هل ما أخبركِ به فيلم باربي عن نفسية الرجل صحيح؟

5 دقائق
فيلم باربي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: إذا كتبت على محرك البحث جوجل "فيلم باربي" ستنبثق لك على الفور مفرقعات وردية اللون وزاهية، والحقيقة أن تلك ليست المفرقعات الوحيدة التي انبثقت من الفيلم؛ حيث تحولت باربي إلى أيقونة نسوية وأصبحت أفكار الفيلم تُستخدم للتحقق من أفكار الرجال، فكيف يحدث ذلك؟ إليك الإجابة في المقال.

فجأة، أصبح كل شيء وردياً من حولنا؛ حيث أعلنت فتيات كثيرات على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم، عن شراء أغراض زهرية خصيصاً من أجل حضور فيلم باربي (Barbie)، وكانت الاستعدادات تتم على قدم وساق، والكل يتفق على توحيد اللون الزهري في السينمات عبر مجموعات البنات المغلقة، وقد توقعت وقتها أن الضجة لها علاقة بمضمون الفيلم الذي يتحدث عن الدمية التي وقعنا جميعاً في عشقها حين كنا صغاراً؛ لكن الأمر في حقيقته كان أكبر من ذلك بكثير، فقد تحولت الدمية إلى رمز نسوي كبير، وتحول الفيلم إلى مقياس من أجل اختبار أفكار الرجال والتحقق منها، فهل ما أخبرنا به فيلم باربي عن نفسية الرجال صحيح؟ إليكم الإجابة في المقال.

النقطة صفر: متى وُلدت باربي؟ وما أهم أفكارها وقيمها؟

صُممت أول دمية باربي في الولايات المتحدة عام 1959 على غرار دمية جنسية ألمانية تُدعى ليلي (Lilli)، وهي عبارة عن جسد بلاستيكي رشيق له شعر أشقر وعينان جميلتان وملابس ضيقة ووجه عابس، وكانت ليلي مشهورة جداً بين الرجال في ألمانيا، وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من شهرتها الواسعة فإنها لم تكن موجودة مطلقاً في متاجر الأطفال.

وفي عام 1955، رأت رائدة الأعمال الأميركية روث هاندلر (Ruth Handler) ليلي للمرة الأولى في أثناء إجازتها الصيفية في أوروبا، واستلهمت منها شخصية باربي التي غيرت شكل دمى الأطفال تماماً. فقبل باربي، كانت الفتاة الصغيرة تلعب بالدمية وتتخيل نفسها أماً تعتني بصغارها؛ لكن مع باربي تغير الوضع حيث أضحت الفتاة تتخيل نفسها جميلة بجسد رشيق ومثالي وغير واقعي في الوقت ذاته.

وبحلول عام 2023، لاحظنا تحولاً كبيراً حدث في شخصية باربي، فلم تعد تلك الدمية التي تهتم فقط بمظهرها الجمالي وشعرها الأشقر وجسدها الرشيق لكنها أصبحت أيضاً طبيبة ومحامية ورائدة فضاء قادرة على مواجهة عالم يسيطر عليه الرجال.

ففي الفيلم، عاشت باربي في يوتوبيا نسائية حيث النساء تقود المدينة وتعيش في سلام؛ لكن المشكلات بدأت في الظهور حين لاحظت باربي أنها لم تعد مجرد دمية بل باتت تشعر ببعض الأحاسيس الإنسانية، وهنا أصبح لزاماً عليها أن تذهب إلى العالم الحقيقي بصحبة حبيبها كين لتكتشف هناك أن الرجال هم الذين يسيطرون على العالم الحقيقي وأن النساء مهمشات.

بعد ذلك، تمر باربي مع تقدُّم أحداث الفيلم بالكثير من التغيرات وتتطور شخصيتها كثيراً؛ حيث تناضل ضد المعايير الصارمة المتعلقة بالنوع الاجتماعي ومعايير الجمال غير الواقعية، وتجسد باربي في الفيلم قيم المرونة والفردية والتمكين ورفض الانصياع لتوقعات المجتمع والاستقلالية، إلى جانب تحقيق الذات وتعزيز قيم الشمولية والتنوع وتقبُّل الآخر.

