هل انتابك الشكّ يوماً بأنك قمت بقرار شراء مستعجَل، وأنفقت مبلغاً من المال أكثر من القيمة الحقيقية للمنتج؟ أغلبنا سيجيب بنعم؛ ولكن أكثرنا صدقاً سيقول: "دائماً". قد نكون كلنا ضحايا أساليب الخداع المستخدمة في علم نفس المستهلك بشكلٍ أو بآخر. وبقدر ما يعطي هذا المجال لخبراء التسويق امتيازات لتحسين الخدمات والمنتجات، يمكن أن يمنحهم أيضاً نوعاً من "السيطرة" على سلوك المستهلك؛ وبالتالي يقومون بتوجيهه إلى اتخاذ قرارات شراء تفوق تحمّله، بينما تضاعف مبيعات الشركات والتجار.
ما هو علم نفس المستهلك؟ وما استخداماته؟
علم نفس المستهلك (Consumer Psychology) هو دراسة الدوافع النفسية المحرّكة وراء قرارات الشراء التي يتخذها المستهلك؛ إذ يتفحّص هذا المجال تصورات المستهلكين ومعتقداتهم ومشاعرهم وأفكارهم التي تؤثّر في سلوكياتهم الشرائية من خلال استخدام مناهج نفسية نظرية لفهم المستهلكين وفقاً لجمعية علم النفس الأميركية (APA). ويُشار إلى هذا المجال أيضاً باسم "علم النفس التسويقي" (Marketing Psychology) أو "علم التسويق العصبي" (Neuromarketing).
وبالرغم من المزايا التي يتيحها هذا المجال لتقديم الأفضل للعملاء من منتجات أو خدمات؛ لكن يشير بعض المحللين والمهتمين إلى وجود جانب غير أخلاقي يتمثّل في مجموعة من الأساليب أو الحيل النفسية التي يستخدمها المسوقون لخداع العملاء.
وواحد من هؤلاء هو الكاتب والمتخصص في علم النفس التربوي، مارتي نيمكو (Marty Nemko) الذي كتب الآتي: "يُستخدم التسويق بكثافة لجعل الناس يشترون منتجات باهظة الثمن والتي تؤدي في الواقع أداءً أسوأ أو ليس أفضل بكثير". وأضاف: "يركز المعلِنون جهودهم على الأشخاص الأقل احتمالية لاتخاذ قرارات شراء مدروسة".
أما خريجة التسويق وعلم نفس المستهلك من جامعة ساسكس بالمملكة المتحدة (University of Sussex)، سريشتى باثاك (Srishti Pathak)، فتقول: "لقد استكشفت الجانب الأخلاقي للتسويق. قرأت دراسات حالة واقعية وتعلمت كيف أدت الممارسات غير الأخلاقية إلى نتائج كارثية ليس فقط للعملاء ولكن للمنظمات أيضاً".
كيف يؤثر علم نفس المستهلك في قرارات الشراء؟
يُعتبر علم نفس المستهلك أداة قوية لقياس السلوك الحالي أو المحتمَل للمستهلكين حسب المعلومات الصادرة عن جامعة جنوب كاليفورنيا (USC)، فنتائج تحليل البيانات التي يتم جمعها عن المستهلكين تمكّن المسوقين من التطبيق المباشر لها في استراتيجيات التسويق وتصميم الحملات الإعلانية.
حيث تستهدف هذه الأخيرة مجموعة سكانية بمعايير ترتبط بالسن والدخل مثلاً، يحدّدها المسوقون. غير أنها ليست محدودة في تلك المعايير، فكلما زاد عددها كان الاستهداف أفضل، وأدى ذلك إلى نتائج أفضل، تترجَم في شكل مبيعات أكثر.
يملك علماء نفس المستهلك القدرة على التأثير في المستهلك الذي يمكن أن يقوم بسلوكيات شراء لا يقوم بها عادة، أو إقناعه بتغيير نمط تفكيره وآرائه بخصوص قضية ما؛ مثل الانتقال إلى نمط حياة أكثر استدامة بيئياً.
إذ يجعل هذا التغيير المستهلك يرغب على سبيل المثال في الاستثمار في الألواح الشمسية المنزلية أو سيارة كهربائية لتقليل انبعاثات الكربون، أو اختيار السلع المعاد تدويرها، أو تناول كميات لحوم أقل.
وإن كان هذا يشكّل بعضاً من القدرة على التأثير الإيجابي لهذا المجال، فيمكن أن تؤدي أساليب التسويق نفسها إلى خداع المستهلك ليقوم بقرارت شراء متهورة يُشار إليها باسم "الشراء الاندفاعي".
وفي ذلك، يقول مارتي نيمكو: "يحاول التسويق التلاعب بك في الإنفاق على شيء إذا فكّرت في جميع العوامل المرتبطة فلن تنفق عليه، وهذا أمر خطير. على سبيل المثال؛ شراء المنتجات التي لم تكن لتشتريها هو أموال كنت ستوفرها أو تنفقها في عمليات شراء أكثر حكمةً أو تتبرع بها للجمعيات الخيرية".
