أبداً في الضغط على نقاط ضعفي، فتسألني مثلاً: لماذا لا تحاولين تخفيض نسبة فائدة قرضك البنكي؟ هل تخافين أن يضربك موظف البنك”؟

اقرأ أيضاً: هل تخوّلنا الصداقة بأن نبوح بالحقيقة؟

جبهة فعالة ضد الوحدة

كثيراً ما تجد نساء اليوم أنفسهن وحيدات بسبب العزوبة حتّى سن متأخرة أو العلاقات العاطفية الهشّة أو فشل الزواج أو الترمّل. تروي فادية قائلة: “كانت رؤية وئام مجدداً في القاهرة مصدر ارتياح بالنسبة إليّ، فقد كنت قد انفصلت للتو عن زوجي، ودون دعمها ودعم صديقاتي الأخريات لم أكن لأتعافى أبداً من جرح الطلاق. تعاونّا جميعاً بالتناوب على رعاية الأطفال وقضاء إجازاتنا معاً، وخلقنا شبكة حقيقية لتبادل المساعدة بين الصديقات.

عندما تركت إحدى الصديقات وظيفتها، سارعنا إلى إدماج صديقة أخرى في حاجة إلى العمل مكانها”. إنه التضامن البديل في مواجهة التشخيص الواقعي الذي تشير إليه فادية: “في تلك الفترة بدأ وهم فرسان الأحلام يتلاشى، وبدا أزواجنا أقل تعزيزاً للاطمئنان وأقل جدارة بالثقة مما كان متوقعاً، فكنّا مجبرات على القتال في عدة جبهات من أجل نيل استقلاليتنا، وتمكنّا على الأقل من استيعاب درس واحد من دروس النسوية: لا مجال للعزلة”، فرسخت المحن المشتركة التي عشنها صداقاتهن أكثر.

تقول عُلا: “بعد الحادثة التي تعرّض لها زوجي، أُصبت باكتئاب حاد وكانت سناء إلى جانبي، صامتة. كانت تغادر مقر عملها مبكراً، وتبيت عندي في البيت عندما تتفاقم حالتي، وتأخذني معها عندما تسافر خلال الإجازات. وتفهّم زوجها نادر الأمر، وقبِل فكرة غيابها أحياناً، وقد وحدّنا ذلك نحن الثلاثة إلى الأبد”. لكن هناك حدوداً لهذا التضامن على كل حال؛ لهذا كادت فريدة أن تخاصم صديقتها سهام للأبد. وتقول عن ذلك: “عندما انفصلت سهام عن زوجها أصبحت كثيرة الشكوى إلى درجة أنها أنكرت ماضيها كله، فأصبحتُ بالنسبة إليها مثل “سلة المهملات” أو “قناة تفريغ الأحزان”.

اقرأ أيضاً: تجنَّب استخدام هاتين الكلمتين حتى لا تخسر أصدقاءَك.

الأولوية للعمل الجماعي

إذا كانت النساء قد تمكنّ من اقتحام مجالات كانت محتكَرة من طرف الرجال، فإنهن أكثر عرضة للبطالة ويتقاضين رواتب أقل من رواتبهم؛ لذلك تتعاون النساء أيضا في أماكن العمل. تروي عُلا: “بعد مرور فترة وجيزة على وفاة زوجي، عُيّنت في أحد البنوك. كانت رئيستي في العمل ترهبني، وكانت طريقة عملها فعالة لكن قاسية. وعندما علمَت أن معطفي المصنوع من جلد حيوان المنك، الذي يعطي الانطباع أنني امرأة بورجوازية كسولة، كان كل ما تبقّى لي من ذكرى زوجي، غيّرت طريقة تعاملها معي. ومنذ تلك اللحظة لقّنتني قواعد العمل كلها وأصبحت معلمتي”.

تحبّ النساء العمل معاً دون أن تنخدعن “بمنظومته” التقليدية، فهنّ يفضلن العمل الجماعي أكثر من احترام التراتبية، والفعالية أكثر من السلطة، وانسجام الفريق أكثر من المنافسة. ويعرفن أن وراء شخصية المرأة، تكمن شخصية الأم التي تستطيع أن تفهم المشكلات التي قد يعانيها طفل مريض.

