كيف نفهم تحكم تأثير الحظ في حياتنا ونعززه؟

4 دقائق
الحظ
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يرى علم نفس أن الأشخاص المحظوظين يتبعون طريقة تفكير وسلوكات معينة تساعدهم على اغتنام الفرص وتحقيق النجاح، وأن من أهم سماتهم التفاؤل والبحث عن الجانب الإيجابي في كل حدث سلبي.

"الحظ" كلمة نستخدمها لنحاول تفسير ما نواجهه من نجاحات أو إخفاقات في الحياة، ويتفاوت الناس في ميلهم إلى ربط ما يحدث معهم بالحظ باختلاف وجهات نظرهم. حتى لو لم تكن تؤمن بالحظ عموماً، فلا بد من أن له مكاناً ولو صغيراً في داخلك، فقد تسمع نفسك وأنت تقول دون أن تنتبه أحياناً: "لقد كنت محظوظاً جداً" أو "لم يحالفني الحظ" أو "سأتمكن من تحقيق كذا إذا حالفني القليل من الحظ"، ويمكن تشبيه الأمر بحالة أولئك الذين لا يؤمنون بالأبراج لكنهم يحرصون على قراءة أبراجهم اليومية على الرغم من ذلك! إذاً لمَ نتوهم أن عنصراً خارجياً خارقاً (أي الحظ) يحكم حياتنا؟ ثمة 3 أسباب رئيسة لذلك وهي كما يلي:

  • حاجتنا إلى فهم الأحداث التي نواجهها والتحكم فيها.
  • رغبتنا في معرفة مقدار ما نتمتع به من حظ مقارنة بمن حولنا.
  • تعزيز ثقتنا بأنفسنا وقدرتنا على مواجهة الأحداث المفاجئة.

يسمح لنا مفهوم الحظ السيئ والطيب بتفسير الصدف والأحداث المفاجئة التي نواجهها.

الحظ مفهوم نسبي

بالعودة إلى علوم الاشتقاق، فإن كلمة "الحظ" كانت تعني في الفرنسية القديمة "الطريقة التي يسقط بها النرد أو الزهر"، ثم صارت دلالة على الحظ السعيد؛ ومن ثم يرتبط مفهوم الحظ والصدفة على نحو وثيق بمعتقداتنا وهو يسمح لنا بفهم هذا العالم بأفضل أحداثه وأسوئها، وإعطائها معنىً، وتقبُّل فكرة أنه لا يمكننا تفسير هذه الأحداث أو التحكم فيها كلما أردنا ذلك.

يثير مفهوم الحظ فكرة القدرة المطلقة التي نتمتع بها وخضوعنا إلى أمر خارج عن إرادتنا في الوقت ذاته، وسواء كنا نعتبر أنفسنا محظوظين أو لا، فإننا نعتمد على مفهوم الحظ لبناء قصة نفسر من خلالها لأنفسنا ما حدث معنا؛ إذ نتميز نحن البشر بابتكار الأساطير لإعطاء معنىً للأحداث التي نواجهها، فهل يمكنك تخيُّل غزال يقول لصديقه الغزال: "لقد كنت محظوظاً اليوم لأنني لم أقابل أي أسد"؟

يوضح علم النفس أن الإنسان، خلال مرحلة الطفولة، ينشئ في ذهنه أولى تصوراته الخاصة عن حياته ويتبنى أولى الأفكار والقصص والسيناريوهات التي يسمعها، وهي كلها أبعد ما تكون عن الواقع؛ لكن ما هو الواقع؟ قد تغص حياة البعض بالمحن ويعتبر نفسه محظوظاً على الرغم من ذلك؛ في حين يندب آخرون سوء حظوظهم على الرغم من أنهم يعيشون حياة أفضل، وهذا كله يتوقف على الأسلوب الذي اعتاد المرء التعامل من خلاله مع ما يحدث حوله ومدى مرونته عند مواجهة الصعوبات.

يؤمن بالحظ أولئك الذين يؤمنون بالمعجزات ويحبون إضفاء نثرات من التفاؤل على حياتهم والنظر إلى الجانب الإيجابي في كل موقف، ويقول كارل غوستاف يونغ رداً على سيغموند فرويد الذي رأى أن اللجوء إلى فكرة الحظ هو مجرد نوع من إيهام النفس بالسيطرة: "في كل مكان وزمان نزعة بشرية غير واعية لتجربة معجزة ما".

يغذي الإنسان حبه لذاته حينما يصف نفسه بالمحظوظ، فيشعر أن قوة أكبر منه اختارته خصيصاً مثلاً للنجاح في حياته الزوجية أو المهنية أو الذهاب في رحلة الأحلام. من جهة أخرى، فإن اعتبار الإنسان نفسه محظوظاً هو نوع من التواضع لأنه ينسب نجاحه إلى الحظ لا إلى جهده وعمله وذلك تجنباً للتكبر على أولئك الذين "لا يتمتعون بالحظ"، وهي فكرة أخرى خاطئة لأن الحقيقة هي أن الحظ سلوك وطريقة تفكير؛ إذ يتسم الشخص المحظوظ بأسلوب تفكيره التحليلي، ويبحث عن الإمكانات المتاحة ويشعر بالرضا عند خوض التحديات ويضفي إبداعه الشخصي على كل ما يفعله بطريقة من شأنها أن تؤثر في الأحداث.

وقد عبر جوزيف كيسيل ( Joseph Kessel) عن ذلك بطريقة رائعة في كتابه "أولاد الحظ" (Les Enfants de la chance) إذ كتب: "ليس الحظ حماية خارجية أو هِبة يعيش أصحابها حياة سهلة ورائعة، ومن السخيف والمثير للاشمئزاز التفكير في الأمر بهذه الطريقة؛ لأن الحظ الحقيقي والمجدي والقوي يمتلكه أولئك الجديرون به الذين يعملون على تعزيزه باستمرار".

