يحاول بعض الأشخاص فرض وجهات نظرهم على الآخرين على الدوام ويُبدون تصميماً وإصراراً كبيرَين في سبيل ذلك، وسواء كان الموضوع محل النقاش مهماً أو بسيطاً فهم يريدون أن يكونوا أصحاب الكلمة الأخيرة فيه. إن هذا العناد الذي يتسم به بعض الراشدين والذي قد يبدو نوعاً من الغرور، يخفي في الحقيقة معاناة لديهم ترجع إلى مرحلة الطفولة. نتعرف أكثر إلى هذا الموضوع من خلال السطور التالية.
تشعر لينا بالتوتر كلما بدأ زوجها نقاشاً خلال اجتماع العائلة على الغداء، تقول لينا: "في كل مرة يتحدث فيها زوجي سواء عن مباراة كرة قدم أو عن شخص ما فإنه يحاول بإصرار إقناع محاوره بوجهة نظره ولا مشكلة لديه مهما طال الحديث ولا أعرف سبب عناده هذا". يثير الأشخاص الذين يحاولون فرض وجهات نظرهم على الآخرين، انزعاج من حولهم، وعلى الرغم من ذلك فإن مختصة التحليل النفسي عبر الأجيال، جولييت ألايس ترى أن هذا الراشد الذي يُنظر إليه كشخص متعجرف يخفي في داخله في الحقيقة طفلاً متألماً بحاجة إلى من يستمع إليه، وبخلاف ذلك فإننا لن نتمكن من فهم سبب إصراره على أمور تبدو تافهةً بالنسبة إلينا.
محاولة للدفاع عن النفس
تعد محاولة المرء فرض وجهة نظره على الآخرين طريقة يجبرهم بها على احترام رغبته. وتوضح مختصة علم النفس جينيفيف جيناتي أن هذا السلوك يرجع إلى عدم قدرة الشخص على التعبير عن رغباته في مرحلة الطفولة؛ حيث مُنع من الكلام بحرية عما يجول في خاطره. وفي سن الرشد، يحاول الفرد الدفاع عن نفسه ومواجهة السلوكيات العدائية التي تعرض لها في طفولته، عبر السعي إلى إثبات وجهة نظره دون كلل أو ملل، وبينما يرى المحيطون به أنه يحاول دائماً أن يكون على حق، فإن ما يحاول فعله في الحقيقة هو التخلص من حالة الخضوع التي عانى منها في مرحلة الطفولة.
دلالة على تدنّي تقدير الذات
عندما نرى شخصاً يحاول فرض وجهة نظره على محاوره، فقد نعتقد أنه يسعى بذلك إلى السيطرة عليه. تقول جولييت ألايس: "هذه هي حالة الشخص الذي يريد إنهاء المحادثة كيلا يتيح لخصمه إبداء رأيه، ومن ثم فهو يحاول بذلك التقليل من قيمته". لكن الأمر لا يتمحور دائماً حول الهيمنة على الطرف الآخر لأنه في كثير من الأحيان يحاول المرء أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة في المحادثة ليخفي شعوره بتدنّي قيمته الذاتية. وتتابع مختصة التحليل النفسي: "لذا فإن ما يظهر على أنه عقدة تفوّق أو استعلاء يخفي في الواقع عقدة نقص، فيحاول المرء إخفاء عيوبه وشكوكه ويُظهر عوضاً عنها ثقة ويقيناً خوفاً من عدم تقدير الآخرين له".
الخوف من الأحداث المفاجئة
لا يتقبل الشخص الذي يميل إلى السيطرة فكرة السماح لمحاوره بأن يفرض وجهة نظره، وتشير جينيفيف جيناتي إلى أن هذا الشخص قد واجه غالباً موقفاً مفاجئاً خلال مرحلة الطفولة، فترسخ لديه الخوف من الأحداث المفاجئة بما في ذلك أن يتمكن محاوره من فرض وجهة نظره عليه؛ إذ يشبه ذلك بالنسبة إليه الشعور بالفراغ أو حتى مواجهة الموت، في حين أنه إذا تمكن من فرض وجهة نظره، ولو بالعنف، فإنها ستصبح بالنسبة إليه ركيزةً قويةً يستند إليها.
نصائح لمن يحاول فرض وجهة نظره على الآخرين دوماً
راقب مشاعرك
تنصح مختصة علم النفس جينيفيف جيناتي بالاستماع إلى الآخرين والتركيز على المشاعر التي تنشأ عن ذلك، فتقول: "اسمح لمن حولك بالتعبير عن أنفسهم دون محاولة إنهاء الحوار وإذا جعلك ذلك تشعر بالغضب فتذكر أن مصدر شعورك هذا هو الطفل الذي تعرض للأذى في الماضي وأنك الآن شخص راشد وقد حان الوقت لتنفصل عنه".
تعلّم كيف تتوقف عن محاولة فرض وجهة نظرك على الآخرين
هل من الضروري حقاً أن تكون صاحب الكلمة الأخيرة في المحادثة؟ ترى مختصة التحليل النفسي عبر الأجيال جولييت ألايس أنه من المهم أن تطرح هذا السؤال على نفسك للتمييز بين الحوارات التي تمثل مصلحةً حقيقيةً لك وتلك التي لا أهمية لها، فعندما تتوقف عن محاولة فرض وجهة نظرك في المحادثات غير المهمة ستنسجم أكثر مع الآخرين وتنعم بكثير من الطاقة الإيجابية.
شارك الآخرين الحديث
وفقاً لجولييت ألايس؛ تسمح لك تقنيات العلاج النفسي مثل علاج الغشطالت بتحسين علاقاتك بالآخرين ومشاركتهم الحديث دون عنف، وتقول: "من خلال الرابطة الفعالة التي ينشئها مع المعالج، يتعلم المريض تبنّي أسلوب أكثر مرونة في التعامل مع الآخرين، وهي أول خطوة نحو استعادة احترام الذات".
"ساعدتني ممارسة التأمل على تغيير سلوكي"
تقول منى ذات الـ 42 عاماً: "كان فرض وجهة النظر في النقاشات بالنسبة لأسرتي مسألة حياة أو موت، ونظراً لأن والديّ لم يستمعا إليّ عندما كنت طفلة فقد أصبحت كراشدة أميل إلى فرض وجهة نظري على الآخرين، وكنت أحاول دائماً أن أكون صاحبة الكلمة الأخيرة في أي محادثة؛ ما سبَّب لي مشكلات في حياتي الزوجية، عندما كنت أحاول إثبات أن طريقتي في تربية الأطفال هي الأفضل على سبيل المثال. لكن يمكن للإنسان أن يتجاوز هذه المشكلة عبر فهم نفسه فهماً أعمق، فأنا أستطيع الآن أن أقول لنفسي إنه لا مشكلة في عدم فرض وجهة نظري على الآخرين حتى لو كنت أعلم أنني على حق، وقد ساعدني التأمل الذي أمارسه منذ عامين على تبنّي هذا السلوك".