5 حيل نفسية مستخدَمة للتأثير في سلوك المستهلك
هناك العشرات من مبادئ علم النفس التي يستخدمها المسوقون ومديرو العلامات التجارية لتشجيع القرارات التي يريدونها من المستهلك. ويشير خبير التسويق والكاتب روبرت روزنتال (Robert Rosenthal) إلى أن المسوقين الناجحين يستخدمون علم النفس بانتظام في جذب المستهلكين بالرغم من أنهم ليسوا بعلماء نفس.
وهذه بعض الأمثلة من الحيل النفسية التي يُنصح باستخدامها من قِبل ممتهني التسويق بشكل قانوني وأخلاقي لجذب المستهلكين وإشراكهم وإجبارهم على الشراء، حسب رأيه:
- تشغيل الأفكار العاطفية: تلقى عوامل الجذب النفسية والعاطفية بخصوص منتج صدىً أكبرَ لدى المستهلك مقارنة بالميزات والوظائف، فتوضيح الكيفية التي يستطيع من خلالها الهاتف الجديد أن يحسّن حياتك تؤثّر فيك أكثر من توضيح وظائفه وكيفية عمله. وفي نسخ الإعلانات، يتفوق الترويج للفوائد ذات الطابع النفسي في الغالب على الترويج لميزات المنتج بشكل عام.
- تسليط الضوء على العيوب: يلجأ المسوقون إلى تقنية ذكية تتمثّل في توضيح أوجه القصور أو العيوب في منتجهم كواحدة من الطرق لزيادة المصداقية لصالح العلامة التجارية. وواحد من أشهر الإعلانات التي اعتمدت هذه التقنية بنجاح هو ما يُعرف باسم "إعلان الليمون" (The Lemon ad) لشركة فولكس للسيارات. حيث كان نص الإعلان مكوناً من كلمة واحدة: "ليمون"، وكانت الجملة الافتتاحية تحت صورة السيارة كالتالي: "هذه السيارة فوَّتت القارب. شريط الكروم الموجود في صندوق القفازات به عيوب ويجب استبداله. من المحتمَل أنك لم تكن لتلاحظ ذلك؛ المفتش كورت كرونر لاحظه!". وبالتأكيد، الشركة التي تحرص على سلامة المستهلك في إعلان تجاري، تحظى بمصداقية أكبر.
- إعادة تنظيم المنافسة: وتُقصد بذلك إعادة تغيير المكانة التي تحتلها الشركة في أذهان المستهلكين، لاستغلال الثغرات التي من المحتمَل أن يتركها المنافسون. وكمثال على ذلك؛ حملة إعلانية أطلقتها العلامة التجارية جف (Jif) لزبدة الفول السوداني بعنوان: "الأمهات الانتقائيات يخترن جف". ذلك جعل منافسي الشركة يبدون في أذهان الأمهات المستهدَفات في الحملة كمنتجين لا يأبهون بالطعام الذي يستهلكه أطفالهن، فأي أمٍّ لن ترغب في اعتبار نفسها أماً انتقائية؟
- الترويج للاستثناء: يرغب الأشخاص في أن يشعروا بأهميتهم وكأنهم جزء من مجموعة حصرية؛ إذ يزيد ذلك من تقدير الذات لديهم، وهو واحد من الاحتياجات الإنسانية في هرم ماسلو (Maslow’s hierarchy). لذلك يكون نص الإعلان أحياناً كالتالي: "لسنا مناسبين للجميع"، ومن أشهر الأمثلة على هذه الحيلة التسويقية شعار أميريكان إكسبريس (American Express): "العضوية لها امتيازاتها".
- طرح الخوف وعدم اليقين والشك: يُستخدم الخوف وعدم اليقين والشك (FUD) كأداة تسويق قوية لجعل المستهلكين يتوقفون ويفكرون ويغيرون سلوكهم بناءً على هذه المشاعر الثلاثة. وقد يُستخدم ذلك في الحملات الإعلانية للمنتجات أو الخدمات وحتى في حملات الترشيح الرئاسية.
قد نكون على دراية مسبقة بالقوة التأثيرية للتسويق في أنماط الشراء لدينا. ومع ذلك؛ أصبح من الضروري في زخم العالم الرقمي والحملات التسويقية التي تستهدفنا في كل موقع، أن ندرك على نحوٍ أوسع مدى الأثر الحقيقي للحيل المستخدمة في علم نفس المستهلك في تشكيل تفضيلاتنا لمنتجات معينة دون أخرى، وقرارات الشراء التي نتخذها بناءً على ذلك. تسهم تلك المعرفة في حثّنا على مقاومة رغبات الشراء المندفعة والعاطفية، وانتهاج سلوك شرائي يتّسم بالحكمة.