لقد اعترفت النائبة البرلمانية الفرنسية، فرانسواز دو بانافيو (Françoise de Pannafieu) في أحد البرامج التلفزيونية مؤخراً بوجود تضامن بين البرلمانيات، وتقول عن ذلك: “يوجد تضامن بين النساء داخل البرلمان الفرنسي حتى بين اللواتي ينتمين إلى أحزاب مختلفة. ونحن نسعد دائماً بالالتقاء مجدداً واستضافة نائبات جديدات بين صفوفنا”.

الكثير من الاهتمامات المشتركة

غالباً ما لا تتشارك النساء أنشطتهن الثقافية والرياضية والفكرية وهواياتهن اليدوية إلا فيما بينهن. تقول فادية: “كنت ألتقي بوئام مرة في الأسبوع في نادٍ رياضي، ولم نكن نفوّت أيّ حفل من حفلات عمرو دياب. نتواصل هاتفياً مرة كل يومين، لنتبادل الطلبات والأسئلة: كيف تصنعين كعكة الجبن؟ هل لديك كتاب تنصحينني بقراءته؟ كيف تحتفلين بعيد ميلاد ابنك”؟ وتضيف سناء: “يشعر زوجي بالملل من مشاهدة أفلام معينة؛ بينما لا تشعر فادية بذلك. عندما نغادر قاعة السينما، نتحدث لساعات طويلة عن الفيلم”.

كما أن الكثيرات من النساء الصديقات أصبحن يسافرن لقضاء الإجازات معاً، ويؤكد أحد منظمي الرحلات السياحية ذلك: “تحفّز النساء بعضهن بعضاً ويفضلن السياحة النشيطة مثل القيام برحلات الغوص في مياه البحر الأحمر، أو ركوب الخيل في أيرلندا”.

هل وراء شخصية الصديقة، شخصية المنافِسة؟

مثل أيّ مشاعر أخرى، لا تَسلم مشاعر الصداقة بين النساء من النزاعات أو القطيعة؛ لهذا تعاتب سهام أحياناً صديقتها فريدة على صراحتها الجارحة وقسوتها في الكلام. تقول عن ذلك: “بإمكانها على الأقل أن تختار كلماتها بعناية”! أما سناء فتدافع عن غيرتها الكامنة من عُلا: “تظهر عُلا أحياناً بمظهر يثير غيرتي. إنها جميلة جداً؛ لهذا أقول في نفسي أحياناً: فلتُهدني جمالها وسأتوقف عن مقارنة نفسي بها”!

أما أسوأ الخيانات التي تحدث في الصداقة بين النساء، فهي كشف الأسرار. تتذكر سناء كيف قطعت علاقتها بإحدى صديقاتها بسبب ذلك: “قطعت علاقتي بها لأنها كانت تروي أسراري في محادثاتها، وكانت تعرف عنّي كل شيء، وكان ذلك سلاحاً مخيفاً في يدها”. في الحقيقة، يمكن أن تكمن وراء شخصية الصديقة، شخصية المنافِسة.

وقد كانت الصديقة المقربة من عُلا امرأة عزباء: “رفضتُ قبول الفكرة الجاهزة التي تدّعي خطورة المرأة العزباء على علاقتي الزوجية، فكادت أن تخطف منّي زوجي”. وترى شير هايت أن هذه العداوات ذات جذور عميقة: “لا تكمن المشكلة في الغيرة؛ بل في نقص الثقة الذي يمثل الدليل على أن النساء لا يأخذن بعضهن بعضاً على محمل الجد، فإذا شكت امرأة ما في قيمتها فإنها ستشك في قيمة النساء الأخريات”.

وما دور الرجال في هذا كله؟ تُجمع هؤلاء النسوة كلهن على أن الرجال: “موضوع اهتمام أساسي لا تخلو منه صداقاتهن”، وأن مطلبهن الوحيد هو التمتع بفسحة من الحرية؛ لكن لا مجال إلى تحويل هذه الفسحة إلى معقل جديد.

اقرأ أيضاً: 10 نصائح للتعامل مع خيانة الأصدقاء والشفاء منها.