اقرأ أيضاً: هل تحقق عمليات التجميل الرضا عن النفس؟

كيف أصبحت مشاهدة فيلم باربي محطة محورية في العلاقات العاطفية؟

انطلق الفيلم الوردي الصاخب "باربي" (Barbie) في يوليو/ تموز من عام 2023 بسرعة الصاروخ، ليحطم الأرقام القياسية ويتصدر شباك التذاكر ويتنافس بقوة مع فيلم "أوبنهايمر" (Oppenheimer)؛ حيث وصلت الإيرادات في أسبوع الافتتاح إلى 700 مليون دولار عالمياً.

وبعيداً عن النجاح الكبير الذي حققه الفيلم في شباك التذاكر، كان يؤدي دوراً آخرَ مختلفاً تماماً على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث لم يكن "باربي" مجرد فيلم صيفي مليء بالألوان الوردية بل تحول إلى مقياس في سياق اختبار السيدات لأفكار الرجال وقياس مدى التوافق بينها وبين أفكار الفيلم.

ويمكن أن يحدث ذلك من خلال طرح المرأة عدة أسئلة؛ مثل: ما رأيك في فيلم "باربي" (Barbie)؟ هل لديك مشكلة مع الأفكار النسوية التي طرحها؟ هل فهمت رسالة الفيلم؟ هل تؤمن بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة؟

هذه الأسئلة وضعَتْها النساء حول العالم كمقياس يهدف إلى اختبار الرجل الذي ترتبط به المرأة أو تنوي الارتباط به، فعبر وسائل التواصل الاجتماعي، شجعت النساء بعضهن بعضاً على الذهاب لمشاهدة فيلم "باربي" بصحبة رجل، فإذا فهم رسالة الفيلم وأدرك أهمية دور باربي فهو رجل جيد، أما إذا تصرف عكس ذلك وهاجم الفيلم وأفكاره فهذه دلالة على أنه لا يحترم مسيرة المرأة! وهذا حدث بالفعل مع سلمى التي أكدت أن رد فعل زوجها على الفيلم صدمها وقررت بالفعل هجره مؤقتاً لتعيد ترتيب أفكارها.

السؤال الأهم: هل بالغ فيلم باربي في مهاجمة الرجال؟

تستيقظ باربي في الفيلم كل صباح وتحظى بيوم رائع؛ إذ تدعم صديقاتها المبدعات وتتجول في مدينة باربي لاند وتؤدي دورها على أكمل وجه؛ أما حبيبها كين فلا يفعل أي شيء سوى الجلوس على الشاطئ، وهو ليس وحده، فالحقيقة أن الرجال جميعهم في الفيلم لا يفعلون شيئاً سوى اللهو واللعب، على الأقل في باربي لاند، أما في العالم الواقعي الذي يعرضه الفيلم، فالرجال يفعلون كل شيء ويشغلون المواقع القيادية جميعها.

وحين يذهب كين إلى العالم الواقعي ويرى ما يفعله الرجال هناك، يقرر العودة إلى باربي لاند والقيام بثورة من أجل الرجال، وهنا تتحول المدينة لتتبع السيطرة الذكورية، وأول شيء يفعله الرجال بعد الوصول إلى السلطة هو قمع النساء ومعاملتهن كمواطنات من الدرجة الثانية، وحين تمكنت باربي من استعادة مدينتها، قمع كين عواطفه ورغبته في البكاء والحزن.

ما فعله كين هنا توصلت إليه دراسة بحثية أجرتها جامعة إنديانا بلومنغتون (Indiana University Bloomington) أكدت أن أكثر السمات الذكورية التقليدية انتشاراً في المجتمع هي السيطرة على النساء والاعتماد على الذات والتحيز الجنسي.

ووفقاً لما ذكره أستاذ علم النفس جويل وونغ (Y. Joel Wong)؛ فإنه على الرغم من التوعية على نطاق واسع بشأن أهمية الصحة النفسية والعقلية، فإن الرجال ما يزالون يشعرون بالعزلة ويعانون نفسياً في صمت.

