اتساق القول مع الفعل حجر الأساس في تقديم نموذج يحتذي به طفلك

3 دقائق
قدوة إيجابية
shutterstock.com/san4ezz

يبحث الأطفال منذ نعومة أظافرهم عن قدوة إيجابية يحتذون بها للمساعدة في تشكيل سلوكهم، سواء في محيط العائلة، أو المدرسة ودائرة الأصدقاء في مراحل متقدمة. يمثّل اختيار القدوة بالنسبة إليهم أمراً مهماً للغاية، وغالباً ما تذهب اختياراتهم الأولى صوب الوالدين، لذلك يظلون يراقبون تصرفاتهم ليستخلصوا منها كيفية التعامل مع الآخرين، وقيادة حياتهم بعد ذلك.

من خلال تلك العملية؛ يمكن للآباء أن يلعبوا دوراً حيوياً في تشكيل شخصية أبنائهم. وعلى الرغم من أن الوالدين يُعدَّان المعلمن الأوائل في حياة أطفالهم؛ فإنهم في بعض الأحيان قد يبادرون بأفعال ويقدّمون نماذجَ لا تتطابق مع النصائح التي يقدمونها لأطفالهم، ولا تعكس السلوك الذي يريدون لهؤلاء الأطفال أن يتبنوه؛ ما يجعل الرسائل التي يودّون من أطفالهم فهمها مشوّشةً.

نمذجة سلوكيات الآخرين

وفقاً لنظرية التعلم الاجتماعي التي اقترحها عالم النفس الشهير ألبرت باندورا؛ يتعلم الناس من خلال مشاهدة الآخرين، ويؤكد على مدى أهمية مراقبة ونمذجة وتقليد سلوكيات الآخرين، ومواقفهم وردود أفعالهم العاطفية.

كذلك؛ أظهرت تجربة الدمية بوبو الشهيرة كيف يُقلّد الأطفال سلوك الكبار - سواء كان عدوانياً أو لطيفاً. أظهرت التجربة أن الأطفال قادرون على تعلم السلوك الاجتماعي مثل العدوان؛ من خلال عملية التعلم بالملاحظة. أشارت التجربة إلى أن الأطفال الذين شاهدوا شخصاً بالغاً يتصرّف بعدوانية تجاه الدمية، أصبحوا عدوانيين أيضاً في تفاعلاتهم، على عكس أولئك الذين شاهدوا الكبار يعاملونها بلطف، فكان رد فعلهم بالمثل، وتعاملوا بلطف مع الدمية.

إذاً، فماذا عن نصائح الوالدين للأبناء بترك هواتفهم المحمولة والالتفات للدروس بينما هم منكبّون على هواتفهم؟

رسائل مشوّشة

يلاحظ الأطفال كيفية قضاء والديهم للوقت وتنظيمهم لوقتهم ومدى كبح أو الانجراف نحو الإفراط في استخدام التقنيات الحديثة، ومن ثم يسيرون على خطاهم، فهم يتعلمون بشكل أعمق من الأفعال أكثر من الأقوال.

يمكن ملاحظة تلك النماذج في كل وقت من حيث تقليد الأطفال لما يفعله الآباء في حياتهم اليومية؛ ما يعني مدى أهمية اتساق القول مع الفعل.

إن استسلام الوالدين للانجراف الرقمي يجعل الرسائل التي يريدون ترسيخها لدى أطفالهم بعدم قضاء وقت طويل أمام الحاسوب والأجهزة الرقمية، تذهب هباء؛ فقبل أن تلوم طفلك على الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، ألقِ نظرةً على مقدار الوقت الذي تقضيه في استخدامها.

يشير طبيب الأطفال وعالم الأوبئة في جامعة واشنطن؛ ديميتري كريستاكيس، في إحدى المقابلات "في الواقع؛ ليس من قبيل الصدفة أن إحدى أكثر الألعاب شيوعاً، حتى بالنسبة للأطفال، هي في الأساس هذه الهواتف المزيفة، والسبب هو أن الأطفال يتعرفون على هذه الأجهزة باعتبارها أجهزة ذات قيمة في العائلة ويرون كل شخص يتمسك بها، فيريدون أجهزةً خاصةً بهم".

