ملخص: تُعد عمليات التجميل اليوم واحدة من أكثر العمليات الجراحية شيوعاً في أنحاء العالم كافةً، فما الأسباب التي أسهمت في ازدياد شعبيتها إلى هذا الحد؟ وما آثارها في الصحة النفسية؟
محتويات المقال
يُحكى أن الإمبراطور الفارسي زركسيس الذي جعل الإمبراطورية الفارسية أعظم قوة في العالم القديم، قد أوقف ذات مرة جيشاً كاملاً فقط ليتأمل جمال شجرة جمّيز صادفها في طريقه. سَحره جمالها، لدرجة أنه أمر بتزيينها بزخارف ذهبية وأن يحرسها بعضٌ من قوات النخبة لديه. فهل نستطيع أن نلوم زركسيس في تقديسه للجمال؟
في الواقع، هكذا هُم البشر؛ حتى أقوى الأقوياء لا يستطيع الصمود أمام تجليات الجمال في هذا العالم! نحن نحب الجمال، وهو ميل طبيعي متأصل فينا؛ لكن هل تحوَّل هذا الميل الطبيعي إلى انحراف؟ لماذا بات الناس يلجؤون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تجميل أنفسهم عبر الجراحات والإجراءات التجميلية؟ هل أصبح الجمال الداخلي كلمات دون معنى؟ تعرَّف إلى أسباب انتشار عمليات التجميل وعلاقتها بالحالة النفسية، وإذا كانت تزيد الثقة بالنفس فعلاً أو تزيد الوضع سوءاً.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الرسائل النصية بعلاقاتنا مع الآخرين؟
أهمية الجمال بالنسبة إلى البشر
عمليات التجميل هي إجراءات طبية جراحية أو غير جراحية تهدف إلى تغيير المظهر الجسدي لأسباب تجميلية وليس لأسباب طبية، وقد ازداد الطلب عليها على نحو كبير وسريع جداً في أنحاء العالم جميعها.
ورغبة الشخص في أن يبدو جميلاً وجذاباً ليست موضة حديثة؛ بل هي جزء من الطبيعة البشرية، فالحكم على الجاذبية الجسدية له عواقب حقيقية؛ إذ تشير جاذبية الشخص وجماله من وجهة نظر علم الأحياء التطوري إلى صحة أفضل ولياقة أعلى وقدرة إنجابية أكبر.
وفي العالم الحديث، يبدو أن الأشخاص الجذابين جسدياً يتمتعون بمجموعة كبيرة من المزايا والامتيازات في الحياة، سواء الحصول على درجات أعلى في المدرسة، أو تلقي المزيد من المساعدة عند الحاجة، أو إيجاد فرص عمل بسهولة أكبر، أو الحصول على رواتب أعلى، أو المزايا الإضافية التي يمتلكونها في العلاقات الاجتماعية والزواج وغيرها.
لذلك، لا عجب أن ينفق الناس الكثير من الوقت والمال والطاقة العاطفية في تحسين مظاهرهم، خصوصاً وأنهم يشعرون بثقة أكبر عندما يعتقدون أنهم يجذبون الآخرين.
اقرأ أيضاً: 3 تعبيرات جسدية تكشف النرجسيين
أسباب انتشار عمليات التجميل
بالإضافة إلى الرغبة الطبيعية في أن نكون جذابين، فقد تُعزى الزيادة الكبيرة في معدل إجراء عمليات التجميل اليوم إلى العديد من الأسباب؛ وأهمها:
- أهمية المظهر الجسدي في المجتمعات المعاصرة، وبحث الناس المتواصل عن أي وسيلة ممكنة لتغيير مظهرهم بشكل يتوافق مع المُثُل المجتمعية للجمال؛ كالجسد النحيل أو البشرة الخالية من التجاعيد أو الأنفاً المستدق.
- ازدياد الوعي العام حول الجراحات التجميلية ونتائجها، خصوصاً مع ترويج المشاهير والمؤثرين لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
- انخفاض تكلفة هذه الإجراءات.
- وجود بعض الاضطرابات النفسية التي ترتبط بتدني احترام الذات مثل اضطراب القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى وجود بعض اضطرابات الشخصية التي قد تحفز السعي وراء العمليات التجميلية؛ مثل اضطراب الشخصية النرجسية، واضطراب الشخصية الهستيرية.
في الواقع، تُعد صورة الجسد من أهم الجوانب النفسية التي قد تؤثر في قرار الخضوع للعمليات التجميلية، وصورة الجسد هي أفكار الشخص ومعتقداته وشعوره وسلوكه حول مظهره الشخصي، وتتأثر هذه الصورة بعدة عوامل، وقد تتغير في مواقف مختلفة.
