ما العوائق التي تمنع المرضى النفسيين من زيارة الطبيب؟ دراسة حديثة من السعودية تجيب

5 دقيقة
الوصمة المجتمعية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أُصبت بالاكتئاب الشديد خلال فترة بعيدة من فترات حياتي، كان الأمر صعباً ومؤلماً على نحو كبير؛ ولكن الأمر الأكثر إيلاماً كان يتجسد في الوصمة التي تعرضت إليها، ونظرات الشفقة من المحيطين التي تحولت بمرور الوقت إلى نظرات لوم وعتاب على اعتباري المسؤولة عن مرضي الذي أمر به. والحقيقة أن فكرة الوصمة المجتمعية منتشرة للغاية، خاصة في مجتمعاتنا العربية؛ حيث توصلت دراسة علمية حديثة أجريت في المملكة العربية السعودية إلى نتيجة مفادها أن الوصمة المجتمعية والأسرية تعد من أكبر العوائق التي تمنع المرضى النفسيين من طلب العلاج، وإليكم تفاصيل الدراسة في هذا المقال.

يمكن أن تؤثر الاضطرابات النفسية في تفكير الشخص وتصرفاته وعلاقاته وأيضاً حالته المزاجية؛ كما يمكنها التأثير في صحته الجسدية. ففي الكثير من الأوقات، تظهر أعراض الأمراض النفسية على هيئة آلام جسدية مثل الصداع واضطرابات النوم وأوجاع المعدة. ولذلك؛ من المهم للغاية التدخل في وقت مبكر من أجل التعافي من المرض النفسي.

لكن أحياناً يواجه المرضى النفسيون عواقب عديدة تمنعهم من طلب الاستشارة والعلاج. وفي هذا السياق، توصلت دراسة علمية حديثة نشرتها مجلة كيوريس للعلوم الطبية (Cureus) في فبراير/شباط 2024 إلى نتيجة مفادها أن العائق الأكثر شيوعاً الذي يمنع المرضى النفسيين في المملكة العربية السعودية من تلقي العلاج النفسي هو الوصمة المجتمعية، وإليكم تفاصيل الدراسة من خلال هذا المقال.

ما هي وصمة المرض النفسي؟

وفقاً للجمعية الأميركية للطب النفسي (American Psychological Association)؛ تحدث الوصمة عندما يُنظر إلى الأشخاص على نحو سلبي بسبب وجود سمة معينة، سواء كانت نفسية أو جسدية أو غير ذلك، والوصمة هي موقف اجتماعي سلبي وغير عادل يرتبط بشخص أو مجموعة.

وفيما يتعلق بالمرض النفسي، تحدث الوصمة حين تُشوّه سمعة شخص بطريقة أو بأخرى، أو يُحوّل من كونه شخصاً كاملاً إلى صورة نمطية، أو يُعامل على نحو مختلف. وفي الكثير من الأحيان، يُجبر المرضى النفسيون على الشعور بالخجل وانعدام القيمة؛ ما يؤدي إلى تفاقم أعراض المرض. والحقيقة أن هناك 3 أنواع من الوصمة:

  1. الوصمة المجتمعية: تشير إلى المواقف السلبية ضد الأفراد المصابين بالمرض النفسي، وتتجسد الوصمة المجتمعية في الصور النمطية والتحيز تجاه الأفراد الذين يعانون اضطرابات الصحة النفسية.
  2. الوصمة الذاتية: تعني مشاعر الخجل والذنب وتدني احترام الذات التي يحس بها المرضى النفسيون تجاه أنفسهم.
  3. الوصمة المؤسسية: تُقصد بها السياسات الحكومية واللوائح الداخلية في أماكن العمل التي تقيد حقوق الأشخاص الذين يعانون الأمراض النفسية وفرصهم، وتؤدي الوصمة المؤسسية المتعلقة بالصحة النفسية إلى ضعف التمويل لموارد الصحة النفسية وتقليل فرص العمل  للأشخاص الذين يعانون الاضطرابات النفسية. ومن الممكن أن تكون لتلك الوصمة المؤسسية الكثير من الآثار المضرة؛ مثل:
  • الاحتراق الوظيفي.
  • الرغبة في تغيير العمل.
  • ضعف الرضا الوظيفي.
  • انخفاض الإنتاجية.

