يعد الشعور بالحزن واليأس جزءاً طبيعياً من هذه الحياة، وعادة ما يمر به الجميع، لكن إذا طال أمد هذه المشاعر فقد تكون مُصاباً بالاكتئاب الذي يُعالج عن طريق تناول الأدوية المضادة للاكتئاب والتحدث إلى الطبيب النفسي، وفي بعض الحالات لا تُجدي الأدوية نفعاً ويرجع ذلك إلى الإصابة بالاكتئاب المقاوم للعلاج (Treatment-resistant depression).
محتويات المقال
كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania) بالتعاون مع جامعات أخرى، ونشرتها مجلة نيتشر العلمية (Nature) في أبريل/نيسان 2025 أن غاز الضحك يمكن أن يسهم في تخفيف أعراض الاكتئاب المقاوم للعلاج، فكيف يحدث ذلك؟ الإجابة يتناولها هذا المقال.
ما الذي اكتشفته الدراسة؟
أكدت الدراسة البحثية السابق ذكرها إن أوكسيد النيتروز (Nitrous oxide)، المعروف باسم غاز الضحك، يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في علاج الاكتئاب الذي يصعب التغلب عليه. يستخدم هذا الغاز في عيادات الأسنان منذ قرابة 200 عام للتخدير وتسكين الألم، خاصة للأشخاص الذين يخضعون لعمليات خلع الأسنان وعلاج الجذور، وكان يُعتقد في الماضي أنه يعمل على تحسين المزاج عن طريق حجب مستقبلات مُعينة في خلايا الدماغ بهدف تخفيف الألم.
وبعد إجراء الكثير من التجارب العلمية، تبين لفريق البحث القائم على الدراسة أن الأمر مرتبط بالخلايا العصبية الهرمية في الطبقة الخامسة، وهي تقع في أعماق المادة الرمادية من الدماغ، تحديداً في منطقة القشرة الحزامية التي تساعد على تنظيم العواطف والسلوك.
وقد اختبر الباحثون غاز الضحك على فئران تعرضت لظروف مرهقة، وبعد استنشاقهم الغاز مدة ساعة، عادت الخلايا العصبية من الطبقة الخامسة لديهم إلى العمل في غضون دقائق، وأوضحت النتائج أن الفئران أظهرت تحسناً سريعاً حيث تحركت أكثر، وشربت الماء المُحلى، ما يعني أنها عاودت الاستمتاع بالحياة، واستمرت هذه التأثيرات ساعات، وأحياناً يوماً كاملاً.
وأظهرت التجارب البشرية التي أجراها أحد مؤلفي الدراسة، بيتر ناجيل (Peter Nagele) أن غاز الضحك قادر على تخفيف أعراض الاكتئاب بسرعة لدى الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب المقاوم للعلاج. وفي سياق متصل، أوضح الباحث المشارك في الدراسة جوزيف سيشون (Joseph Cichon) إن معظم مواد التخدير تُهدئ الدماغ ثم تتلاشى آثارها، لكن غاز الضحك يستمر في العمل حتى بعد زوال أثره، وهو ما يعد مفاجأة كبرى.
وفي سياق متصل بالتجارب البشرية التي تخص غاز الضحك، أجرى باحثون دراسة بحثية نشرتها المجلة الوطنية الأميركية للطب (National Library of Medicine-NLM)، أعطوا فيها عدة مشاركين متطوعين 3 جرعات من غاز الضحك بفارق شهر تقريباً؛ وخلال الجرعة الأولى عولج المشاركون بمزيج 50% من غاز الضحك و50% أوكسجين لمدة ساعة واحدة، وفي الجرعة الثانية من العلاج، تلقى كل مشارك مزيجاً يتألف من 25% من غاز الضحك و75 أوكسجين. أما خلال الجرعة الثالثة فقد تنفس المشاركون الأوكسجين فقط دون غاز الضحك، وذلك علاج وهمي.
