ملخص: نحن نعيش في مجتمع يطلب من الناس البقاء كالشباب لكي يظهروا نشيطين، سواء على المستوى المهني أو العاطفي، فليست مشكلتهم إذاً في السن التي بلغوها؛ وإنما في شعورهم بالتقدّم في السن بسرعة. يقول الأستاذ الجامعي وجرّاح التجميل موريس ميمون (Maurice Mimoun): "أنا لا أعرف لا العيوب الجسدية ولا الجمال، فتدخّل الجراحة (عمليات التجميل) في الجسد لا ينفي سلوك الطريق النفسية من أجل انسجام الإنسان مع صورته".
أليست أجسادنا مجرد صورة ذهنية؟ تعتمد الصورة التي نحملها عن أجسادنا منذ الطفولة على ماضينا، فقد تشكلت عبر التّصادم المستمّر بين المعايير الجمالية التي فرضها المجتمع، وبين النّماذج الأبوية أي تلك الرغبة النرجسية في التشبّه بوالدينا باعتبارهما مصدر إعجاب بالنسبة إلينا والتي تعبّر عنها عبارات مألوفة من قبيل: "أمّي جميلة". فتربيَتنا، وكذلك المجاملات والمضايقات التي نتعرّض لها في علاقاتنا المهنية والعاطفية، والأحداث التي أثّرت فينا، وانزعاجنا من عيوبنا أو ضياع سنوات شبابنا، كلّها أمور تستحق التفكير في الذات. فكيف نتعامل معها؟
استشارة
نفسيتي: لماذا يستشيرك بعض الأشخاص؟
موريس ميمون: أولاً أنا أستقبل في عيادتي أشخاصاً يأتون لطلب إجراء عملية تجميل لجزء من جسدهم؛ ولكنّ هذا لا يعني أنهم لا يحبّونه بالكامل. بعضهم يعيش حالة شاملة من انعدام الرضا عن النفس، وآخرون يحبّون أجسادهم لكنهم يريدون جعلها مثالية. وغالباً ما لا يحبّ الناس أجسادهم لأنهم لا يتمتعون بتقدير جيد لأنفسهم، وليس العكس. ويشمل تقدير الذات هذا الثقة في النفس، والصورة التي نحملها عن أنفسنا، وماضينا، وعلاقاتنا مع الآخرين والعائلة وكلّ ما يمكن أن ينتمي إلى مجال اللّاوعي، فيُسقط الأشخاص مثلاً على أجسادهم معاناة لها أسباب أخرى غير جسدية.
نفسيتي: هل لديك أمثلة عن ذلك؟
موريس ميمون: يمكن أن يكون ذلك مشكلة في الشعور بالبنوّة؛ مثل حالة فتاة شابّة وجميلة كانت تريد إجراء عملية جراحية على نتوء أنفها، وتعتقد أنها غير محبوبة من طرف والدها، وهي فكرة لم تعد تتحمّلها فتتجاهل هذه الفكرة وتنقل معاناتها إلى نتوء أنفها. إن إجراء العملية الجراحية على أنفها سيكون تجاهلاً لمشكلتها الحقيقية، ولهذا غالباً ما يبكي الناس خلال الاستشارات الخاصة بعمليات التجميل.
جسد الشّاشة
نفسيتي: هل يحقّق المقبلون بكثرة على عمليات التجميل حالة الرضا عن الذات يوماً ما؟
موريس ميمون: لا، فالأمر يتعلق هنا بمرضى يمتلكون رؤيةً حادّةً جداً، ترى تفاصيل دقيقةَ جداً. فماذا لو كان هذا المسعى الدائم ناتجاً عمّا أسمّيه "جسد الشاشة"؟ فهذا البحث عن الجسد المثالي يحتلّ مكان مشكلة أخرى ترتبط بمجال التحليل النفسي، وهؤلاء المرضى لا يعرفون كيف يصرفون أنظارهم عن الآخرين ويكفون عن مقارنة أنفسهم بهم، على الرغم من أن أفضل المرشحين لإجراء عمليات التجميل هم الذين يعرفون كيف يصرفون النظر.