3 أسباب رئيسة تقف وراء وصمة المرض النفسي

يؤكد المعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية (National Institute of Mental Health NIMH) إن 1 من كل 5 أشخاص بالغين في الولايات المتحدة يعاني المرض النفسي. ومع ذلك، فإن أكثر من نصف هؤلاء الأفراد لا يحصلون على المساعدة. وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الأميركيين يمكنهم الوصول إلى العلاج، فإنهم قد يتجنبون ذلك لعدة أسباب من بينها الوصمة، فما أسباب وصمة المرض النفسي؟

  1. الأفكار النمطية: غالباً ما تلعب الصور النمطية المعممة والتمييزية حول الأشخاص المصابين بأمراض نفسية دوراً رئيساً في الشعور بالوصم. على سبيل المثال؛ غالباً ما يُنظر إلى الأشخاص المصابين بمرض نفسي على أنهم عنيفون أو لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم. وعلى الرغم من أن هذه الصورة النمطية شائعة فإنها غير صحيحة، فالأشخاص الذي يعانون الأمراض  النفسية أكثر عرضة إلى الوقوع ضحايا للعنف.
  2. قلة الوعي: يفتقر الكثير من الناس إلى الوعي بأعراض المرض النفسي وأسبابه وانتشاره وعلاجاته، ويسهم هذا النقص في ضعف التصورات حول الأمراض النفسية المختلفة والأشخاص الذين يعانون هذه الحالات، علاوة على أن قلة الوعي وقصور الفهم يجعلان الكثير من الأشخاص يحاولون ملء الفراغات المعرفية بالأوهام والمبالغات.
  3. ما تعرضه وسائل الإعلام: تلعب وسائل الإعلام دوراً محورياً في استمرار الوصمة، وذلك من خلال تصوير المرضى النفسيين على نحو سلبي. وفي هذا السياق، أكدت دراسة علمية نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (The National Library of Medicine) عام 2020 إن الفيلم الشهير جوكر (Joker) الذي عُرض للمرة الأولى عام 2019 وصوّر الشخصية الرئيسة بوصفها شخصاً مصاباّ بمرض نفسي وعنيفاً للغاية، ارتبط بمستويات مرتفعة للغاية من التحيز تجاه المصابين بمرض نفسي. وأضاف الباحثون القائمون على هذه الدراسة إن الجوكر قد يؤدي إلى تفاقم وصمة العار الذاتية لدى المصابين بمرض نفسي؛ ما يؤدي إلى التأخير في طلب المساعدة.

ما العوائق التي تمنع المرضى النفسيين من تلقي العلاج في السعودية؟

شملت الدراسة العلمية التي أشرنا إليها في بداية المقال ما يقرب من 463 شخصاً، وجُمعت البيانات عن طريق المقابلات وجهاً لوجه باستخدام استطلاع الرأي الذي ارتكز على تحديد العوائق التي تمنع المرضى النفسيين في السعودية من تلقي العلاج.

وأظهرت النتائج أن 81% من المشاركين أكدوا إن الوصمة المجتمعية والأسرية هي التي تقف حاجزاً بينهم وبين العلاج؛ فيما أوضح 70% من المشاركين إن الوصمة الذاتية هي التي تعوق عملية طلب المساعدة، ويعتقد 63% من الأفراد المشاركين في الدراسة إن فقدان الثقة في الخدمة الطبية المقدمة هو العائق الرئيس بالنسبة إليهم؛ فيما يرى 25% من الأشخاص إن المرض النفسي مصدر للخجل والوصم.

ويتبين من نتائج الدراسة أن الوصمة المجتمعية والتحديات الأسرية كانت أكبر العوائق التي تقف أمام المرضى النفسيين في السعودية وتحول دون طلبهم للعلاج، فالأفراد الذين يعانون الاضطرابات النفسية لا يضطرون فقط لمواجهة العبء الناجم عن الأعراض؛ لكن عليهم في الوقت نفسه التعامل مع وصمة العار المرتبطة بالمجتمع، وأضافت الدراسة إن العوائق المتعلقة بالوصمة المجتمعية كانت أعلى مع المشاركين الذكور؛ وذلك لأنهم أكثر اهتماماً بنظرة المجتمع والأسرة، ولأن هذا الأمر يمكن أن يؤثر في فرصة الفرد في الزواج أو الحصول على فرصة عمل جيدة.

وإحدى النتائج الحاسمة التي توصلت إليها الدراسة هي أن خوف المشاركات من الحواجز الطبية أكبر من خوفهن من المجتمع والأسرة والعقبات الشخصية؛ حيث ترى الإناث أن الدخول إلى مستشفى الأمراض النفسية تجربة مرعبة لن تؤدي إلى أي تحسن، وأفدن بأن المستشفى لا يقدم سوى العديد من الأدوية غير الفعالة التي يمكن أن تسبب الإدمان، ويمكن أن يؤدي الأمر في نهاية المطاف إلى صعوبة السيطرة على المرض النفسي. وتشير هذه النتائج إلى انخفاض مستوى الثقة في علاج الأمراض النفسية داخل المستشفى بين المشاركات، يُذكر أن معدل انتشار الأمراض النفسية في السعودية أعلى عند الإناث من الذكور وهذا يعني أن الإناث أكثر حاجة إلى خدمات الرعاية الطبية النفسية.

