ربما تكون المغنية المصرية شيرين عبد الوهاب أولى الفنانات اللواتي يخطرن على البال عند الحديث عن قص الشعر بعد صدمة عاطفية، فقد أعلنت سابقاً إنها عاقبت نفسها بقص شعرها، وإنها ورثت هذه العادة من والدها الذي اعتاد حلق شعره حين يكون غاضباً؛ لكنها ليست الفنانة الوحيدة التي فعلت ذلك؛ إذ صرّحت الممثلة العراقية هند نزار أيضاً بأنها قصت شعرها نتيجة الألم النفسي الذي كانت تعانيه؛ وكذلك فعلت الممثلة والإعلامية المصرية أسما شريف منير التي حلقت شعرها نتيجة عدم قدرتها على تخطي أحزانها، على حد قولها.
محتويات المقال
في الواقع، لطالما كان الشعر رمزاً للهوية والأنوثة والتعبير عن الذات، فتسريحات الشعر ليست مجرد مسألة جمالية بالنسبة إلى بعض النساء؛ بل قد تمثّل انعكاسات لشخصياتهن وحالاتهن المزاجية؛ لذا من غير المستغرب أن يلجأ بعضهن إلى قص شعرهن بعد المرور بصدمة عاطفية ما.
يمكن أن يحمل هذا النشاط الذي يبدو بسيطاً في ظاهره، أهمية نفسية عميقة، وقد يعد آلية للتأقلم. لذا؛ سنخصص هذا المقال لشرح الدوافع النفسية وراء هذا التصرف، بالإضافة إلى تقديم بعض النصائح العملية التي تساعد على تجاوز الصدمات العاطفية.
اقرأ أيضاً: هل تخاف من الرد على الهاتف؟ ربما تعاني من صدمة نفسية
4 أسباب تفسر لجوء المرأة إلى قصّ شعرها بعد الصدمات العاطفية
ترى الطبيبة النفسية، جيمي زوكرمان (Jaime Zuckerman)، إن قص الشعر أو تغييره بعد الصدمات العاطفية يُعزى إلى 4 استجابات عاطفية محتملة هي:
- الرغبة في استعادة السيطرة: غالباً ما يرافق الصدمة العاطفية شعور بفقدان السيطرة على حياة المرء، فالأحداث التي تتكشف بطرائق لا تُمكن إدارتها أو التنبؤ بها قد تسبب الشعور بالعجز؛ لذا قد يمنح قص الشعر إحساساً زائفاً بالسيطرة والاستقلالية، على الرغم من أنه لا يحل القضايا العاطفية الأساسية.
- الرغبة في التخلي عن الماضي: كثيراً ما تنطوي الصدمات النفسية على أعباء عاطفية كبيرة؛ لذا قد تقص نساء كثيرات شعورهن رغبة منهن في التخلص السريع من ألم الماضي واحتضان بداية جديدة؛ أي قد يعكس هذا التغيير الجسدي الرغبة الداخلية في المضي قدماً، وخلق هوية جديدة مختلفة عن الهوية السابقة ما قبل الصدمة.
- الرغبة في تعزيز الثقة بالنفس: تشير دراسة نشرتها شركة سيج الأميركية (Sage Journal) إلى أن أحداث الحياة المجهدة قد تثير مشاعر عدم الرضا عن صورة الجسم،ك؛ ما قد يشكل دافعاً من أجل إحداث تغيير جذري في المظهر بغية تعزيز صورة الذات وزيادة الثقة بالنفس.
- وسيلة لتجنب الألم: في بعض الأحيان، قد يكون قص الشعر أو تغييره آلية للتأقلم؛ أي يعمل على تشتيت الانتباه عن الألم العاطفي؛ ما يوفر مهرباً مؤقتاً من مواجهة قضايا أعمق، ويحوّل التركيز بعيداً عن الصراعات الداخلية إلى تغيير خارجي أكثر قابلية للإدارة.
بالإضافة إلى ذلك، تقول المعالجة النفسية، ميسون الخضير، إن القصص التاريخية والأعمال المُذاعة على وسائل الإعلام قد تؤثران في اتخاذ هذا القرار؛ إذ يُتناوَل قص الشعر باعتباره وسيلة لتجاوز الضوائق العاطفية ورمزاً لبداية جديدة؛ ما قد يدفع النساء إلى تبني هذا الأسلوب عند البحث عن طريقة للتعامل مع الصدمات.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تؤثر صدمات الطفولة في حياتك عند الكبر؟
هل قص الشعر بعد الصدمات العاطفية أمر مفيد أم مضر؟
توضح الخضير، إن قص الشعر بعد الصدمة ليس اضطراباً ولا مرضاً نفسياً؛ بل هو أمر طبيعي قد تمر فيه النساء معظمهن بالإضافة إلى الرجال؛ إذ يلجأ الشخص إلى إجراء تغيير جذري في المظهر باعتباره بداية لمرحلة جديدة.