ومن الواضح أن عدم الرضا عن صورة الجسد يؤثر فيالصحة النفسية ويؤدي إلى مشكلات جسدية ونفسية. وعلى الرغم من أن الرغبة في الجمال هي سمة طبيعية ومشتركة عند البشر جميعهم، فقد تكون هذه الرغبة أقوى عند الأفراد غير الراضين عن شكل أجسادهم؛ ما قد يجعلهم ينخرطون في سلوكيات غير صحية مثل الحرمان من الطعام أو استخدام أدوية إنقاص الوزن أو اكتسابه أو التمارين الرياضية المفرطة، وقد يميلون بشكل أكبر إلى إجراء العمليات التجميلية.
اقرأ أيضاً: لمَ يؤمِن البعض بالخرافات؟ مختصون نفسيون يجيبون
الآثار الإيجابية لعمليات التجميل في الحالة النفسية
يمكن القول إن عمليات التجميل قد تحقق العديد من الفوائد للصحة النفسية؛ وأهمها:
- زيادة الثقة بالنفس وتعزيز الصحة النفسية: يمكن للعمليات التجميلية الناجحة، سواء الجراحية أو غير الجراحية، أن تساعد الناس على مواءمة أجسادهم مع الشكل الذي يريدونه؛ ما قد يساعد على زيادة الثقة بالنفس، وتعزيز احترام الذات، وتحسين أعراض بعض الحالات المتعلقة بالصحة النفسية كالقلق والاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، تسهم زيادة الثقة بالنفس وشكل الجسم في تحسين الصحة العاطفية والاجتماعية وجودة الحياة بشكل عام.
- علاج آثار الصدمات النفسية في الطفولة: تشير نتائج بعض الدراسات إلى أن الخضوع لعمليات التجميل قد يخفف من الضيق النفسي والآثار المؤلمة الناتجة من الصدمات النفسية في مرحلة الطفولة؛ مثل الإساءة والتنمر في المدرسة وغيرها.
- تحسين وظيفة الأعضاء: يركز بعض الجراحات التجميلية على تحسين وظيفة الأعضاء وتصحيح مناطق عدم الانتظام الوظيفي أو خلله؛ ما قد يساعد على تحسين نوعية حياة الشخص.
اقرأ أيضاً: لماذا يكره البعض تلقي الهدايا؟
الآثار السلبية للعمليات التجميلية في الصحة النفسية
في المقابل، قد تؤثر العمليات التجميلية سلباً في الصحة النفسية؛ كأن تسبب الشعور بالضيق أو الاستياء أو حتى الإدمان على التجميل، وخصوصاً عند الأفراد الذين يمتلكون توقعات غير واقعية عن نتائج العمليات، أو الذين سبق وخضعوا لعمليات تجميل غير مُرضية، أو الذين يعانون من بعض الاضطرابات النفسية.
إذ قد لا يشعر بعض الأشخاص بالرضا عن الإجراءات التجميلية على الرغم من أن النتائج قد تكون جيدة كالأشخاص الذين يعانون من اضطراب تشوه الجسم؛ وهو اضطراب يتضمن انشغالاً أو هوساً بواحد أو أكثر من العيوب التي يتخيلها الشخص في مظهره الجسدي؛ والتي قد لا تكون مرئية للآخرين أو قد تكون بسيطة جداً.
ويقوم الشخص بسلوكيات متكررة مثل فحص العيب الجسدي بشكل مفرط في المرآة، أو مقارنة مظهره بأشخاص آخرين، كاستجابة للشعور بالضيق والقلق المتعلق بهذا العيب.
يمكن أن يكون لهذه المخاوف تأثير سلبي كبير في الحياة اليومية، وغالباً ما يلجأ المصاب إلى عيادات التجميل للحصول على العلاج بدلاً من عيادات الصحة النفسية، والمشكلة أن التدخل التجميلي عادة ما يجعل الشخص المصاب بهذا الاضطراب يشعر بالشعور السابق نفسه أو حتى أسوأ منه، وقد يصبح أكثر انشغالاً بالعيب الملحوظ ويسعى إلى المزيد والمزيد من الإجراءات التجميلية، أو قد يشعر بالتحسن حول هذا العيب لكن ينتقل هوسه إلى جزء آخر من الجسم.
بالإضافة إلى اضطراب تشوه الجسم، فمن المرجح أن تتفاقم أعراض ضعف الصحة النفسية بعد عمليات التجميل عند الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، فحتى ولو شعر البعض بالرضا مؤقتاً من النتائج، فغالباً ما يعود إلى الاكتئاب وتفاقُم تدنّي احترام الذات لاحقاً.
ختاماً، يمكن القول إنه من المفهوم أن يسعى الإنسان إلى حل بعض المشكلات الجسدية عن طريق التجميل على نحو يزيد من سعادته وراحته النفسية؛ لكن ينبغي التفكير جيداً في مخاطر هذه الإجراءات، وفهم النتائج المتوقعة، ومن الضروري أن تُعطى الأولوية للصحة النفسية وعلاج مشكلاتها عند المختصين قبل اللجوء إلى التجميل.