بدأ الأستاذ في جامعة هيرتفوردشاير (University of Hertfordshire) بالمملكة المتحدة والعالم النفسي المشهور، ريتشارد وايزمان (Richard Wiseman) حياته المهنية ساحراً محترفاً وتخصص في فضح المعتقدات الخاطئة والخرافات، وفي إحدى دراساته طرح السؤال التالي: كيف يجد البعض نفسه دائماً في المكان المناسب لحصد نتائج إيجابية؟

الحظ هو طريقة تفكير

استنتج وايزمان أن جزءاً كبيراً من حظ المرء يرتبط بسلوكه؛ إذ قال: "معظم الأشخاص غير المحظوظين ليسوا منفتحين على ما حولهم" ومن ثم فإن الحظ يتعلق بالطريقة التي ننظر بها إلى الأمور. وعلى ما يبدو، فإن حظنا يتضاءل حينما نخضع إلى الخوف الذي يتملكنا في لحظات عدم اليقين مدفوعين بحاجتنا إلى السيطرة والإمساك بزمام الأمور التي تمنعنا من رؤية ما وراء الأحداث المفاجئة، أو رؤية الحقائق وراء العيوب التي تعتري حياتنا.

هل كان المحظوظون "محظوظين" أم "جربوا حظوظهم" أم "اغتنموا فرصهم" أم "صنعوا حظوظهم بأنفسهم"؟ هل عرفوا كيف ينتبهون إلى ما سماه الإغريق القدامى "كايروس" (kairos) التي تعني "اللحظة المناسبة"؟ قد يكون انتهاز اللحظة المناسبة صعباً لكنه يغدو مستحيلاً إذا أقنعنا أنفسنا منذ البداية بأننا لن ننجح، وكما يقول الفيلسوف تريستان غارسيا (Tristan Garcia) في مجلة "الفلسفة" (Philosophie): "سواء بدت الفرصة قوية أو ضعيفة، يجب أن أتمسك بها وأقتنع حتى النهاية بإمكانية الوصول إلى هدفي".

يعتبر المحظوظون كل ما تجلبه الحياة نعمة، ولا يتمتع الجميع بهذا التقبل تجاه ما يحدث معه، ويفسر علم النفس المعرفي هذه الاختلافات الذاتية من خلال "نظرية الإسناد" التي طورها عالم النفس الأميركي المتخصص في الدوافع، بيرنارد وينر (Bernard Weiner)؛ إذ ينظر المرء إلى الإنجازات التي حققها بطريقتين: الأولى هي أنه حقق ما حققه بسبب المؤهلات التي يتمتع بها (حصلتُ على هذه الترقية لأنني عملت بجد)، أما الثانية فيعزو فيها الأمر لأسباب خارجة عنه (لقد نجحتُ في الأطروحة التي قدمتها لأنني كنت محظوظاً في اختيار الموضوع)، فالأول يشعر أنه يتمتع بقدرة مطلقة أما الثاني فيرى أنه لا حول له ولا قوة، وعموماً ننتقل جميعاً بين الحالتين وفقاً لمقدار الأمان الداخلي الذي نشعر به في اللحظة الحالية.

لنأخذ مسألة الفشل في الحب مثلاً: يجب أن تتحلى بالصلابة للتخلص من فكرة أن الحظ لم يحالفك في تجاربك العاطفية، وأن تُراجعَ سلوكك الذي أدى بك إلى تكرار سلسلة من العلاقات الفاشلة، ومن المهم أن تتخلص أيضاً من الشعور بالذنب الذي قد يدفعك إلى ربط ما يحدث معك بالحظ فقط، ففي عيادات الطب النفسي، يشكو العديد من المرضى سوء الحظ الذي عاناه طوال حياته؛ لكن كثيرين يكررون من جهة أخرى عبارة: "يجب ألا أشتكي فأنا إنسان محظوظ جداً"، وهي تشير إلى شعور بالمرء بالذنب حينما تزور السعادة حياته وبأنه لا يستحقها، ويرجع ذلك إلى مرحلة طفولته والطريقة التي طورها في ذهنه لتفسير ما يحدث من حوله؛ لكن ماذا لو تخلصنا من فكرة ربط حياتنا بالحظ وجربنا اغتنام الفرص؟

ما السمات الرئيسة للأشخاص المحظوظين؟

يرى ريتشارد وايزمان الذي كرس حياته بوصفه باحثاً نفسياً لدراسة مسألة الحظ والفرص، أن حياتنا تعتمد على الحظ بنسبة 10% فقط، في حين أن 90% منها يتوقف على الطريقة التي نتعامل بها مع الأحداث التي نواجهها، ويوضح وايزمان السمتين الرئيستين للأشخاص الذين يرون أنهم محظوظون:

  • يعملون على تعزيز فرصهم: يغتنم الأشخاص المحظوظون الفرص التي تتاح لهم، فهم يحاولون البدء من الصفر تقريباً ويتعلمون من خلال التفاعل مع الآخرين.
  • يستمعون إلى حدسهم: الأشخاص المحظوظون متفائلون وهذا أحد أسرارهم، فالإنسان الذي يفكر بتفاؤل وإيجابية أكثر قدرة على اغتنام الفرص، وقبل كل شيء، يرى الأشخاص المحظوظون أن كل مشكلة يواجهونها في الحياة ستجلب لهم خيراً في نهاية المطاف.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين التواضع الحقيقي والتواضع الظاهري؟

المحتوى محمي