وفقاً لتقرير عام 2013 من الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال؛ أبلغ ثلثا الأطفال والمراهقين عن عدم وجود قواعد على الإطلاق فيما يتعلق باستخدامهم للشاشة والأجهزة الرقمية. كما أفاد الغالبية أنهم استمروا في استخدام أجهزتهم خلال المساء في الوقت المفترض أنه مخصص للنوم.

يشير هذا التقرير إلى أهمية تشجيع الوالدين على وضع خطة استخدام منزلي للعائلة لجميع الوسائط الرقمية، والتعرُّف على تأثيرات تلك الوسائل على الأطفال والمراهقين.

كيف يمكن تقديم قدوة جيدة للأطفال؟

على الرغم من أن تصميم سلوك مناسب للأطفال طوال الوقت هو أمر صعب؛ فإنه يجب السعي بصدق لنمذجة القواعد التي تريد أن يتبعها أطفالك، فما تفعله يُظهر لطفلك كيف تريده أن يتصرف. على سبيل المثال: تؤثر الطريقة التي تتعامل بها مع مشاعر مثل الإحباط والضيق، على كيفية تنظيم طفلك لمشاعره. كذلك الأنشطة التي تمارسها، وكيفية قضاءك لوقت فراغك، وكيف تعتني بنفسك؛ كلها عوامل تؤثر على طفلك.

ستساعدك تلك الخطوات في أن تكون نموذجاً يحتذي به طفلك:

  1. ابدأ في سن مبكرة، فالأطفال الصغار يتأثرون بشدة، ومشاعرهم هي محرّكهم الأساسي، فاتخاذ خطوات صغيرة في البداية مع طفلك، أفضل من اتخاذ خطوات كبيرة لاحقاً. كذلك؛ ستساعدك العلاقات القوية مع طفلك في أثناء الطفولة المبكرة ومرحلة المراهقة في التأثير على قيمه وخياراته.
  2. كن مشجعاً لطفلك، ولا تتوقع منه تحقيق شيء قد يتجاوز قدرته. في بعض الأحيان؛ قد تضع التوقعات ضغطاً غير ضروري على طفلك. اسعَ إلى التخلّص من تلك السمات السلبية، واستمر في تشجيع طفلك على القيام بعمل أفضل.
  3. اظهر لطفلك كيفية اتباع قواعد أسرتك من خلال تقديم نموذج له في كل فرصة سانحة. كذلك؛ استخدم الانضباط الذي يعلم المهارات الحياتية، واشرح كيف ستساعده هذه القواعد لاحقاً في الحياة. إذا أظهرت لطفلك أنك تحترم القواعد، فسوف يزيد ذلك من فعالية استراتيجيات الانضباط التي تريد منه اتباعها.
  4. قم بإشراك طفلك في المناقشات العائلية، وتحدث بصراحة، ووفر له مدخلات في قرارات الأسرة وقواعدها وتوقعاتها. هذه طرق جيدة لمساعدة طفلك على فهم كيف يمكن للناس التعايش مع الآخرين والعمل معاً.
  5. حافظ على موقف إيجابي، وحاول أن تفكر وتتصرف وتتحدث بطريقة متفائلة.
  6. تحمّل المسؤولية عن نفسك من خلال الاعتراف بأخطائك، والتحدث عما قد تفعله بشكل مختلف لتجنب نفس الأخطاء في المستقبل، وعدم لوم الأشخاص أو الظروف الأخرى على كل ما يحدث بشكل خاطئ.
  7. استخدم مهارات حل المشكلات للتعامل مع التحديات أو النزاعات بطريقة هادئة ومثمرة، ذلك لأن الانزعاج والغضب عند ظهور مشكلة يشجّع طفلك على الاستجابة بنفس الطريقة.

ابدأ بنفسك أولاً

يراقب أطفالك دائماً ما تفعله، ويرسل استخدامك للتكنولوجيا رسائلَ قوية إلى طفلك حول المكانة التي تحتلها في حياة أسرتك، فإذا أردت أن تكون قدوة إيجابية في عدم الإفراط في استخدام التكنولوجيا؛ ابدأ بنفسك أولاً، وسيلاحظ طفلك ذلك ويحذو حذوك.

المحتوى محمي