وتبين من نتائج الدراسة أن غاز الضحك ساهم في تحسين أعراض الاكتئاب، ولكن لوحظ أنه يحمل بعض الآثار الجانبية مثل الغثيان والضبابية والصداع خاصة حين تلقاه المشاركون بنسبة 50%. وعلى الرغم من ذلك فقد أبدى المشاركون تحسناً ملحوظاً، إذ أُعيد تشخيصهم مرة أخرى بعد تلقي العلاج وتغيرت حالتهم من اكتئاب شديد إلى اكتئاب متوسط.
اقرأ أيضاً: الاكتئاب المقاوم للعلاج: ماذا نفعل حين تفشل العلاجات التقليدية؟
كيف يُسهم غاز الضحك في تخفيف أعراض الاكتئاب المقاوم للعلاج؟
أكدت دراسة بحثية نشرتها مجلة الخلية والعلوم البيولوجية (Cell & Bioscience Journal) خلال عام 2024 أن أكثر من 45% من مرضى الاكتئاب لا يستجيبون للعلاج الدوائي، وهذا الأمر يؤكد الحاجة الماسة إلى مواصلة البحث عن طرق جديدة للعلاج. وأضافت الدراسة أن قنوات أيونات البوتاسيوم، وهي هياكل بروتينية تقع في خلايا المخ، لها تأثير محوري في نشاط الخلايا العصبية إذ تنظم إطلاق النواقل العصبية، ويمكن القول إن الخلل الوظيفي في قنوات البوتاسيوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإصابة بالاكتئاب.
والحقيقة أن غاز الضحك يُنشّط الخلايا العصبية، ما يؤدي إلى تحسين الحالة المزاجية. ولكن المشكلة هي أن غاز الضحك ليس حبة دواء يمكن تناولها في المنزل؛ إذ يجب على الشخص المصاب بالاكتئاب تحديد موعد لرؤية طبيب نفسي مدرب على إعطاء الغاز بجرعة محددة مضادة للاكتئاب؛ وهناك العديد من الآثار الجانبية لاستنشاق غاز الضحك، وتشمل الشعور بالاختناق بسبب القناع والغثيان الناتج عن الغاز، ولكن الدراسة البحثية أكدت أن المستقبل قد يحمل تغيرات إيجابية خاصة إذا تمكن العلماء من تطوير أدوية اكتئاب مستوحاة من غاز الضحك.
5 إرشادات تساعدك على التعافي من الاكتئاب المقاوم للعلاج
الاكتئاب المقاوم للعلاج هو أحد أشكال اضطراب الاكتئاب الشديد، وقد تكون مُصاباً به إذا لم تلاحظ أي تحسن في أعراضه على الرغم من تناول نوعين مختلفين من مضادات الاكتئاب على الأقل على مدار 6 إلى 8 أسابيع لكل نوع. وحتى تتعافى من الاكتئاب المقاوم للعلاج يمكنك اتباع الإرشادات التالية:
1. غيّر نمط حياتك
يعد تغيير نمط الحياة عنصراً أساسياً في التعافي من الاكتئاب المقاوم للعلاج، حيث إن الالتزام بخطة صحية تتضمن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم، واتباع نظام غذائي متوازن، يمكن أن يساعدك على الشعور بالتحسن؛ فالرياضة، على سبيل المثال، تُعزز إفراز هرمون الإندورفين، الذي يُحسّن المزاج، بينما يُساعد روتين النوم المنتظم على الاستقرار العاطفي.
