يتحير الكثير من الأشخاص الذين يعيشون برفقة المسنين سواء كانوا من مقدمي الرعاية أو من ذويهم تجاه نوبات الغضب التي تعتريهم، فيمكن للمواقف اليومية البسيطة للغاية مثل عدم استساغة المسن طعم قهوته الصباحية أن يتحول إلى نوبة غضب عارمة تصحبها إطلاقه للشتائم بشكل لا يتناسب مع ما حدث.
وأحياناً لا تفلح المحاولات لتهدئة ذلك المسن الغاضب؛ ما ينعكس على من يرعاه بخيبة الأمل، والشعور بأن نواياه الطيبة لرعايته لا تجدي نفعاً.
المفاجأة أن ذلك الأثر السلبي لغضب المسن لا يقتصر على من يرعاه فقط، فهو يؤذيه صحياً بشكل بالغ. هذا ما أثبتته دراسة علمية أجراها باحثون في جامعة كونكورديا الكندية ونشرتها مجلة علم النفس والشيخوخة عام 2019، فقد توصلت الدراسة إلى أن الشعور اليومي بالغضب عند المسنين يزيد من احتمالية إصابتهم بالأمراض المزمنة مثل: أمراض القلب، التهاب المفاصل والسرطان.
وبما أن منظمة الأمم المتحدة تحيي في 16 يونيو/حزيران من كل عام اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين، فقد أردنا المساهمة من خلال هذا المقال بشرح جذور غضب المسنين بالتفصيل، ومن ثم تقديم الحلول العملية للتعامل معها، حتى يحظوا بحياة أفضل؛ هم ومَن يتولون رعايتهم.
لماذا يغضب كبار السن؟
هناك مثل شائع يقول: "إذا عُرِف السبب بطل العجب"، بالتالي فإذا فهم من يرعى المسن ما الذي أوصله إلى هذا الحال من الغضب غير المُبَرَّر سيكون أكثر تقبّلاً للوضع وبالتالي سيتمكن من خدمته بصورة أفضل.
في تلك المرحلة تطرأ على المسن العديد من التغيرات الجسدية والنفسية؛ منها:
1. المعاناة من الآلام اليومية الكثيرة
هل تذكر آخر مرة عانيت فيها من الألم مثل ذلك الناتج عن التهاب الأسنان؟ حسناً ستتذكر كيف كان حالتك المزاجية حينها، وغالباً ما ستكون قدرتك على معاملة الآخرين بلطف والتبسم في وجوههم قد تأثرت سلباً. فما بالك بالمسنين الذين -وفقاً لمعايشة "إنجي كوناث" (Angie Kunnath)؛ مالكة إحدى الشركات الكندية لتقديم خدمات الرعاية المنزلية للمسنين- يعانون العديد من الآلام المزمنة التي يحاولون جاهدين أن يتعاملوا معها بأفضل صورة؟ وهذا ينعكس بالطبع على مدى قدرتهم على التعامل بلطف مع من حولهم ويجعل صبرهم ينفد بسرعة بالتالي يسهل إثارة غضبهم.
2. تراجع قدرات حواسهم بمرور الزمن
واحد من أكثر المواقف شيوعاً بالنسبة لمن يتعاملون مع كبار السن هو طلبهم إعادة الجملة مرة أخرى بصوت مرتفع، أو مساعدتهم على قراءة نص معروض على التلفاز؛ إذ يرتبط ذلك بصعوبة التواصل الناتجة عن تراجع قدراتهم السمعية أو البصرية؛ وهو ما يؤثر تلقائياً في حالتهم المزاجية ويجعلهم أكثر عُرضةً للانفعال.
كذلك يظهر هذا التغير بوضوح؛ وفقاً للكاتبة "مارلو سوليتو" (Marlo Sollitto) المتخصصة في الكتابة عن مجال رعاية المسنين، في مسألة عدم تفضيل بعض المسنين الاستحمام وتغيير ملابسهم؛ الأمر الذي يعود في بعض الأحيان لضعف حاستيّ الشم والبصر لديهم، فلا يستطيعون التحقق من رائحة أجسامهم أو اتساخ ملابسهم، إلى جانب حدوث تراجع في القدرات المعرفية والذاكرة يجعلهم يظنون أنهم قاموا بالاستحمام في وقت قريب.
3. الانزعاج من أن زمانهم قد مضى
بحسب كوناث؛ عند تأملك حياة المسنين سيلفت انتباهك كيف تحولت حياة بعضهم من تبوؤ المناصب القيادية والحياة الناجحة المزدحمة بالمهام اليومية إلى الجلوس وحيداً في المنزل، واحتياج المساعدة على القيام بأبسط الأشياء مثل ارتداء الملابس ودخول الحمام. سينعكس ذلك بلا شك على المسن بشعوره بالإحباط والانزعاج.