إذاً؛ ربما يؤدي قص الشعر والحصول على مظهر جديد إلى تحسين الحالة المزاجية وتعزيز الثقة في النفس؛ وهو ما قد يحتاج إليه البعض من أجل تجاوز الأوقات الصعبة. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن قص الشعر في حد ذاته ليس مضراً بطبيعته، فإن استخدامه بوصفه آلية مواجهة وحيدة دون معالجة القضايا العاطفية الأساسية قد يصبح إشكالياً؛ إذ قد يكون إلهاء وتشتيتاً بدلاً من طريقة حقيقية للشفاء.
ومن ثَمّ يمكن القول إن تصنيف قص الشعر على أنه مفيد أو مضر هو أمر يعتمد على السياق والحالة العاطفية للفرد؛ فإذا كان التغيير جزءاً من جهد واسع النطاق نحو رعاية الذات والتحول الإيجابي، فقد يكون مفيداً؛ أما إذا أصبح استجابة معتادة للضيق دون معالجة الاحتياجات العاطفية العميقة، فقد لا يسهل الشفاء الحقيقي.
اقرأ أيضاً: كيف يتذكر جسمك الصدمات النفسية؟ وماذا تفعل لتخفيف تأثيرها؟
5 نصائح للتعامل مع الصدمات العاطفية
الصدمات النفسية والعاطفية هي نتيجة أحداث مرهقة جداً تحطّم إحساس الشخص بالأمان، سواء كان امرأةً أو رجلاً، وتجعله يكافح مع المشاعر المزعجة والذكريات والقلق، وقد تثير الشعور بالعجز أو الخدر أو عدم القدرة على الثقة بالآخرين. وتنبغي معرفة أنه لا يوجد طريقة صحيحة وأخرى خاطئة للتفكير أو الشعور أو الاستجابة للصدمة؛ إذ يتفاعل كل شخص على نحو مختلف مع هذه الأحداث.
ومع ذلك، ينبغي تجنب اللجوء إلى آليات التأقلم غير الصحية للتعامل مع الضغوط ومشاعر الضيق؛ مثل قمع العواطف أو العزلة أو الاعتماد العاطفي على الآخرين أو الإنفاق المتهور أو الإفراط في العمل أو الأكل أو النوم؛ إذ وعلى الرغم من أن هذه الأساليب قد توفر شعوراً مؤقتاً بالراحة، فإنها لا تعالج الأسباب الجذرية وقد تؤدي إلى عواقب سلبية على الصحة النفسية.
اقرأ أيضاً: كيف يسلبك الفراغ العاطفي استمتاعك بالحياة؟
لذلك، ينبغي تحديد آلية التأقلم غير الصحية التي ينخرط الشخص بها والاستعاضة عنها بإحدى استراتيجيات التأقلم الصحية؛ التي ربما لا توفر إشباعاً فورياً؛ لكنها تساعد على معالجة المشكلة الجذرية وتؤدي إلى نتائج إيجابية بمرور الوقت. من هذه النصائح:
- تقبل المشاعر والتعاطف مع الذات: يستغرق التعافي من الصدمة وقتاً؛ لذا ينبغي التحلي بالصبر مع النفس والاعتراف بالمشاعر وتقبلها، وعدم التردد في طلب المساعدة المتخصصة عند الحاجة إليها.
- تجنب العزلة: من المفهوم أن يلجأ الناس إلى الانطواء والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية بعد الصدمة؛ لكن ذلك لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع النفسي؛ لذلك من المهم الحفاظ على التواصل مع الأصدقاء والعائلة الداعمين؛ ما قد يمنح شعوراً بالراحة والاستقرار حتى لو لم يُناقش فيه سبب الضيق مباشرة.
- ممارسة التمارين الرياضية: يُنصح بالتمرن 30 دقيقة يومياً على الأقل؛ إذ تساعد التمارين الرياضية على إطلاق الإندورفين الذي يحسن المزاج، وتسهم في إصلاح الجهاز العصبي.
- اتباع استراتيجيات إدارة التوتر: يمكن للشخص أن ينظّم جهازه العصبي ذاتياً عبر التنفس العميق، بالإضافة إلى ممارسة تمارين اليقظة الذهنية أو التأمل أو اليوغا.
- الاعتناء بالنفس: عبر اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن مع تقليل الأطعمة العالية المحتوى بالسكريات والدهون، والحصول على قسط كافٍ من النوم.
اقرأ أيضاً: لماذا تختلف استجابتنا للصدمات النفسية؟ وكيف نعالجها؟
ختاماً، ثمة نصيحة جديرة بالذكر بالنسبة إلى النساء اللواتي قد يلجأن إلى قص الشعر بعد أزمة عاطفية، وهي أن يسألن أنفسهن إن كان قرارهن نابعاً من رغبتهن في التغيير أم أنه وسيلة لتسكين الألم وتخديره؛ إذ تنبغي معرفة أن الحل الرئيس للتعامل مع أي نوع من الخسارة هو الحزن، فلا بُد من السماح للنفس بتجربة مشاعر الحزن وعدم تجنبها، بالإضافة إلى اتباع استراتيجيات التأقلم الصحية؛ وهو ما سيساعد على المضي قدماً والشفاء على نحو أفضل وأسرع.