لا يمكن لعلاقة الفرد بعمله أن تكون مستقرةً على الدوام؛ إذ يمكن تشبيه هذه العلاقة برحلة بحرية، فبينما ننعم بأجوائها الهادئة واللطيفة قد نتفاجأ بعاصفة هوجاء وأمواج عاتية. وفي بعض الأحيان قد يؤدي غياب الحافز في العمل إلى شعور الفرد وكأنه يتجول تائهاً في صحراء قاحلة دون معرفة كم سيطول تجواله هذا. في أوقات كهذه يحاول المقربون مساعدتك من خلال سؤالك عما تتمنى فعله، فتجد أن الإجابة الوحيدة التي تقفز إلى ذهنك هي "لا أعرف". إليك بعض النصائح لمساعدتك على التعامل مع حالة عدم اليقين هذه، والخروج منها بأسرع ما يمكن.
من الجيد أولاً أن تعرف أنك لست وحدك من تعاني من مشكلة غياب الحافز في العمل، فوفقاً لدراسة أجرتها شركة "غالوب" (Gallup) في عام 2018، يعاني 1 من كل 3 موظفين حول العالم من الانفصال الذهني عن العمل وترتفع هذه النسبة بين الموظفين في فرنسا إلى 94% ومع ذلك فإنه لا داعيَ لليأس.
كيف يمكنك استعادة توازنك؟
بدايةً إذا كنت تشغل دوراً وظيفياً في الوقت الحالي فعليك الحفاظ عليه. ولضمان حد أدنى من الإنتاجية في العمل فإننا نوصي باتباع أساليب تحسين الإنتاجية المثبتة فعلياً، ومنها تقنية "بومودورو" أو تقنية "الطماطم" وهي تقنية مثالية لإنجاز قائمة مهامك في وقت قياسي. أما مبدأ الطريقة فهو: تجزئة المهام الكبيرة إلى أهداف صغيرة يمكن إنجاز كل منها في وقت لا يتجاوز 20 دقيقة، وبعد إنجاز كل هدف امنح نفسح استراحةً لا تتجاوز 5 دقائق قبل استئناف العمل مجدداً. وبعد 4 جلسات عمل يحين الوقت لأخذ استراحة فعلية مدتها 15 دقيقة. تعد هذه الطريقة مثالية لإنجاز قائمة المهام الكبيرة، والمهام الصعبة أيضاً التي نؤجل العمل عليه باستمرار. ولتسهيل العمل يمكنك الاستعانة بإحدى المؤقتات الزمنية الموجودة على الإنترنت لتحديد فترات العمل والراحة، وكل ما يتطلبه الأمر بضع نقرات فقط.
يمكنك أن تخطط خلال اليوم وبصورة عامة خلال الأسبوع لأخذ استراحات تساعدك على تعزيز الحافز لاستئناف العمل. على سبيل المثال يمكنك الخروج لتناول الغداء مع أحد زملاء العمل، أو قضاء وقت في الاستماع إلى المدونات الصوتية (بودكاست) أو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية. من جهة أخرى فإنه من الجيد أن تذكر نفسك بالنواحي الإيجابية لوظيفتك مثل الراتب الذي تحصل عليه نهاية كل شهر والبيئة الاجتماعية وزملاء العمل اللطفاء وحتى المقصف ذي الأسعار المعقولة مقارنة بجودة ما يقدمه. إن التفكير في هذه الأمور الصغيرة التي نتجاهلها عادةً، يمنحنا الطاقة اللازمة لاستئناف العمل بهمة.
تمارين تساعدك على التعرف إلى نفسك بطريقة أفضل
ما الأمور التي تعزز الحافز لديك؟ تقدم بعض المقالات خطوات تساعدك على التعرف إلى نفسك بصورة أفضل، ومن ثم تحديد ما يعزز الحافز لديك. ولتتعمق أكثر يمكنك إجراء اختبار "شوارتز" (Schwartz test) وهو اختبار يتيح لك التعرف إلى قيمك الشخصيةالمسؤولة عن قراراتك وأفعالك. تُعرّف القيم بأنهامجموعة المعتقدات الشخصية التي تختلف من فرد لآخر والتي يمكن أن تتغير مع مرور الوقت وتراكم الخبرات. وتتكون هذه القيم من مجموعة العناصر التي تحدد سلوكياتنا، ونستند إليها في الوقت ذاته عند تقييم الآخرين وسلوكياتهم والمواقف التي نواجهها، سلباً أو إيجاباً.