مثلاً تدلل "روبن شيلتز" (Robin Schiltz)؛ اختصاصية تقديم الرعاية للمسنين والتي كانت ترعى والدها، بتذكرها أنه عندما أُجبر والدها على التنازل عن رخصة قيادته ظل ذلك الموقف يؤرقه ويتحدث عنه حتى يوم وفاته، فلم يكن من السهل عليه تقبل التنحي عن المشاركة في الحياة.
4. المعاناة من اضطرابات نفسية
تظهر العديد من الاضطرابات النفسية مثل البارانويا (Paranoia) والهلوسة (Hallucinations) بين المسنين وتأخذ أشكالاً عديدة في حياتهم اليومية؛ أبرزها اتهامهم لمن يعيشون معهم بالسرقة، أو رؤيتهم لأشخاص وأشياء غير موجودة في محيطهم، وكذلك اعتقادهم أن شخصاً ما يحاول إيذائهم. يصعب على من يرعاهم التعامل مع مثل هذه السلوكيات، لذا من الأفضل اللجوء إلى اختصاصي نفسي للمتابعة معه بخصوصها.
5. افتقاد الكثير من أحبائهم
مع التقدم في السن يفقد الإنسان العديد من أفراد أسرته وأصدقائه شيئاً فشيئاً؛ ما يعني أن المسنين قد تعاملوا حتماً مع الكثير من الصدمات العاطفية التي أرهقتهم، ويجدون أنفسهم في الغالب وحيدين؛ ما يتيح مساحة للتفكير في تجربة الفقد التي مروا بها وبالتالي الشعور بالحزن والاستياء، وهي مشاعر تنعكس أحياناً في صورة غضب يصبونه على من حولهم.
دليلك العملي للتعامل مع غضب المسنين
إن العمل على خدمة المسنين بكل تأكيد هو إحدى المهام الصعبة، ويزداد الأمر صعوبة إذا ما كان المسن غاضباً معظم الوقت. لذا سنقدم بعض الإرشادات العملية التي تساهم في إدارة غضبه بصورة أفضل له ولمن يرعاه:
1. تعامل مع جذور الموقف
مثلما شرحنا في الجزء السابق من المقال فهناك العديد من التغيرات التي تطرأ على المسن وتجعله يغضب بشكل زائد عن المعتاد، لذا سيكون الأولى في المواقف الغاضبة ألا تتعامل مع ما يصدر عنه مثل إلقائه للشتائم بشكل مجرد؛ إنما بالتفكير في الأسباب العميقة واستيعابها جيداً حتى تستطيع حل الموقف بشكل أكثر فعالية.
احرص كذلك على التعامل بشكل عملي مع تلك الجذور. على سبيل المثال إذا كان المسن لا يرغب في الاستحمام لخوفه من الانزلاق في حوض الاستحمام، فاستعن بكرسي مخصص للاستحمام وزود الحمام بقضبان في الحائط يمسك بها. هذا سيجعل تجربته مريحة ومطمئنة أكثر.
2. تقبَّل أنك لن تغير الوضع
يجاهد الكثير من الأشخاص الذين يرعون المسنين في سبيل تغيير سلوكياتهم الغاضبة، معتقدين أنهم بذلك سيجعلون المسن لا يتصرف بعنف مع من حوله في يوم من الأيام؛ لكن ذلك في حقيقة الأمر ما هو إلا تضييع للجهد لأن الوضع خارج عن سيطرة المسن. لذا تذكر أن دورك هو حصوله على الرعاية الأفضل بغض النظر عن تصرفاته التي لا تعجبك.
3. اتبع خطة الإلهاء
عادةً ما ينبع غضب المسن من استيائه من وضعه الحالي، لذا عندما يبدأ بشتم من حوله وتعنيفهم يمكنك أن تدفعه للتركيز على شيء آخر يحبه، وذلك بالحديث معه مثلاً عن أسعد ذكرياته أو إسماعه أغنيته المفضلة، فغالباً ما ستهدأ نوبة غضبه حينها.
4. لا تجادلهم
من المواقف الشائعة قيام بعض من يرعون المسنين بتصحيح معلوماتهم الخاطئة، فيتحول الحديث إلى جدال غير مُجدٍ. المسن نتيجة قدرات ذاكرته المحدودة يرى أن معلوماته صحيحة، وعلى الجانب الآخر من يناقشه هو مَن يريد إثبات صحة وجهة نظره. لذا فالأجدى التركيز على الاستماع لهم بغض النظر عما يقولون، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن مشاعرهم والتخفيف من إحباطهم.
5. خذ نصيبك من الراحة
ينعكس غضب المسنين على شعور من يخدمونهم بالاستياء والإحباط، لذلك سيكون من المفيد التحدث إلى شخص تثق به أو معالج نفسي عن مشاعرك بين الحين والآخر، إلى جانب أخذ وقت للراحة وطلب التناوب على خدمة المسن الذي ترعاه من الآخرين.