علاوة على ذلك، قد تُقلل ممارسة تقنيات اليقظة الذهنية، مثل التأمل أو اليوغا، التوتر وتُخفف العبء العاطفي الذي يُسببه الاكتئاب المقاوم للعلاج على نحو متكرر، بالإضافة إلى ذلك، فإن تقنيات الاسترخاء مثل تمارين التنفس العميق تقلل إفراز هرمونات التوتر وتُخفّف أعراض الاكتئاب.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون الاكتئاب وراثياً؟ دراسة حديثة تجيب
2. اطلب المساعدة من الطبيب النفسي
لا يستجيب الاكتئاب المقاوم للعلاج للأدوية لكنه يمكن أن يستجيب للعلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي يهدف إلى التخلي عن أنماط التفكير السلبية والمشوهة وتبني أنماط أخرى إيجابية. كما يمكن أن يساعدك طبيبك من خلال العلاج بالقبول والالتزام (ACT)، إذ يطلب منك الانخراط في الأنشطة المفيدة على الرغم من مشاعرك السلبية. وفي حال لم تُجد الأدوية أو العلاج النفسي نفعاً قد يلجأ الطبيب إلى بعض الإجراءات الأخرى مثل:
- تحفيز العصب المبهم: وذلك من خلال استخدام جهاز يزرع في الصدر متصل بسلك في الرقبة لإرسال نبضات كهربائية خفيفة إلى الجهاز العصبي للجسم، ما قد يساعد على تحسين أعراض الاكتئاب.
- العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT): هو إجراء طبي يتضمن تمرير تيار كهربائي خفيف عبر الدماغ، ما يسبب نوبة قصيرة تحفز الخلايا العصبية وتحدث تغييرات دماغية تُحسّن الحالة المزاجية.
ويرى الطبيب النفسي، محمد الغامدي أن هذا النوع من العلاج له بعض الأعراض الجانبية، مثل التأثير في الذاكرة، ولكن هناك مبالغة كبرى في الحديث حجم الآثار الجانبية للعلاج بالصدمات الكهربائية تنبع من التصور الذهني عند كثير من الناس، وعلى الرغم من ذلك فهو الأكثر فعالية في التعامل مع الاكتئاب الشديد والمقاوم للعلاج.
- التحفيز العميق للدماغ (DBS): إجراء طبي يتضمن توصيل تيار كهربائي خفيف إلى جزء محدد من الدماغ لتحفيز خلايا تلك المنطقة وتحسين الحالة المزاجية، ما يؤدي إلى تخفيف أعراض الاكتئاب.
3. التزم بخطة العلاج
أياً كانت الخطة العلاجية التي يضعها طبيبك النفسي فيجب أن تلتزم بها، لا تتغيب عن الجلسات أو تهمل مواعيدك، وتأكد أن التعافي من الاكتئاب المقاوم للعلاج يحتاج إلى بعض الوقت، لذلك كن صبوراً مع نفسك.
4. خفف التوتر
يمكن أن تُسهم مشاكل العلاقات والتحديات المالية وحياة العمل التعيسة والعديد من المشاكل الأخرى في ارتفاع حدة التوتر، ما يُفاقم الاكتئاب. لذلك حاول التعامل مع هذه المشاكل وجرب تدوين أفكارك في دفتر يوميات، يمكنك أيضاً اللجوء إلى تمارين استرخاء العضلات التدريجي، فهي تعد طريقة فعالة. وحتى تمارس هذه التمارين عليك:
- استلقِ على ظهرك وافرد ساقيك وذراعيك إلى جانبيك.
- أغمض عينيك وركز على تنفسك.
- ابدأ بشد عضلاتك مدة 5 ثواني ثم استرخ مجدداً مدة 30 ثانية، ابدأ من رأسك ورقبتك حتى تصل إلى أصابع قدميك.
- في أثناء ممارسة هذه التمارين، جرب أن تتخيل صوراً مرئية، يمكنك على سبيل المثال التفكير في مكان تحبه يسوده الطمأنينة والسكون.
5. اطلب الدعم من الأهل والأصدقاء
حين تكون مصاباً بالاكتئاب قد تفضل العزلة والوحدة على قضاء الوقت مع الأصدقاء أو بصحبة أفراد العائلة. ولكن صدّقني؛ التفاعل مع الآخرين يخفف أعراض اكتئابك، حتى إن الخروج مع أصدقائك أو المشاركة في عمل تطوعي يمكن أن يساعدك على التعافي من الاكتئاب.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يستطيع مريض الاكتئاب الاستمتاع بحياته؟ دراسة حديثة تجيب