كيف تؤثر وصمة المرض النفسي في الأفراد؟

توضح المعالجة النفسية ثريا سرحان إن الوصمة المتعلقة بالصحة النفسية تؤدي إلى تجنب الحصول على العلاج والدعم النفسي، ولها الكثير من الآثار السلبية الأخرى؛ مثل:

  1. العزلة الاجتماعية.
  2. الشعور بالخجل وتدني احترام الذات.
  3. البطالة والتمييز في العمل.
  4. زيادة أعراض المرض النفسي.
  5. اللجوء إلى تعاطي المخدرات.
  6. الخوف والكراهية.
  7. التفكير في الانتحار.
  8. التعرض إلى التنمر والعنف الجسدي.

6 نصائح فعالة للتعامل مع وصمة المرض النفسي

تجعل الوصمة الأشخاص المصابين بالمرض النفسي يشعرون بالخجل، والأسوأ من ذلك أنها تمنعهم من طلب المساعدة التي يحتاجون إليها. وعلى الرغم من تراجع وصمة المرض النفسي خلال السنوات الأخيرة، فإن وتيرة التراجع لم تكن كافية، وإليكم أهم طرائق التعامل مع الشعور بالوصم:

  1. لا تتجنب الحصول على العلاج: الخطوة الأولى التي يجب القيام بها هي الحصول على علاج لحالتك والذهاب إلى الطبيب المتخصص؛ تماماً كما لو كنت ستفعل لو كسرت ساقك أو مرضت. لا تدع الخوف من الوصم المجتمعي يمنعك من الحصول على المساعدة؛ حيث يعد العلاج أمراً مهماً من أجل تقليل الأعراض التي تؤثر في حياتك الشخصية والمهنية.
  2. انتبه إلى الحديث السلبي عن النفس: تيقظ للطريقة التي تتحدث بها إلى نفسك، فالأشياء التي نقولها لأنفسنا لديها طريقة لتصبح سرداً لما نفكر به؛ ولهذا إذا كنت تحكم على نفسك وتنتقدها باستمرار، فسوف تصدق الرسائل التي تقولها لنفسك، فهذه الأنواع من الأفكار السلبية التلقائية تخلق مسارات في عقلك وتعزز نفسها ويصبح من الصعب تغييرها للمضي قدماً. ومن أجل التغلب على هذا الأمر، حاول استخدام التأكيدات الإيجابية من أجل تغيير أنماط تفكيرك وتعزيز الأفكار الجيدة.
  3. تواصل مع أصدقائك: يتفاقم الإحساس بوصمة المرض النفسي في فترات الاستراحة المظلمة والهادئة لعقلك، وهو الوقت نفسه الذي يتزايد فيه الحديث السلبي مع النفس. وعلى الرغم من أنك قد تفضل الوحدة والانعزال والابتعاد عن التفاعل مع الآخرين، فإن التواصل مع أصدقائك قد يكون جيداً ومفيداً لصحتك النفسية.
  4. تذكر أنك لست مرضك: إن الشخص الذي يعاني كسراً في قدمه، يخبر الآخرين بأنه مُصاب بكسر في القدم، والأمر نفسه ينطبق على المرض النفسي؛ لا تقل “أنا شخص قلق” لكن قل “أنا شخص مُصاب بالقلق”. قد يبدو هذا تمييزاً بسيطاً؛ ولكننا حقاً نتاج ما نقوله لأنفسنا.
  5. كن مساحة آمنة للآخرين: ليس من الضروري أن تكون متخصصاً نفسياً حتى تمنح شخصاً ما الشعور بأنه مسموع ومرئي. حاول أن تتحدث أقل واستمع أكثر، سيساعدك هذا على سماع ما يريد الشخص الآخر مشاركته.
  6. شارك رحلتك الخاصة: ليست عليك مشاركة أعمق أسرارك وأحلكها على وسائل التواصل الاجتماعي لتتحدث عن رحلة الصحة العقلية النفسية الخاصة بك؛ لكن التحدث بصراحة إلى الآخرين، حتى على نطاق صغير، يمكن أن يساعد على تقليل مقدار الوصمة المجتمعية حول قضايا الصحة النفسية.

المحتوى محمي !!