يتيح لك هذا الاختبار تحديد العوامل التي تؤدي إلى غياب الحافز في العمل بصورة أدق، على سبيل المثال قد يكون السبب شعورك بنقص التقدير في العمل. إذا كان الأمر كذلك فهل هو نقص التقدير المادي (قيمة الأمان) أم عدم التقدير المعنوي لمهاراتك في المؤسسة التي تعمل لديها بما فيه الكفاية (قيمة النجاح)؟ كما يتيح لك هذا الاختبار تحديد المشكلة في مسارك المهني الحالي، فهل المشكلة في وظيفتك نفسها أم في المدير أم بيئة العمل؟ أم إن المشكلة تعود إلى الشركة التي تعمل فيها ككل ولم يعد البقاء فيها مناسباً لك؟
إذا لم يكن هذا الاختبار كافياً بالنسبة إليك، فجرب قاعدة 5/25 للمستثمر ورجل الأعمال الأميركي وارن بافيت. مبدأ هذه القاعدة هو عمل قائمة تتضمن 25 هدفاً تريد تحقيقها، شريطة أن تكون أهدافاً محددة مثل: "أريد لعب التنس مرتين أسبوعياً" أو "أريد أن أبيع مقالتين شهرياً"، لذا لا تدون أهدافاً غير محددة مثل "أريد أن أتمتع بصحة جيدة" أو "أريد أن أعثر على عمل أحبه". في الحقيقة لا يعد هذا التمرين سهلاً، فتدوين 25 فكرةً أو حلماً أو هدفاً هو أمر مرهق. قد تعثر على 9 أهداف وتجد نفسك عاجزاً عن إيجاد الـ 16 المتبقية؛ لكن الأمر يحتاج إلى الصبر فالمشاريع الكبرى لم تبنَ بين ليلة وضحاها وينطبق الأمر ذاته على قائمتك هذه. خذ وقتك، ضع القائمة جانباً واخرج في نزهة على الأقدام ثم عد إليها مجدداً وعندما تنهي تدوين أهدافك الـ 25 سواء على الورق أو على جهاز الكمبيوتر أو هاتفك الذكي تكون قد أتممت الخطوة الأصعب. أما الآن فحدد أهم 5 أهداف بالنسبة إليك في القائمة. نعم فهذا هو الهدف من وضع هذه القائمة؛ إذ إن تحديد أهم 5 أهداف بالنسبة إليك يستحق بكل تأكيد التفكير لساعات أو حتى أيام.
الشعور بفقدان الرغبة في فعل شيء
لا يعد الشعور بعدم الرغبة في فعل شيء إشارةً تحذيريةً بالضرورة بل قد يكون من المفيد الاستماع إلى هذا الشعور وأخذ استراحة من كل شيء لمدة بسيطة.
تؤكد عدة دراسات أن الملل مفيد في تحفيز الإبداع وحتى أنه مفيد لأولئك الذي يبحثون عن السعادة؛ إذ إن هذه اللحظات من الفراغ أو الكآبة قد تساعدنا على اكتشاف أفكار جديدة، وتمنحنا السكينة وتمثل فرصة للاختلاء بالنفس.
ومع ذلك فإن الشعور بالملل الذي يستمر طويلاً لـ 3 أو حتى 6 أشهر، ويجعلك تعتزل الآخرين نهائياً وترفض الخروج من المنزل، وتعاني من صعوبات في النوم، يشير إلى وجود مشكلة أكبر وقد تكون بحاجة إلى استشارة مختص.
وتذكر أنه لا مشكلة في الشعور ببعض الملل لكن المشكلة تبدأ إذا تحول هذا الملل إلى اكتئاب.
وتذكر أيضاً أن تحيط نفسك على الدوام بأناس يمنحونك شعوراً طيباً، أولئك الذين يرون الجانب المشرق في كل شيء ويثيرون حماستك للانخراط في الأنشطة. أخيراً نقول: كن إيجابياً قدر المستطاع ولا تتردد في التحدث مع المحيطين بك حول ما تمر به لكي لا تشعر بالوحدة في هذه المرحلة من حياتك، ومهما كانت صعبة تذكر أنها مجرد مرحلة مؤقتة ولن تكون أول أو آخر من يمر بها.