الشيخوخة
نفسيتي: إذا كانت هناك فوارق جمالية بين الناس، فإن الشيخوخة حالة مشتركة بين الجميع. لماذا يتحمّل البعض هذه الشيخوخة أكثر من الآخرين؟
موريس ميمون: نحن نعيش في مجتمع يطلب من الناس البقاء كالشباب لكي يظهروا نشيطين، سواء على المستوى المهني أو العاطفي، فليست مشكلتهم إذاً في السن التي بلغوها؛ وإنما في شعورهم بالتقدّم في السن بسرعة، وأحياناً أسمع بعضهم يقول بكل بساطة: "دكتور، أنا أخاف من الموت". لا علاقة للشيخوخة بالجمال؛ ولكن لها علاقة بالتحوّل الذي يحدث لصورتنا.
نفسيتي: كيف يمكن أن نصلح جانباً من مظهرنا دون أن يتعارض ذلك مع هويتنا؟
موريس ميمون: ليست هناك جراحة تجميلية تغيّر أشكال الناس تماماً، ما عدا بعض الحالات الاستثنائية التي تقترب من الحالة المرضية، ويكون لجوؤها إلى الجراحة التجميلية شبيهاً بالانتحار و"محو الذات". وأولّ طلب يتقدم به الناس إليّ هو ألّا تتغير أشكالهم. ويجب أن تروا قدر الرضا الذي يشعرون به عندما يخبرونني بألّا أحد اكتشف خضوعهم للعملية التجملية.
هل للجسد عيوب؟
نفسيتي: حسب تجربتك؛ هل من الممكن أن نقبل عيوبنا دون اللجوء إلى عمليات التجميل؟
موريس ميمون: لا أعرف ما العيوب الجسدية، ولا أعرف ما هو الجمال. بعض الناس لا يحبّ ملامحه؛ لكنه لن يقبل تغييرها أبداً، ولو مقابل كنوز الدنيا كلها، والبعض الآخر لا يكترث لمظهره الجسدي. إن الجراحة التجميلية أداة تسمح بالتحرّر من الشّكل الذي وُلدنا به؛ لكنّها يجب ألا تكون أداة تعديل. لا يمكن أن ننكر أنّنا غارقون في واقع تهيمن عليه ثقافة الصورة؛ لكنّ الأهمّ بالنسبة إلينا هو استعادة المريض لحالة التناغم مع ذاته؛ مع حقيقته وماضيه وعلاقاته إلى غير ذلك. أعرف حالات لأشخاص تعرضوا لحروق شوّهت وجوههم لكنهم لا يريدون تغييرها مهما كان الثمن، فهذه الصورة المشوَّهة جزء من ماضيهم، وقد تقبّلوا هذا التحول الذي حدث لهم.
اقرأ أيضاً: كيف تتلاعب شركات مستحضرات التجميل بثقة النساء بأنفسهن؟
القبح المرتَجل
كتب الدكتور كلود أوليفنشتاين (Claude Olievenstein) في العدد 91 من مجلة "أوترومون" (Autrement): "يُعدّ عُصاب القبح أحد الأمراض الأكثر انتشاراً. إنه يبدأ في مرحلة الطفولة، ويتزايد في مرحلة المراهقة، ثم يتّخذ أشكالاً مزمنة بعد البلوغ، ليدوم في مرحلة الشيخوخة"؛ لكنه يُعدّ أيضاً "دافعاً هائلاً لتحقيق النجاحات" لأننا لا نتجاوزه بسهولة.
ويضيف الدكتور أوليفنشتاين: "عذراً على المبالغة لكن يجب أن تكون لدينا قاعدة أخلاقية مفادها أن القبح لا يجب أن يمنعنا من العيش مثلما نريد، ولبلوغ ذلك سيتعيّن علينا باستمرار خوض معركة داخلية مع الذات"، تضاف إليها قناعة أخرى بأن "الحبّ الذي نمنحه لكائن بالغ أو طفل، يحوّل القبح إلى جمال دون أي قيود".