ويتساءل أستاذ التواصل في جامعة توسون (Towson University)، أندرو راينر (Andrew Reiner) عن سبب رفض المجتمع تشجيع الرجال على احتضان عواطفهم، ويؤكد إن تقييد الحياة العاطفية والنفسية للرجال لا يضرهم فحسب لكنه يضر المجتمع بأكمله.

وتجدر الإشارة إلى أن الفيلم تعرض للكثير من الانتقادات؛ حيث ترى الصحفية البريطانية بجريدة ديلي ميل (Daily Mail)، سارة فين (Sarah Vine) أنه مُناهض للرجال بشدة، فالشخصيات الذكورية في الفيلم جميعها كانت إما غبية وإما متعصبة وإما مثيرة للشفقة، وتضيف فين إن أفكار الفيلم النسوية سامة وحدية. وفي سياق متصل، وصف محرر الأفلام ديفيد فير (David Fear) فيلم باربي بأنه من أكثر الأفلام التخريبية في القرن الحادي والعشرين.

اقرأ أيضاً: المساواة بين الرجال والنساء تعني المزيد من الرفاهية للرجال أيضاً 

ما الصورة التي نقلها فيلم باربي عن نفسية الرجال؟

يؤكد المعالج النفسي نيكولاس باليسيس (Nicholas Balaisis) إن فيلم باربي قدّم الكثير من الأمور النفسية الصحيحة عن الرجال، فمع بداية الفيلم نرى باربي تحظى بوقت رائع كل يوم في حين أن كين لا يحظى بيوم رائع إلا إذا نظرت إليه باربي واهتمت به.

ويشير باليسيسس إلى أنه اختبر هذا الشعور في أثناء عمله؛ حيث يعاني الرجال أغلبهم من الرفض والعزلة بسبب عدم اهتمام الشريكة، وأحد المجالات التي يظهر فيها هذا الأمر بقوة هو مجال التواصل الملموس والجنس، فالرجل حين يمارس الجنس على نحو متكرر يشعر بالابتهاج والطمأنينة، وعندما ينخفض الاهتمام الرومانسي من جانب شريكته يشعر بالانهيار الوجودي وانعدام قيمة الذات.

وهذا تحديداً ما حدث في الفيلم، فحين شعر كين أن باربي لا تهتم به اهتماماً كافياً قرر أن يقلب المدينة رأساً على عقب من أجل ممارسة رغبته في الهيمنة والسلطة على نساء المدينة جميعهنّ. الأمر الآخر الذي صورّه الفيلم على نحو صحيح عن نفسية الرجال هو إضفاء الطابع الجنسي على أي بادرة بالاقتراب، فمع نهاية الفيلم، ترغب باربي في التحدث إلى كين، وفور أن تقترب منه يهم باحتضانها وهو الأمر الذي ترفضه تماماً لأن غرضها من القرب لم يكن التواصل معه جسدياً بل التحدث إليه فقط، ويعتقد باليسيس إن الرجال عادة ما يلجؤون إلى الجنس في مواقف الوحدة والقلق الوجودي.

وكذلك، يعكس الفيلم فكرة أن بعض الرجال لا يعبرون عن مشاعرهم بالكلام؛ مثل كين الذي لم يخبر باربي طوال الفيلم إنه يحبها لكنه ذهب معها إلى العالم الواقعي، وهذا ما أشار إليه استشاري العلاقات الأسرية جاسم المطوع حيث أكد إن الرجال كائنات منطقية عكس النساء؛ لذلك عادة ما يعبرون عن حبهم بالأفعال وليس الكلام.

ختاماً، بعد أن شاهدت فيلم باربي أرى أننا نحمّله أكثر مما يحتمل، فالفيلم خفيف وساخر ومَرِح ومليء باللون الوردي المبهج؛ لكن هل هو معادٍ للرجال؟ لا، إنه فقط ينتقد اختلال موازين القوة أحياناً في المجتمع. هل يخبرك الفيلم بعض المعلومات عن نفسية الرجال؟ نعم، إنه يفعل ذلك بعض الشيء؛ لكن نصيحتي ألا تعتمدي على الفيلم في تقييم علاقتك العاطفية.

المحتوى محمي